ما أجمل الكتابة فى الأزمنة الثورية. ولا متعة ألذ من نقش اسمى على جدار وطن، ينتفض بالغضب النبيل، ويتشبث بإقامة دولة العدالة ومجتمع الحريات. يا وطنى.. لو لم أكن أشبه عنفوان ثورتك لما تجرأت على الكتابة. اخترت حريتى.. ودفعت الثمن. وأنت يا وطنى، اخترت حريتك، ولا بد من أن تدفع الثمن. إننى معك على الدرب، فلا تبخل على روحى بلمسة حنان، لن تندم على احتضان كلماتى، التى شبعت من خيراتك، وارتوت من النيل، المسافر مثلى إلى المحال والمطر والغناء على إيقاعات الصمت. من حقى، بل من واجبى، أن أسألك، هل تشعر أنك فى كامل يقظتك الثورية؟ هل أنت واعٍ بالمراوغات والحيل والألاعيب التى تستغل سماحتك وقلبك الطيب ورغبتك فى إعطاء نموذج ثورى لا يحجب الحرية عن أحد أيا كان؟ دعنى أصارحك بأن وردة 25 يناير التى زرعتها فى نفوسنا، تستغيث بك، فهل تسمعها يا وطنى؟ أسألك، لماذا أخليت الساحة لأنصار الإسلام المستورد من حضارة الصحراء، ورائحة النفط، وتجهم اللغة، وتزمت الطقس.. حضارة العنف، والدماء، والحرق، والرجم بالطوب، والحجارة، والجلد بالكرابيج.. حضارة حشر النساء فى أكفان تتحرك بالريموت كونترول. أسألك يا وطن، لماذا نستورد الإسلام من الخارج؟ ألا يكفى أننا نستورد القمح الذى يطعمنا.. والأجهزة التى نعمل بها، والدواء الذى يشفينا والوجبات السريعة الجاهزة التى تمرضنا والنظريات العلمية التى ندرسها، والمشروبات الغازية التى تغزونا بالمزيد من الظمأ.. لماذا نستورد رؤية هلال شهر شوال ويثور الجدل والبلبلة، أهو «زحل» أم «القمر»؟ لماذا، باسم الحرية، نستورد أكثر التفسيرات الدينية رجعية، وعنفا، وذكورية؟ لماذا تحت غطاء الديمقراطية نستورد أشد التفسيرات الدينية قمعا وجمودا وديكتاتورية؟ هل اشتكى المصريون والمصريات من الإسلام الذى عرفته مصر، والذى جعلها أكثر انفتاحا، ورحابة، ورقيا، وتحضرا، وحرية، وعشقا للحياة، وحبا فى الفن؟ إن التفسيرات المصرية للدين التى تميزت بعدم التعصب الدينى والنفور من أى تزمت، أو تطرف، أو إرهاب، يمارس تحت اسم الدين هى التى جعلت من مصر بلدا جاذبا للكثير من الجنسيات الأجنبية. الآن، يحدث العكس. مع سيادة اللغة الدينية الصحراوية أصبحت مصر بلدا طاردا، لأهله قبل الآخرين. للمسلمين، الذين يفضلون إسلام مصر -حضارة الماء ولا يطيقون إسلام الصحراء- حضارة الدماء.. وكذلك للمسلمين، الذين يؤمنون أنه لا إكراه فى الدين، وأن الدين لله، والوطن للجميع، والذين هم مع العدالة الكاملة، بين النساء، والرجال، والعدالة الكاملة، بين أصحاب جميع الديانات.. سماوية.. أرضية.. وبين أصحاب أى دين ومن لا دين لهم. حيث الانتخابات على الأبواب، قرأنا فى كبرى الجرائد القومية، السبت 3 سبتمبر 2011، فى صفحة 4، عنوانا بالبنط الأسود الكبير، «التيار الإسلامى يطمئن المجتمع».. وقرأنا تصريحات كل تيار إسلامى، التى تضم التناقضات، وتثير البلبلة، وتدعو إلى القلق، وليس إلى الطمأنينة. نشرت تصريحات على لسان قيادات إسلامية وأعضاء أحزاب سياسية تأسست، وأعضاء أحزاب إسلامية تحت التأسيس، وكل منها، سيطبق الإسلام والحدود، ومعاملة النساء، والأقباط، كما يريد، سواء الإخوان أو الجماعات الإسلامية أو السلفيين. وهذه بعض التصريحات على سبيل المثال لا الحصر: «جميع الدساتير المصرية لم تنص على مدنية الدولة.. ونتوقع تنامى عدد المؤيدين للتيار الإسلامى.. الأقباط لا نمسهم طالما لا يؤذوننا فى ديننا.. ما يحدث الآن هو شغب علمانى... المرأة إذا علمت حكم الحجاب فى القرآن فسوف تلتزم به.. مَن يحاول وضع فصل الدين عن الدولة يشعل النار فى الأمة.. الحاكم فى الإسلام وكيل عن الأمة فى إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين.. التحالف بين العسكر والليبراليين ضد الإسلاميين مخاطرة وعليه تعلم قبول الآخر... حقوق المرأة مصونة». التصريحات، كما يقال ل«طمأنة الشعب المصرى»... أليس فى هذه الجملة نفسها ما يحمل القلق؟ وإلا لماذا تهتم التصريحات ب«طمأنة الشعب المصرى»، لو كانت أهداف هذه التيارات -على اختلافها- مع الدولة المدنية، وعدم خلط الدين بالسياسة، والعدالة بين النساء والرجال، والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين؟ هذه التيارات -على اختلافها- تسمى الأقباط بالأقليات، وتقول عن مدنية الدولة «لسه فيها كلام»، وهى فى طبيعة وهدف خلق المرأة تصنع التمييز لصالح الرجل. إذا كانت هذه التيارات الإسلامية -على اختلافها- من الآن، قد بدأت فى مثل تلك التصريحات وهى لم تحكم بعد.. فما بالنا إذا حكمتنا بالفعل؟ هل تقول لنا، ماذا عن المرأة التى لا تقتنع بالحجاب، ولا تريد أن ترتديه، ولا تريد أن تكون سلفية، أو إخوانية، أو من أى تيار من تيارات الجماعة الإسلامية، لا تحب الإسلام الوهابى المستورد، الغريب عن مصر وعن أهلها، ولا تقتنع أصلا بأفكارهم وملابسهم وطريقتهم فى إدارة المجتمع؟ هل يتركونها سافرة تعيش حياتها بما تؤمن به؟ أم ينتظرها السجن.. أو القتل.. أو الرجم.. أو الرمى فى النار، لتكون عبرة لأخريات مثلها؟ وهم أيضا لا يقولون لنا، كيف تتعامل مع الرجل المسلم غير المقتنع بهم شكلا ومضمونا؟ أو غير المسلم؟ لماذا لا يتحد أنصار الدولة المدنية العلمانية ويدافعون عن فكرتهم التى تعنى عدم إدخال الدين فى حكم الدولة؟ ولماذا لا يوضحون أنهم هم ضحايا شوية التيارات الإسلامية الصحراوية، وأنهم يوميا، يتعرضون، ل«شغب دينى»؟ لا ثورة دون الإنصات إلى صرخة «الوردة» المولودة فى 25 يناير.. التى أنعشنا عبيرها الفياض.. وعلمتنا أن الورود مكانها الحدائق الفيحاء فى الخلاء تحت حراسة الشمس والهواء.. لا مكانها الخرائب، حيث تعيش الغربان والخفافيش والثعابين والعقارب والعناكب. من واحة أشعارى مصر الثورة علمتنا أن الرجل ليس ذئبا والمرأة ليست عورة —- مصر الثورة تريد إسقاط دولة الذئاب والعباءة والجلباب وللحرية تفتح كل الأبواب —- مصر الثورة ستهزم حضارة الصحراء والعنف وإراقة الدماء بالاتحاد والتنوع والمحبة باحترام النساء وإعلاء حضارة الماء