نظرة متفحصة للمستقبل تبشر بواقع جديد للحياة النيابية فى مصر، لا تمتد جذوره إلى برلمان السادات أو مبارك أو حتى برلمانات ما قبل ثورة 52، فهذا البرلمان له سلطات تشريعية ورقابية غير مسبوقة على السلطة التنفيذية لم تشهدها مصر منذ بدء النظام البرلمانى قبل 148 عامًا، وتحديدًا فى عهد الخديو إسماعيل عام 1866، مع ظهور أول مجلس لشورى النواب ضم 75 عضوًا منتخبًا. واليوم يواجه برلمان ما بعد الثورتين (25 يناير و30 يونيو) القرن الحادى والعشرين بتحدياته الأمنية والاقتصادية ومتطلباته الفنية والتقنية، فمصر فى حاجة إلى برلمان حديث وغير نمطى، يدار بقدر كبير من الحرفية، لا يعيق الحكومة وبرامجها التنموية وإنما يقومها ويدعمها. البرلمان الجديد يتطلب قيادة إصلاحية تعيد تنظيمه وتأهيله حتى يؤدى دوره المنشود فى تدشين الحياة النيابية للجمهورية الثالثة، فهو ليس كغيره من البرلمانات السابقة أو اللاحقة، فهو برلمان يتحمل مسؤولية تحديث نفسه من الداخل أولا حتى يقوم بدوره من رقابة وتشريع بكفاءة واقتدار. وكما هو الحال فى برلمانات العالم، فإن القيادة لا تقع على عاتق كل الأعضاء ولكن على مجموعة منه تشكل عموده الفقرى، ويقودون هذا التحول الجذرى فى كيفية قيام البرلمان بمهامه. إن اهتمامى بالانتخابات النيابية المقبلة والبرلمان الذى سوف تفرزه وتوقعات الناس والقيادة السياسية جعلنى أستبق الأحداث لأستشف -من وجهة نظرى- المعطيات التى يحتاج إليها البرلمان المقبل للقيام بدوره على الوجه الأكمل، والتى ألخصها فى التوصيات التالية: ■ أرى أن يبادر الرئيس إلى استخدام سلطاته ويبدأ فى إعداد البيت من الداخل بإعادة تشكيل أمانة المجلس ومهامها، بحيث يكون هدفها الأول هو توفير الدعم للنواب الجدد للقيام بمهامهم التشريعية والرقابية على الوجه الأمثل، عن طريق تطوير شكل المجلس وأسلوب عمله. ■ إن أول وأهم الأولويات هى إعداد لائحة جديدة للمجلس، ومن الطبيعى أن يستغرق ذلك بعض الوقت، وأن يتم معها دراسة قواعد الممارسات فى البرلمانات التى نجحت فى ظروف مشابهة، كما يجب دراسة الممارسات فى البرلمانات العريقة، وبصفة خاصة قواعد مساءلة الحكومة وفكرة الاستجواب والسؤال والإحاطة، وطريقة المناقشة والحوار وإعطاء الكلمة وسحبها، وتحديد ما يناقش فى الجلسة العامة وما يناقش فى اللجان، وسلطات اتخاذ القرار، وأسلوب عرض ومناقشة الموازنة والقوانين والتصويت عليهما، وكذلك أهمية إعادة النظر فى أوقات عمل المجلس والإجازات، وطريقة إثابة النواب، وفكرة بدلات حضور الجلسات واللجان. ■ إعادة النظر فى تشكيل لجان المجلس ومهامها وطرق عملها، وكذلك فى هيكل الأمانة العامة وكيفية دعمها لعمل اللجان، وضرورة أن يكون هناك أمانة فنية لكل لجنة تتكون من متخصصين على مستوى عالٍ يساعدون أعضاء اللجان من النواب فى النواحى الفنية والبحثية فى مجال عمل اللجنة، ودعم اللجان بما تحتاج إليه من دراسات واشتراكات فى مجلات ومراكز بحوث محلية وعالمية وبيوت خبرة واستشاريين خارجيين. ■ ضرورة أن يخضع النواب الجدد بلا استثناء إلى دورة إعداد، وهذا معمول به فى كثير من الدول، حيث يتم إعداد النواب الجدد على الأدبيات البرلمانية وقواعد العمل البرلمانى، والتعريف بنظام الحكم ودور البرلمان وعلاقته بالسلطتين التنفيذية والقضائية وكيفية التعامل معهما، والتعريف بواجبات وحقوق النائب، وبالهيكل التنفيذى للدولة، والأجهزة الرقابية التى تساعد المجلس على القيام بدوره الرقابى وكيفية الاستفادة منها والعمل معها، التعريف بلجان المجلس وطرق عملها، وأخيرا التعريف بالموازنة العامة للدولة، وكيفية فهمها ومناقشتها والتصويت عليها. ■ إعداد ملف بالسياسات والقضايا الهامة التى يجب أن يعيها أعضاء المجلس، مثل سد النهضة ومشروع قناة السويس والاستحقاقات الدستورية المطلوب من البرلمان الانتهاء منها خلال الدورة المقبلة. ■ ضرورة تبنى التقنية الجديدة والتكنولوجيا كأسلوب عمل داخل المجلس فى المراسلات والتواصل، وفى الدراسة والعرض والمناقشة، فهذا يساعد على سرعة ودقة الإنجاز. ■ دعم شفافية الأداء داخل المجلس، فيصبح حضور الجلسات واللجان والتصويت فيها علنيا ومعروفا، ويكون من حق المواطن محاسبة النائب على أدائه فى المجلس، وعلى كيفية تصويته على المواضيع المختلفة. ■ ضرورة إعداد ميثاق شرف وتفعيل القانون فى ما يخص أداء النواب داخل وخارج المجلس، وتفعيل فكرة تعارض المصالح للأقارب حتى الدرجة الرابعة، والإعلان عن الهدايا والتبرعات ودعوات السفر المدفوعة.