أنظار الملايين من المصريين تترقب وتتعلق اليوم بالمحكمة الدستورية العليا، التى ستفصل اليوم الخميس فى أهم دعويين قضائيتين يترتب عليهما تحديد ورسم خريطة المشهد السياسى فى مصر، فى أهم مؤسستين من مؤسسات السلطة فى الدولة، وهما السلطتان التنفيذية (رأس السلطة التنفيذية، رئيس الجمهورية) والتشريعية، حيث سيترتب على الحكم فى الدعوى الأولى حسم مصير المرشح أحمد شفيق من الانتخابات الرئاسية بالاستمرار أو الاستبعاد، وسيتقرر بالفصل فى الدعوى الثانية تحديد مصير البرلمان ذى الأغلبية الدينية بالاستمرار أو الحل. مصادر قضائية رفيعة المستوى أكدت ل«التحرير» أن المحكمة ستفصل فى الدعويين اليوم دون أى تأجيلات مرفقة الأسباب والحيثيات مع حكمها فى الدعويين، فمنذ أن أودعت هيئة المفوضين بالمحكمة تقريريها فى الدعويين، يعكف قضاة المحكمة فى جلسات مداولة مطولة يومية تبدأ منذ الصباح وتستمر حتى المساء. الإجراءات الأمنية خارج المحكمة ستكون مشددة للغاية، حيث تتولى الشرطة العسكرية مسؤولية تأمين المحكمة، خصوصا أن هناك دعوات اليوم للتظاهر خارج المحكمة وقت نظر الدعويين، ولأول مرة تسمح المحكمة للصحفيين والإعلاميين بالحضور، دون السماح بدخول الكاميرات أو التصوير. جلسات المداولة بين قضاة المحكمة بدأت منذ 3 أسابيع تقريبا، وتعقد بالمحكمة بشكل يومى، ويتداول فى الدعويين 21 قاضيا من قضاة المحكمة هم كامل أعضائها، يستثنى منهم بالطبع فى دعوى «العزل السياسى» كل من المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة، والمستشار ماهر البحيرى النائب الأول له، بصفة الأول رئيس اللجنة العليا للانتخابات، والثانى أحد أعضائها، وقد شاركا فى مداولات دعوى عدم دستورية بعض نصوص مواد قانون مجلس الشعب. أما هيئتا المحكمة التى ستصدر الحكمين، فستكون كل منهما مكونة من 7 قضاة، وهم من يقومون بالتوقيع على الحكم، فى ما يخص دعوى عدم دستورية بعض مواد قانون مجلس الشعب، ورجحت المصادر أن يترأس المحكمة فى هذه الدعوى المستشار فاروق سلطان نفسه، فلا يوجد من الأسباب ما يمنع ترؤس سلطان للمحكمة. أما الدعوى الأخرى والخاصة ب«قانون العزل السياسى»، فقد ترددت أنباء من قبل عن أن الذى سيترأس المحكمة بها هو المستشار عدلى منصور، إلا أن المصادر استبعدت ذلك، مبررة بأن المستشار عدلى منصور سبق وأن فصل فى نفس الدعوى حين أحالها المجلس العسكرى إلى المحكمة الدستورية، فى وقت سابق من أجل الرقابة المسبقة، وقد قضت المحكمة وقتها بعدم الاختصاص، وعليه لما هو متعارف عليه فى آليات المحكمة، إذا جاءت الدعوى مرتين إلى المحكمة تنظرها هيئة مغايرة، وذلك ضمانا للحيدة، لذا فمن المتوقع أن يترأس المحكمة فى هذه الدعوى قاض آخر. دعوى عدم دستورية بعض نصوص مواد قانون مجلس الشعب، أحالتها إلى المحكمة الدستورية المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار مجدى العجاتى، وقالت المحكمة فى أسباب إحالتها إنه تراءى لها أن بعض النصوص المتعلقة بكيفية تكوين مجلس الشعب لم تلتزم فى ما تضمنته بمبدأى المساواة وتكافؤ الفرص، حيث خرجت هذه النصوص على هذين المبدأين عند تنظيم حق الترشيح، ذلك أن هذه النصوص فرضت أولوية وأفضلية للأحزاب ومرشحيها من عدة وجوه منها: أولا: أنها جعلت انتخاب ثلثى الأعضاء بنظام القوائم الحزبية، والثلث الآخر بنظام الانتخاب الفردى، رغم أن الشرعية الدستورية تستوجب التزاما بالمبدأين المشار إليهما وأن تكون القسمة بالسوية، وهو ما كان قد التزمه المرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام قانون مجلس الشعب، حيث تضمن أن يكون انتخاب نصف الأعضاء بنظام الانتخاب الفردى والنصف الآخر بنظام القوائم الحزبية، إلا أن هذه القسمة تم العدول عنها إلى القسمة الحالية «الثلثان للأحزاب والثلث فقط للمستقلين». ثانيا: أنها لم تقصر الانتخاب الفردى على المستقلين، وإنما أتاحت مزاحمة المنتمين إلى الأحزاب لهم فى ثلث المقاعد التى يجب أن تخصص لهم، بما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص على وجه الخصوص، رغم أن الشرعية الدستورية توجب قصر الترشح والانتخاب بالنسبة إلى مقاعد الانتخاب الفردى على المستقلين فقط، وهو ما كان قد التزمه المرسوم بقانون 120 لسنة 2011، حيث كان يشترط فى من يتقدم للترشح لعضوية المجلس بنظام الانتخاب الفردى أن لا يكون منتميا إلى حزب سياسى. وهو نفس الرأى الذى انتهت إليه هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية فى تقريرها، مؤكدة عدم دستورية تلك المواد. المحكمة الدستورية العليا كانت لها سابقة عام 1991 مطابقة تماما للدعوى التى أمامنا الآن بنفس الأسباب ونفس العوار الذى شاب قانون الانتخابات الذى أجريت عليه الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وقد قضت المحكمة الدستورية عام 91 بعدم دستورية هذه المواد فى قانون مجلس الشعب وتم حل البرلمان، لذلك فمن المرجح أن تأخذ المحكمة الدستورية العليا بما انتهى إليه تقرير هيئة المفوضين وتقضى بعدم دستورية هذه المواد. وعليه، فالآثار المترتبة على الحكم بعدم دستورية بعض مواد قانون مجلس الشعب، تكون بين احتمالين، الأول هو حل ثلث البرلمان فقط -30% منه- والذى يمثل المقاعد الفردية، أما الاحتمال الثانى فهو حل البرلمان كله وهو الأقرب تحقيقا، وفقا لما تقول المصادر القضائية، التى ترى أن العوار الدستورى مرتبط بالكيان كله، وبالتالى يشوب البرلمان بأكمله. وفى ما يخص الدعوى التى ينتظرها جموع المصريين قبل إجراء جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية ب48 ساعة فقط، والمتعلقة ب«العزل السياسى» فالفصل فى هذه الدعوى يحدد مصير الإعادة، وما إذا كانت ستجرى بعد غد السبت فى موعدها، أم سيتم التأجيل؟ ودعوى العزل هنا تحمل شقين، الأول هو تحديد المحكمة اختصاص أو عدم اختصاص اللجنة العليا للانتخابات فى إحالة الدعوى إليها، والشق الثانى هو الفصل فى دستورية القانون نفسه، وكما تقول المصادر إذا قضت المحكمة الدستورية فى الشق الأول بعدم اختصاص لجنة الانتخابات فى الإحالة، وبالتالى فهى لن تتعرض للموضوع -دستورية القانون من عدمه- وتقضى برفض الدعوى. أما إذا قضت باختصاص لجنة الانتخابات فى الإحالة فسوف تتعرض بالطبع إلى الموضوع وتفصل فى دستورية أو عدم دستورية قانون العزل السياسى. هيئة المفوضين بالمحكمة كانت قد انتهت فى تقريرها إلى عدم دستورية قانون العزل السياسى، استنادا إلى أنه يعاقب على مجرد تولى الوظيفة العامة دون المشاركة فى الفساد أو الإفساد، كما يعاقب بالحرمان السياسى وهى عقوبة جنائية دون أن يستند فى ذلك إلى حكم قضائى إلى جانب أنه انتقائى، حيث يستبعد رئيس الوزراء ويبقى على الوزراء ويستبعد بعض المسؤولين بالحزب الوطنى، ويبقى على مسؤولين آخرين بالحزب، هذا ما جاء حسب تقرير هيئة المفوضين، ومن المرجح بقوة -حسب ما تقوله المصادر- أن تذهب المحكمة الدستورية إلى نفس الأمر وهو عدم دستورية القانون. تتبقى إشكالية هى التى من شأنها فقط أن تبعد شفيق خارج جولة الإعادة، وهى أن تقضى المحكمة بعدم اختصاص اللجنة العليا للانتخابات فى إحالة الدعوى إليها، وبالتالى سيكون قرار لجنة الانتخابات بشأن خوض شفيق الانتخابات قرارا منعدما، وهنا تعيد ترتيبات المشهد الانتخابى من جديد، وكل الاحتمالات مفتوحة، أن تعاد الانتخابات من جديد، أو يتم تصعيد المرشح الخاسر حمدين صباحى بدلا من شفيق، أو يتم الاستفتاء على المرشح محمد مرسى، وإذا ما حصل على نسبة 50+1 يصبح رئيسا للجمهورية. المصادر رجحت هنا، أن تقضى المحكمة الدستورية العليا باختصاص اللجنة العليا للانتخابات بإحالة الدعوى إليها على اعتبار أنها هيئة ذات اختصاص قضائى، بموجب النص الدستورى والصلاحيات التى أعطاها لها فى نظر الطعون والفصل فيها، وهذا اختصاص قضائى، وبالتالى فهى جهة قضائية ولها الحق فى أن تحيل الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا، باعتبارها لجنة قضائية عليا بنص الدستور وأن قانون انتخابات الرئاسة، حين فصل النص الدستورى بأنها لجنة قضائية فى البند (11) من المادة (8) من القانون ينص على إسناد الفصل فى جميع التظلمات والطعون المتعلقة بالانتخابات للجنة العليا، وبالتالى أعطاها اختصاصات قضائية وأصبح لها اختصاصان، الأول أنها تدير الانتخابات والثانى أنها لجنة قضائية تفصل فى الطعون. وعليه فالمصادر ترجح أن يكون الحكم فى هذه الدعوى باختصاص لجنة الانتخابات فى إحالة الدعوى إليها مع عدم دستورية قانون العزل، وهذا يعنى بالطبع استمرار شفيق فى خوض الانتخابات وإجراء الإعادة فى موعدها بعد غد السبت. هناك رأى قانونى آخر يقول، إنه من المحتمل أن تقضى المحكمة الدستورية العليا بعدم اختصاص لجنة الانتخابات فى إحالة الدعوى إليها، وتقضى بوقف جولة الإعادة فى الانتخابات إلى أن يتم الفصل فى دعوى أخرى كانت منظورة أمام المحكمة بدستورية أو عدم دستورية قانون العزل السياسى، وعليه يتوقف المشهد ما بين المرشح محمد مرسى والمرشح أحمد شفيق، إلى أن تفصل المحكمة فى الدعوى. وعن موقف اللجنة العليا للانتخابات من الحكم الصادر اليوم بشأن قانون العزل السياسى، كان المستشار حاتم بجاتو رئيس الأمانة العامة باللجنة العليا للانتخابات، قد صرح ل«التحرير» من قبل، قائلا: إنه يستبعد أن يكون تقرير هيئة المفوضين قد انتهى إلى عدم اختصاص لجنة الانتخابات فى إحالة الدعوى مع عدم دستورية القانون، مضيفا: لا يمكن أن تنتهى هيئة المفوضين إلى عدم أحقية لجنة الانتخابات فى الإحالة وفى نفس الوقت إلى عدم دستورية القانون. وأوضح أن هيئة المفوضين لو كانت قد انتهت إلى عدم اختصاص لجنة الانتخابات فى الإحالة ما كانت تتطرق إلى الموضوع من الأساس، أما وإنها تعرضت للموضوع ورجحت فى النهاية عدم دستورية القانون، فهذا يعنى أن اللجنة لها الحق فى الإحالة. وقال بجاتو إذا ما انتهى حكم المحكمة الدستورية إلى عدم دستورية القانون مع أحقية اللجنة فى الإحالة، فإنه لن يتغير شىء فى جولة الإعادة، وستكون جميع إجراءات اللجنة وقراراتها صحيحة، وستجرى الإعادة فى موعدها يومى 16 و17 من الشهر الجارى، بين المرشحين محمد مرسى وأحمد شفيق.