قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل نبى حواريّاً، وحواريّ الزبير بن العوام». هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب، كنيته أبو عبد الله، حوارى رسول الله كما أن أمه (صفية) عمة رسول الله، وزوجته أسماء بنت أبى بكر «ذات النطاقين»، وكان من أعظم الفرسان وأشجعهم وأحد العشرة المبشرين بالجنة، قال عنه الفاروق عمر: الزبير ركن من أركان الدين، وكان أحد الستة الذين اختارهم عمر للخلافة من بعده. أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة، وكان من السبعة الأوائل الذين سارعوا بالإسلام، وقد كان فارسا مقداما، وإن سيفه هو أول سيف شهر بالإسلام، ففى أيام الإسلام الأولى سرت شائعة بأن الرسول قد قتل، فما كان من الزبير إلا أن استل سيفه وامتشقه، وسار فى شوارع مكة كالإعصار، وفى أعلى مكة لقيه الرسول فسأله ماذا به؟ فأخبره النبأ.. فصلى عليه الرسول ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب. إيمانه وصبره كان للزبير -رضى الله عنه- نصيب من العذاب على يد عمه، فقد كان يلفه فى حصير ويدخن عليه بالنار كى تزهق أنفاسه، ويناديه (اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب).. فيجيب الفتى الغض (لا والله، لا أعود للكفر أبدا).. ويهاجر الزبير إلى الحبشة الهجرتين، ثم يعود ليشارك فى كل الأحداث مع الرسول. فى غزوة «أحد» وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكة، ندب الرسول الزبير وأبوبكر لتعقب جيش المشركين ومطاردته، فقاد أبوبكر والزبير -رضى الله عنهما- سبعين من المسلمين قيادة ذكية، أبرزا فيها قوة جيش المسلمين، حتى إن قريش ظنت أنهم مقدمة لجيش الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين. كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة، فيها هو يقول: إن طلحة بن عبيدالله يسمى بنيه بأسماء الأنبياء، وقد علم ألا نبى بعد محمد، وإنى لأسمى بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون، وهكذا سمى ولده حمزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب، وسمى ولده جعفراً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبى طالب، وسمى ولده مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عمير وسمى ولده خالدا تيمنا بالشهيد خالد بن سعيد. بعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير وطلحة لعلى -رضى الله عنهم جميعا- وخرجوا إلى مكة معتمرين، ومن هناك إلى البصرة للأخذ بثأر عثمان، وكانت (واقعة الجمل) عام 36 هجرية طلحة والزبير فى فريق وعلى فى الفريق الآخر، وانهمرت دموع على -رضى الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين (عائشة) فى هودجها بأرض المعركة، وصاح بطلحة (يا طلحة، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها، وخبأت عرسك فى البيت؟). ثم قال للزبير: يا زبير ناشدتك الله، أتذكر يوم مر بك رسول الله ونحن بمكان كذا، فقال لك يا زبير، ألا تحب عليا؟ فقلت ألا أحب ابن خالي، وابن عمي، ومن هو على ديني؟ فقال لك يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم، فقال الزبير: نعم أذكر الآن، وكنت قد نسيته، والله لا أقاتلك، وأقلع طلحة والزبير عن الاشتراك فى هذه الحرب، ولكن دفعا حياتهما ثمنا لانسحابهما، فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز، ولما كان الزبير بوادى السباع نزل يصلى فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله، وسارع قاتل الزبير الى على يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذى استلبه بين يديه، لكن عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن وأمر بطرده قائلا: بشر قاتل ابن صفية بالنار. وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبله الإمام وأمعن فى البكاء وهو يقول: سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله، وبعد أن انتهى على -رضى الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات انهاها قائلا: إنى لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم: «ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين»، ثم نظر إلى قبريهما وقال: سمعت أذناى هاتان رسول الله يقول: طلحة والزبير، جاراى فى الجنة.