حكت وسردت الكاتبة أثير عبد الله النشمى قصة واحدة مرتين برؤى بطليها جمانة وعبد العزيز فى روايتيها «أحببتك أكثر مما ينبغى»، و«فلتغفرى». على الرغم من وجاهة الفكرة وموهبة الكاتبة وتمكنها من لغتها وأسلوبها البسيط، لا يوجد فرق بين الروايتين فى الشكل والمضمون إلا القليل، لكن الروايتين تعطيان لنا المجال لمناقشة الآتى. جمانة هى الفتاة الشرقية المقيمة بالخارج للدراسة، التى اتخذت من حبها لعبد العزيز الحجة لتبرير ضعفها. وعبد العزيز مثال لبعض من الشباب العربى المقيم بالخارج، الذى يريد أن يعيش مثل الرجل الغربى، لكن قلبه ووجدانه مع العادات والتقاليد الشرقية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالعلاقات النسائية. جمانة ظلت خانعة وضعيفة أمام عبد العزيز باسم الحب، وهو لم يتردد فى استغلالها لإظهار قوته الهشة. حتى وبعد أن فعل عبد العزيز كثيرا من الأخطاء والخطايا، لم يستطع أن يحاسب نفسه، ويرى جمانة، وظل فى عزلة مع نفسه. وبالمثل ظلت هى غير قادرة على استعادة نفسها من الحب الوهمى ومن عبد العزيز ذى الشخصية المتسلطة والنرجسية والمترددة والضعيفة أمام شهواته ونزواته الدائمة. لماذا لم يستطع بطلا الرواية الخروج من عزلتهما؟ لماذا رأت جمانة حبها لعبد العزيز ولم تره هو نفسه؟ وبالمثل عبد العزيز الذى لم يستطع أن يرى غير ذاته وحبه لها لغرض التحكم والتسلط؟ لماذا نرى أنفسنا مركز ومحور هذا الكون؟ لماذا نعيش حياتنا بنظرة أحادية شخصية فقط؟ المشكلة فى التمحور حول الذات، ورؤية العالم من منظور شخصى بحت، هى الأمراض التى تصاحبها مثل الغرور والنرجسية والبراجماتية (أمراض العصر). هل أصبحنا مرضى نفسيين؟ وقبل أن نجاوب، دعونا أولا تعريف هذه المصطلحات. فالغرور هو أن يجعل الإنسان من ذاته مركزا لعالمه دون الاهتمام بالآخرين. والنرجسية هى عشق النفس فقط، ورؤية أننا الأفضل فى كل شىء، وأصل الكلمة يرجع إلى أسطورة يونانية بطلها نركسوس ، الذى كان آية فى الجمال، وقد عشق نفسه، بعد أن رأى وجهه فى الماء حتى الموت. أما البراجماتية كما عرفها الفيلسوف وليم جيمس هى الموقف الذى يُصرف النظر فيه عن المبادئ والضرورات المفترضة، ويتجه إلى الآثار والنتائج والوقائع فقط. فالشخص البراجماتى هو استغلالى وابتزازى ووصولى يستفيد من الآخرين فى تحقيق مصالحه وأهدافه الشخصية فقط. وأخيرًا، مرض الأنا وهو مزيج من تلك الأمراض السابق ذكرها. وبعد تعريف تلك الأمراض، لا نستطيع أن نجاوب بلسان أحد، فهذا سؤال شخصى! لكن تكمن المشكلة فى هل نحن نعرف أنفسنا حقا؟ أم أننا نعيش اليوم بيومه؟ أو كما نقول بنعيش اللحظة . اسمع يا سيدى ماذا قال عمنا صلاح جاهين يا باب أيا مقفول، امتى الدخول، صبرت ياما واللى يصبر ينول، دقيت سنين، والرد يرجع لى: مين، لو كنت عارف مين أنا، كنت أقول.. عجبى . يجب علينا أن نرى ونسمع ونحترم الآخر. فنحن دائمًا ما نرى العالم بأعيننا نحن فقط، ولا ندرك أن ما نراه ليس بالضروره الحقيقة المطلقة، إنما جزء من الحقيقة كما نراها. لكن المشكلة لا تكمن فقط فى ادعائنا رؤية الحقيقة، لكننا ندعى أننا الحق نفسه. فالحق ثابت لا يتغير، لكن الحقيقة تتغير مع اختلاف الزمان والمكان والأشخاص. فليس بالضرورة ما أراه حقيقة هو حقيقة لمن حولى. على الهامش، إذا لم نستطع أن نرى الآخر، هل نحن حقا نريد الديمقراطية؟ فإذا طالبنا بها فيجب سماع واحترام الآخر المختلف معنا قبل من يوافقنا الرأى. هذه هى الديمقراطية كما يجب أن تكون وليس كما يريدها بعض الجماعات والنخب فى مجتمعنا، الذين يحتكرون الحقيقة لأنفسهم. آسف فهذه ديمقراطية مستبدة وعنصرية . اعتذار واجب عن الخطأ، الذى وقعت فيه فى مقالة الأسبوع الماضى، فامتحان محو الأمية لا يدفع له مصاريف لأنه مجانى!