لزراعة 250 ألف فدان، بدء توزيع تقاوي القمح على المستفيدين في 16 محافظة    قوات الاحتلال والمستوطنون يمنعون مزارعين فلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم    كين ومبابي يتصدران، ترتيب هدافي دوري أبطال أوروبا بعد الجولة الثالثة    تجديد حبس عصابتين بتهمة سرقة الشقق والهواتف في السلام    خريطة قراء إذاعة القرآن الكريم على مدار ساعات الخميس    الصحة: خفض معدلات الإصابة بمرض الدرن إلى 9 حالات لكل 100 ألف نسمة    ارتفاع استهلاك الكهرباء في الصين بنسبة 4.5% خلال الشهر الماضي    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    كوريا الشمالية تعلن اختبار نظام فرط صوتي جديد لتعزيز ردعها النووي قبل قمة أبيك    الشرطة تتحفظ على ثلاثة سجناء في باريس هددوا ساركوزي داخل السجن    أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم الخميس 23-10-2025 في أسواق الشرقية    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في البنوك المصرية.. اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025    الإسكندرية تعلن غلق الطريق الصحراوي من البوابات بسبب الشبورة    حبس الجن 4 أيام بعد إلقاء زوجته من الشباك ببورسعيد    العراق.. مقتل وإصابة 4 من قوات شرطة الطاقة في انفجار أنبوب غاز غربي بغداد    رابط التسجيل في قرعة الحج على موقع وزارة الداخلية 2026    ما هي الشهادات المتوفرة الآن في بنك مصر؟ قائمة بأعلى العوائد    بهذة الطريقة.. طة دسوقي يحتفل بميلاد زوجته    الخميس 23 أكتوبر 2025 — أسواق أسوان تسجل استقرارًا في أسعار حديد التسليح    فلسطين.. افتتاح قسم الجراحة العامة بعد الترميم في مستشفى الخليل الحكومي    تصرف محمد صلاح يفجر غصب جماهير ليفربول (تفاصيل)    «إنت عايز تهد نادي الزمالك».. ميدو يفتح النار على أسامة حسني    أحمد جمال: رانيا يوسف بتغير عليا في المعقول.. وشخصيتها حلوة زي ما هي    «لازم تركز شوية».. أحمد شوبير يفاجئ نجم الأهلي برسائل نارية    «مدبولي» عن زيادة أسعار الوقود: «المجتمع كان مهيأً.. والحكومة لم تخفِ شيئًا»    6 مباريات متكافئة فى افتتاحية الجولة ال10 من دورى المحترفين    رئيس الوزراء البريطاني: يسعدني انضمام أمريكا إلينا بفرض عقوبات كبيرة على شركتى النفط الروسيتين    سان دييجو أو اتحاد جدة أو الهلال.. من الأقرب لضم محمد صلاح حال رحيله عن ليفربول؟    ترامب يدعو مربي الماشية إلى خفض الأسعار ويؤكد استفادتهم من الرسوم الجمركية    مسئول كبير بالأمم المتحدة: سوء التغذية فى غزة ستمتد آثاره لأجيال قادمة    الرئيس السيسى: إنشاء ممر استثمارى أوروبى فى مصر كبوابة للأسواق الإفريقية والعربية    «التعليم» تكشف مواصفات امتحان اللغة العربية الشهري للمرحلة الابتدائية.. نظام تقييم متكامل    نفذها لوحده.. كاميرات المراقبة تكشف تفاصيل جديدة في "جريمة المنشار" بالإسماعيلية    ختام فعاليات الدورة التثقيفية للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي بمكتبة مصر العامة بالمنصورة.. صور    رسميًا إعارات المعلمين 2025.. خطوات التقديم والمستندات المطلوبة من وزارة التعليم    البابا تواضروس: مؤتمر مجلس الكنائس العالمي لا يستهدف وحدة الكنائس بل تعزيز المحبة بينها    بعد تداول فيديو مفبرك.. حنان مطاوع تنتقد استخدام الذكاء الاصطناعي في تشويه الحقيقة    الصحف المصرية.. حراك دولى لإلزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار فى غزة    خالد الجندي: الغنى والشهرة والوسامة ابتلاء من الله لاختبار الإنسان    محمد صلاح يثير الجدل بعد حذف صورته بقميص ليفربول    على أبو جريشة: إدارات الإسماعيلى تعمل لمصالحها.. والنادى يدفع الثمن    رفض الطعن المقدم ضد حامد الصويني المرشح لانتخابات مجلس النواب بالشرقية    رئيس هيئة النيابة الإدارية في زيارة لمحافظ الإسكندرية    مدحت عبدالدايم يكتب: محمود ياسين فنان متفرد يقود سيارته ويغنى للعندليب    علي الحجار يتأثر بغنائه «فلسطيني» في مهرجان الموسيقى العربية    سيصلك مال لم تكن تتوقعه.. برج الدلو اليوم 23 أكتوبر    10 رحلات عمرة مجانية لمعلمي الإسماعيلية    رئيس محكمة النقض يستقبل الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي    4474 وظيفة بالأزهر.. موعد امتحانات معلمي مساعد رياض الأطفال 2025 (رابط التقديم)    هترم عضمك.. وصفة شوربة الدجاج المشوي التي تقاوم نزلات البرد    مش هتنشف منك تاني.. أفضل طريقة لعمل كفتة الحاتي (چوسي ولونها جميل)    مع اقتراب الشتاء.. خطوات تنظيف اللحاف بسهولة    ألونسو: سعيد من أجل بيلينجهام.. وصليت ألا يتعرض ميليتاو للطرد    ضياء رشوان: الاتحاد الأوروبي يدرك دور مصر المهم في حفظ السلام بمنطقة القرن الإفريقي    داعية إسلامي: زيارة مقامات آل البيت عبادة تذكّر بالآخرة وتحتاج إلى أدب ووقار    مواقيت الصلاة في أسيوط غدا الخميس 23102025    هل القرآن الكريم شرع ضرب الزوجة؟.. خالد الجندي يجيب    ميلاد هلال شهر رجب 2025.. موعد غرة الشهر الكريم وأحكام الرؤية الشرعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طبيب من السويس (1)
نشر في التحرير يوم 05 - 09 - 2011

صديق عزيز من السويس، هو طبيب شاب متحمس مفعم بالأحلام والطموح والحماسة. وكان يكتب لى قبل الثورة وأيام الثورة وما زال.. وخطاباته تعطى صورة مليئة بالحيوية للسويس.. لم نلتق قط، لكنه قرأ لى كثيرا وقرأت له كثيرا، مما جعلنا نعرف بعضنا جيدا جدا، لن أذكر اسمه بناء على طلبه فى أحد خطاباته، لكننى أنقل لك ما قاله، وهو خطاب يدق أكثر من ناقوس خطر، وسوف أطلب الإذن منك بأن لا أعلق إلا بعد انتهاء كلامه، على أن خطابه هو فى الواقع نموذج ممتاز لما يحدث فى كل مستشفيات مصر منذ تراخت قبضة الأمن أو تلاشت:
«لقد أرعبنى مقالك فى «التحرير» 15 أغسطس، كما أرعب كثيرين غيرى عندما يجدون كل المقالات قبل الثورة صالحة لما بعد الثورة، ويتضاعف الرعب إذا علمنا، والأمر لا يحتاج إلى خبير سياسى، أن الوضع الحالى سيطول لفترة لا يعلم مداها سوى الله، ثم يتضاعف الرعب أكثر وأكثر بمقال الأستاذ إبراهيم عيسى (حرامية الجزم فى الجامع) الذى شرح فيه الوضع الحالى ببراعة يحسد عليها، وإن عجّلت بتشاؤمنا.. لن أزيد على ما قاله أو على ما قلته، لكننى سأحاول باختصار شديد أن أحكى حكاية صغيرة حدثت فى المستشفى العام الذى أعمل به، محاولا أن أكون مختصرا بقدر المستطاع، وربما توضح هذه الحكاية أشياء كثيرة عن مجمل الوضع العام فى مصر، الذى أفرز للأسف أسوأ ما فى المصريين من طباع مع كامل يقيننا أن النظام السابق يتحمل مسؤولية كبيرة عما وصل به الحال من طباع المصريين وأخلاقهم.. فى مستشفانا العام الكبير الذى يقع بإحدى مدن القناة (الثورية)، والذى يتعرض فيه زملاؤنا الأطباء وأيضا الممرضون والممرضات إلى اعتداءات لفظية وجسدية بصورة شبه يومية، وبنسبة تتجاوز النسب الطبيعية للاعتداءات على الأطباء فى بقية مستشفيات مصر!! فى مستشفانا أحيانا، بلا مبالغة، يبدأ أهالى المريض بضرب الطبيب المقيم، قبل أن يبدأ الكشف الفعلى!!
نعود إلى حكايتنا الصغيرة فى مستشفانا العام، الذى يعيش على بركان ملتهب من التوتر والصراعات والمشكلات، منها ما هو قديم ومنها للأسف ما هو نتيجة طباع المصريين والغوغائية التى طفت على السطح بعد الثورة، وهو ما دعا الدكتور مدير المستشفى إلى الاجتماع مع بعض أفراد هيئة التمريض الرافضين العمل قبل صرف الحوافز، ليحتد النقاش وتعلو الأصوات مختلطة بأصوات وصياح من خارج حجرة مكتب المدير من أهالى مرضى محجوزين بالمستشفى، يشكون كالعادة من الإهمال، وأحيانا يكون معهم بعض الحق.. يخرج المدير المحتقن الشاعر بالإهانة ليجهز نفسه لمزيد من الإهانات المعتادة من أهالى المرضى، الذين لا يتسم معظمهم للأسف بالرقى والسماحة والتهذيب.. تتعالى الأصوات ليجد المدير نفسه، وهذا خطؤه الأكبر، يلقى بمسؤولية التقصير على الممرضين والممرضات الجالسين بمكتبه.. لا أعلم لما فعل هذا، لعله الشعور بالمهانة الذى نشعر به جميعا معشر أطباء المستشفى.. ربما رغبة فى الانتقام.. ربما رغبة فى الفرار من كل هذا.. لكنه حدث واندفع الأهالى المتحمسون الغاضبون إلى المكتب لتبدأ الوصلة الثانية من الألفاظ المسيئة فى شهر رمضان، يتبعها اعتداءات جسدية وعراك بالأيدى، ليشتعل الوضع وتصبح الصورة كالآتى: الأهالى يحاولون الاعتداء على التمريض، وطاقم التمريض يحاول اللحاق بالمدير، وهم يقسمون بأغلظ الأيمان أنهم لن يتركوه إلا ممزقا! ثم يقوم الإخوة الممرضون باستدعاء زملائهم من المسعفين، وأيضا أقاربهم، ليزداد الوضع اشتعالا، وتعلو الأصوات ويتوقف العمل فى المستشفى الوحيد بالمحافظة، وهو بالمناسبة نفس المستشفى الذى شهد أمجادا وقصصا بطولية، إبان حرب أكتوبر، ولم يكن هناك ساعتها حوافز ولا بدلات ولا حتى رواتب، بل أحيانا لم يكن يوجد الماء ولا الطعام.. نعود إلى الوضع المشتعل الذى استمر نحو نصف ساعة، تحول فيه المستشفى إلى مسرح كبير، وأخيرا يستفز الوضع قوة الجيش المقيمة بالمستشفى، ليقوموا بالتدخل وحماية المدير أولا من بطش التمريض والمسعفين ومحاولة فض العراك بطريقة (بس يا ولد.. بس يا بنت، عيب كده) لتستمر الألفاظ والإهانات من أهالى المرضى للتمريض والأطباء والمدير، وكل من يعمل فى المستشفى.. للأسف استمر الوضع طويلا، وانتهى فى قسم الشرطة التابع له المستشفى، والذى تقرر فيه حجز المدير لحين عرضه على النيابة، ليبدأ بعدها الأطباء فى اليوم التالى إضرابا مفتوحا لا يشمل الطوارئ، تضامنا مع المدير المهان، والمعتدى عليه.. وبالطبع التمريض بدأ إضرابا شاملا، ويقوم الجيش باستدعاء مجندين ممرضين لتشغيل أقسام الطوارئ والحوادث، بلا أى خبرة سابقة، مما يؤدى لمزيد من الاحتقان بين الجيش والأطباء، أبرزها أن يقوم صول برفع (السونكى) على وكيل المستشفى مع التهديدات المستمرة.. لقد تحول مستشفانا للأسف إلى ثكنة عسكرية، وتقلص مستوى الخدمة فيه لأقصى حد، وجميع الأطباء فيه يشعرون أنهم يعملون بين نارين: نار الأهالى المستعدين لأقصى درجات التصعيد مع الأطباء، ونار تهديدات الجيش المستمرة، مما جعل كثيرين من الزملاء يفكرون فى البقاء فى منازلهم، وعدم الذهاب إلى النوبتجيات والإضراب، حتى فى أقسام الطوارئ.
الوضع العام فى مستشفانا يسوء جدا يا د.أحمد، والمناخ الصحى المطلوب للعمل فى المستشفى للفريق الطبى ذهب مع الريح، وأصبح حلما.. أصبح الآن الجو العام مزيجا من الشعور بعدم الأمان والذل والإهانة.. لم يعد أحدنا يرتدى البالطو الأبيض إلا فيما ندر، حتى يتسنى لنا الهروب فى أى وقت قبل أن يفتك بنا أى شخص متحمس، ووسط كل هذا تجاهل تام ومريب من الوزارة.
نريدك فقط أن تجيب عن بضعة أسئلة، ويا حبذا لو كانت فى مقال يقرؤه آلاف الأطباء الحالمين ببصيص من الأمل أو على الأقل يريدون أن يعرفوا ويفهموا.. لماذا يتجاهلنا الجميع إلى هذه الدرجة؟ ولماذا يسهل على الجميع إهانتنا إلى هذه الدرجة؟ لماذا انسحبت الشرطة فزادت دخولها، وعمل الأطباء تحت أسوأ الظروف، وأهينوا وضربوا، وتم لعنهم ولعن آبائهم وأمهاتهم؟ وألف لماذا أخرى.. لم أجد سواك فلعلى أشعر ببعض الراحة.
والله يا د.أحمد إننى شخصيا لا أريد حوافز ولا بدلات ولا حتى قوة تأمين لى فى أثناء عملى.. أنا لا أبغى سوى أن أشعر بالتفاؤل، فهل هذا شىء عزيز؟!».
فى المقال القادم نقرأ معا انطباعاته أيام الثورة، وما بعدها، ثم نعلق إن رزقنا الله بما يقال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.