ما أشبه الليلة بالبارحة، كما ترتفع الآن الشعارات المطالبة بالقصاص السريع من قتلة شهداء ثورة يناير، وتتوالى الاحتجاجات على بطء العدالة، قاد الصحابيان المبشران بالجنة طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، فى صدر الإسلام، مسيرة مسلحة خرجت فى مقدمتها أم المؤمنين السيدة عائشة، للمطالبة بسرعة القصاص من قتلة الخليفة الراشد عثمان بن عفان، لكن المسيرة التى خرجت من مكة إلى البصرة فى عام 36ه، والتى كانت تستهدف التحفيز والإصلاح، تحوَّلت إلى معركة حربية دامية سميت «موقعة الجمل»، لأن السيدة عائشة ذهبت مع الجيش إلى البصرة فى هودج من حديد على ظهر جمل، تقاتل الناس حوله فى مشهد دموى مأساوى! لكن لماذا وكيف حدثت هذه المأساة؟ وكيف اصطرعت سيوف الصحابة فى مواجهة بعضهم بعضًا؟ تقول الروايات التاريخية إن الإمام علِى بن أبى طالب لم يكن قادرًا فور توليه الخلافة على تنفيذ القصاص فى قتلة عثمان مع علمه بأعيانهم، وذلك لأنهم سيطروا على مقاليد الأمور فى المدينة النبوية، وشكَّلوا قوة مسلحة من الصعب القضاء عليها، وحتى لا تتسع دوائر الفتنة فضَّل الانتظار لفرصة لا يؤدى فيها القصاص إلى المزيد من إراقة دم المسلمين، وفى المقابل تصاعدت موجات الرفض لسياسة التباطؤ، ولما مضت أربعة أشهر على بيعة علِىّ دون أن ينفّذ القصاص، قاد بعض الصحابة وعلى رأسهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام مسيرة إلى مكة، حيث التقوا أم المؤمنين عائشة بعد أدائها فريضة الحج، واتفق رأيهم على الخروج إلى البصرة، ليس بغرض القتال، ولكن للمطالبة بالقبض على قتلة عثمان، والقصاص منهم، وقبل انطلاقهم أرسلوا إلى والى البصرة عثمان بن حنيف، يخطرونه بذلك، ولما استفسر ابن حنيف عن نوايا المسيرة، قالت السيدة عائشة قولتها الشهيرة: إن نريد إلَّا الإصلاح. فوقف ابن حنيف يستشير الناسَ فى هذا الأمر، واقترح رجل يُسمَّى الأسود بن سَرِيع، التضامن مع الجيش القادم من مكة للقصاص من قتلة عثمان، ما دام لا يوجد أحد منهم فى البصرة، فرشقه مجهولون بالحجارة اعتراضًا على رأيه، فأدرك ابن حنيف أن لقتلة عثمان أعوانًا فى البصرة، وتذكّر رأى الخليفة الذى حذَّر من تجدد إيقاظ الفتنة فى حال التعجل بالضغوط فى هذه القضية، ولهذا رفض دخول جيش المحتجين إلى البصرة، فأبلغوه أنهم سيدخلون بالقوَّة، ووقف طلحة يخطب فى جنود ابن حنيف على مداخل البصرة ويذكِّرهم بدم عثمان، ثم خطب الزبير بن العوام بعده، لكن الجنود لم يتزحزحوا، فقامت السيدة عائشة وخطبت فيهم خطبة مؤثرة رقَّقت قلوبهم لدم عثمان، فانقسم جيش ابن حنيف، وانضم نصفه إلى جانب السيدة عائشة، وشعر الوالى بخطر الفتنة فطلب مهلة لاستشارة الخليفة فى أمر السماح لهم بدخول البصرة، وتوجَّس قتلة عثمان من أمر الصلح، وخرج حكيم بن جبلة من مكمنه، وكان أحد قتلة عثمان المطلوبين للقصاص، وبدأ القتال مع جيش السيدة عائشة، وانتهت المعركة بمقتله، وأُسر ابن حنيف، وكانت المعلومات عن مسيرة طلحة والزبير قد وصلت إلى الخليفة، فخرج من المدينة قاصدًا البصرة ومعه قوة صغيرة أقل من ألف مقاتل، وعند منطقة الربذة لقى عبد الله بن سلام فأخذ بعنان فرسه، وقال له: يا أمير المؤمنين، لا تخرج منها فوالله لئن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبدًا ، وكتب على يخاطب أهل الكوفة: .. كونوا لدين الله أعوانًا وأنصارًا، وأيّدونا وانهضوا إلينا، فالإصلاح نريد لتعود هذه الأمة إخوانًا ، ثم وقف يخطب فى قواته بالربذة قائلًا: إن الله أعزّنا بالإسلام ورفعنا به، وجعلنا به إخوانًا (...) حتى أصيب هذا الرجل (يقصد مقتل عثمان) بأيدى قوم نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة، ألا وإن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلها، فنعوذ بالله من شر ما هو كائن ، وحذَّر من تفرق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، ثم اختتم حديثه قائلًا: فما عرفه القرآن فالزموه، وما أنكره فردّوه، وارضوا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، وبالقرآن حكمًا وإمامًا . وبعدها سأله ابن أبى رفاعة: يا أمير المؤمنين، أى شىءٍ تريد، وأين تذهب بنا؟ غدًا نعرف إجابة علِى، كرَّم الله وجهه.