حالة التناقض والانفصام التى تضرب المشهد السياسى لا مثيل لها، التناقض الأعمى الذى يعصف بالتوافق الوطنى المأمول فى هذه المرحلة الدقيقة الصعبة امتد إلى اللجنة التأسيسية واجتماعات الأحزاب للتوافق حول معايير تأسيسها. فبينما شهد أول من أمس، اجتماعا فى ما بينها فى مقر حزب الوفد، أعلنت أحزاب «الكتلة المصرية» (الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، المصريين الأحرار، حزب التجمع) عدم التوصل إلى اتفاق بسبب مسعى الإخوان المسلمين للهيمنة عليها، بينما أصدر حزب الحرية والعدالة، أمس، بيانا يعلن فيه التوصل إلى اتفاق حول اللجنة التأسيسية قبل لقاء الأحزاب مع المجلس العسكرى الذى تقرر ظهيرة أمس «الخميس». سيل من البيانات يؤكد أن التوافق الوطنى لا يزال صعب المنال. أحزاب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، والمصريين الأحرار، والتجمع أصدرت بيانا هذا نصه: «تعلن الأحزاب الموقعة على هذا البيان أنها لم تنسحب من الاجتماع الذى عقد مساء الأمس بمقر حزب الوفد لمناقشة أسس ومعايير اختيار اللجنة التأسيسية، وتؤكد أن الاجتماع انتهى دون الوصول إلى اتفاق بكل أسف بسبب إصرار الإخوان المسلمين على رفض مبدأ عدم حصول أى تيار سياسى على الغلبة العددية التى تمكنه منفردا من فرض إرادته، وهو ما أدى إلى وصول الحوار إلى طريق مسدود وإعلان إفشال الاجتماع الذى لم ينته إلى أى اتفاق نهائى بخصوص معايير وأسماء محددة. ونحن نؤكد أن حرصنا على التوافق فى الشهور الماضية هو ما أدى إلى قبول كل الأطراف الكثير مما كانت ترفضه بخصوص نسب المشاركة والتصويت، وإلى مشاركة المجتمع كله فى الحوار الجارى حول تشكيل اللجنة التأسيسية، ومن ثم فإن واجبنا الوطنى يقتضى أن نتمسك بموقفنا لكى نحمى مستقبل مصر كدولة مدنية حديثة تحمى حقوق المواطنين جميعا على قدم المساواة، فى مواجهة تمسك الجماعة بحصة مبالغ فيها للأحزاب تستحوذ منها الجماعة على قرابة نصف هذه الحصة، بينما يتم حرمان ما يزيد على عشرة أحزاب ممثلة فى البرلمان من التمثيل فى اللجنة التأسيسية فضلا عن غياب كامل للمجتمع المدنى والأدباء والكتاب وتمثيل هزيل للعمال والفلاحين والأقباط والمرأة. إننا نحمل المجلس العسكرى ما وصلنا إليه بسبب إصراره على البدء بالانتخابات بدلا من الدستور، وكذا بسبب ما شاب الإعلان الدستورى من غموض وعدم وضوح بخصوص تشكيل اللجنة التأسيسية وطريقة عملها. وإذ نؤكد للشعب المصرى حرصنا على بناء توافق وطنى عام ورفضنا إصرار الإخوان على أن تكون اللجنة التأسيسية خاضعة لهيمنتهم ونحملهم مسؤولية وصول الحوار إلى هذا الطريق المسدود، فإننا نؤكد أننا سنواصل العمل من أجل أن يكون هناك دستور يحظى بتوافق وطنى عام ويعبر عن تمثيل عادل ومتكافئ للمجتمع المصرى. عاشت ثورة 25 يناير والمجد للشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل العدالة والكرامة والحرية، من أجل دستور لكل المصريين». لكن حزب الحرية والعدالة أصدر فى المقابل بيانا جاء فيه: «يؤكد المكتب التنفيذى لحزب الحرية والعدالة التزامه بالاتفاق الذى توصلت إليه الأحزاب والقوى السياسية فجر اليوم الخميس 7/6/2012 بمقر حزب الوفد الجديد، حول معايير تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الجديد، وهو الاتفاق الذى يعبر عن حرص الجميع على وضع مصلحة مصر فوق كل اعتبار، كما أنه ترجمة لقدرة الأحزاب والقوى السياسية الوطنية على تجاوز أى خلاف طالما كانت مصلحة الوطن هى المحرك الأساسى لنا جميعا. ويشير الحزب إلى أنه حرص منذ البداية على أن يكون تشكيل اللجنة التأسيسية بالتوافق بين القوى السياسية وهو ما حرصنا عليه منذ قررنا الالتزام بحكم محكمة القضاء الإدارى ببطلان تشكيل اللجنة، واتخذنا من التشاور مع كافة الأحزاب الممثلة فى البرلمان طريقا وحيدا لإعادة تشكيل هذه اللجنة وفق معايير تضمن الشراكة الحقيقية بين أبناء الوطن دون هيمنة أو تهميش لأحد. ويؤكد الحزب أن هذا الاتفاق الذى تم التوقيع عليه فجر اليوم هو نفس ما توافقنا عليه منذ بدأت المشاورات والاجتماعات بين الأحزاب الممثلة فى البرلمان بعد حكم محكمة القضاء الإدارى. ويأمل الحزب أن يكون هذا الاتفاق مقدمة لأن تبدأ اللجنة التأسيسية مهمتها فى صياغة دستور يعبر عن آمال وطموحات الشعب المصرى بكل مكوناته وفئاته بعد ثورته المجيدة وصولا إلى دولة ننشدها جميعا تقوم على الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان وتحمى الحريات العامة والخاصة، وتقف حائط صد ضد إعادة إنتاج الاستبداد والديكتاتورية التى عانى منهما الشعب المصرى طويلا. فى نفس الوقت عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير حسين طنطاوى اجتماعا بعد ظهر أمس مع 22 حزبا من الأحزاب الممثلة فى البرلمان لحسم مسألة «تأسيسية الدستور». ولم يشارك فى الاجتماع من الأحزاب الممثلة فى البرلمان حزب الوسط، وحزب العدل، الذى مثله فى الاجتماع السابق الدكتور مصطفى النجار. كالعادة.. الأحزاب تفشل فى التوافق حول معايير «التأسيسية» قبل لقاء «العسكرى» لأكثر من عشر ساعات استمرت دوامة المفاوضات بين الأحزاب المدنية والإسلامية حول معايير اختيار لجنة الدستور، لتنتهى المهلة التى حددها لهم المجلس العسكرى للتوافق، قبل أن تتفق الأحزاب على معايير مشتركة لنسب المشاركة والتصويت فى اللجنة، وهو ما يترتب عليه إما أن يقوم «العسكرى» خلال اجتماعه معهم، الذى لم ينته حتى مثول الجريدة للطبع، بمحاولة أخيرة للتقريب بين الأطروحات المختلفة للأحزاب، وإما أن يُصدر إعلانا دستوريا مكملا بالمعايير التى سبق الاتفاق عليها فى اجتماعاته السابقة مع الأحزاب. حزبا «المصريين الأحرار» و«المصرى الاجتماعى» انسحبا من الاجتماع الذى امتد من مساء أول من أمس (الأربعاء) إلى فجر اليوم التالى بعد عدة ساعات من التشاور، وفقا للدكتور عماد جاد، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، الذى أشار إلى أن انسحابهم من اجتماع الأحزاب جاء بعد محاولات كثيرة لتقديم حلول وسط، وتنازلات قابلها إصرار وتعنت من قبل حزبى الحرية والعدالة والنور للسيطرة على أغلبية مقاعد اللجنة التأسيسية للدستور، بحيث يكون عدد المنتمين إلى التيار الإسلامى 56 عضوا، فلم يكتفيا بال 24 مقعدا المخصصة لهما من حصة الأحزاب السياسية، التى حُددت ب 38%، كما أنهم أرادوا كذلك أن يكون لهم أعضاء من الحصة المخصصة للشباب والشخصيات العامة والمرأة! جاد أضاف «المنطقى أن لا تكون هناك غلبة لتيار سياسى واحد على لجنة صياغة الدستور، إلا أننا عرضنا كمحاولة أخيرة للتوافق أن تكون نسبتهم 50%، على أن يكون التصويت على قرارات اللجنة بنسبة 67% فى الجولة الأولى و57% فى الثانية، وهو تنازل آخر رغم تمسكنا بنسبة الثلثين لإقرار أى مادة دستورية»، وتابع «لقد رفضوا متمسكين بحد أدنى هو 52 مقعدًا، ولذلك قمنا بالانسحاب فى الثالثة فجرا بعد أن امتد التفاوض لعدة ساعات، ومعنا حزب المصريين الأحرار». جاد لفت إلى أن قيادات الإخوان الحاضرة للاجتماع كانت تعود إلى مكتب الإرشاد قبل الموافقة على أى بند خلال الاجتماع، معلقا على ذلك بقوله «خيرت الشاطر هو من كان يفاوضنا رغم عدم وجوده بالاجتماع». رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصرى الديمقراطى أشار إلى أنهم سيحضرون اجتماع المجلس العسكرى ويوضحون وجهة نظرهم، وعلى «العسكرى» أن يقرر، مضيفا «حاولنا بكل جهد إنجاح التوافق وقابلتنا محاولات الاستحواذ من التيار الإسلامى ونوافق على إصدار إعلان دستورى مكمل بالنسب القديمة المتفق عليها أو حتى العودة إلى دستور 71 كحل لهذه الأزمة». أما أحمد خيرى، المتحدث باسم حزب المصريين الأحرار، فقال إن الأحزاب لم تصل إلى توافق حول معايير اختيار اللجنة التأسيسية على عكس ما يشيعون، مؤكدًا أن ممثلى الحزب خرجوا من الاجتماع بعد 7 ساعات من التشاور للوصول إلى التوافق مع حزبى الحرية والعدالة والنور من دون جدوى، إلا أنهم لم ينسحبوا وفوجئوا أن باقى الأحزاب استمرت فى الاجتماع بعد ذهابهم. خيرى أشار إلى أن المفاوضات توقفت، لأن «الحرية والعدالة» تعنت فى الحصول على الأغلبية، وهذه هى نقطة الخلاف الأساسية، فلن نقبل بأن يحصل تيار إسلامى أو ليبرالى على أغلبية مقاعد لجنة الدستور، لكن «الحرية والعدالة» و«النور» أصرا على ذلك. خيرى شدد على أن الإعلان الدستورى المكمل قد يكون الطرح النهائى الذى يمكن اللجوء إليه، قائلا «لكننا سننتظر لنرى ما سيُسفر عنه اجتماع (العسكرى) مع الأحزاب، وعلى (العسكرى) أن يتحمل مع الإخوان مسؤولية هذا العبث الذى تسببت فيه المادة 60 من الإعلان الدستورى». من جانبة أشار السعيد كامل، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، إلى أنه غير موافق على المعايير التى اتفقت عليها الأحزاب فى اجتماع «الوفد» بشأن تشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، مؤكدا أنها تعطى للتيار الإسلامى حق السيطرة على اللجنة، على حساب التيار المدنى، لافتا إلى أنه إن لم يكن للتيار المدنى دور قوى وتأثير فى اللجنة فالأفضل عدم وجوده، مضيفا «فوفق هذه المعايير سيكون للتيار الإسلامى 29 عضوا من أصل 39 مخصصة للأحزاب، إضافة إلى أن هناك كثيرا فى الكتل الباقية المخصصة للنقابات والشخصيات العامة ينتمون إلى التيار الإسلامى وجماعة الإخوان المسلمين. ومن جانبه، أوضح سيد مصطفى، نائب رئيس حزب النور، أن الاتفاق الذى تم التوصل إليه جاء بالتوافق وبموافقة أغلبية الأحزاب الممثلة فى البرلمان، والاتفاق كشف من كان يعطّل تشكيل اللجنة التأسيسية، وأشار إلى أن الاتفاق ما زال يشوبه بعض الخلاف وهو نسب الأحزاب وآليات انتخاب ممثلى الهيئات المشاركة فى «التأسيسية»، وأوضح سيد أن اجتماع «العسكرى» يقتصر على مناقشة اللجنة التأسيسية، ولن يتطرق لما صدر من تقارير عن هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا حول عدم دستورية قانون العزل وكذلك عدم دستورية قانون مجلس الشعب الذى يهدد بحل البرلمان. وكان الدكتور السيد البدوى أعلن أمس فى مؤتمر صحفى عن توصل القوى السياسية إلى التوافق بشأن تشكيل اللجنة التأسيسية، حيث جاء تشكيلها كالتالى 15 عضوا من خبراء القانون والهيئات القضائية بواقع عضو من: المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة والقضاء العادى وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، و10 أعضاء من خبراء القانون الدستورى، و9 أعضاء ممثلين عن المؤسسات الدينية بواقع 5 ممثلين عن الأزهر الشريف، وعضوين عن الكنيسة الأرثوذكسية، وعضو عن الكنيسة الكاثوليكية، وعضو عن الكنيسة الإنجيلية، كما تضم 6 أعضاء من الاتحادات النوعية والعمال والفلاحين بواقع: عضو عن اتحاد عمال مصر وعضوين عن نقابة الفلاحين وعضو من اتحاد الغرف الصناعية وعضو من اتحاد الغرف التجارية. إضافة إلى 3 ممثلين عن السلطة التنفيذية، هم عضو عن جهاز الشرطة وعضو عن المؤسسة العسكرية، ووزير العدل ممثلا عن الحكومة، كما تضم التشكيلة 7 أعضاء من النقابات المهنية، وهى نقابات: المحامين، والصحفيين، والمهندسين، والأطباء، والصيادلة، والمعلمين، واتحاد النقابات الفنية. كما اتفقت الأحزاب على أن تمثل الأحزاب السياسية ب 39 عضوًا من الأحزاب السياسية، ويتم تمثيلهم كالتالى: 16عضوا من حزب الحرية والعدالة، 8 أعضاء من حزب النور، 4 أعضاء من حزب الوفد، 2 من «البناء والتنمية»، 2 من «المصريين الأحرار»، 2 من «المصرى الديمقراطى»، 2 من «الوسط»، 1 من «الكرامة»، و1 لحزب التحالف الشعبى، و1 ل «الإصلاح والتنمية»، و11 من الشخصيات العامة، و10 أعضاء من الشباب والفتيات ومن شباب الثورة. مع مراعاة تمثيل الشباب والمرأة والأقباط فى كل البنود السابقة. ووافق المجتمعون على أن يكون التصويت داخل اللجنة بالتوافق، وإذا لم يحدث يتم التصويت بنسبة «الثلثين+ 1» أى 67% من الأعضاء فى أول جلسة، وإذا لم تتوافر النسبة يؤجل الاقتراع لمدة 48 ساعة ثم يجرى التصويت بنسبة 57%.