يعجب المرء وتصيبه الدهشة عندما ينزل فى فندق ثم يهم باستخدام الحمام، فتطالعه لافتة أعلى الحوض تستحلفه أن يرتفع إلى مستوى الإنسان المحترم، الذى يعرف مسؤولياته تجاه الكوكب، ويترفق فى استخدام المناشف حيث إن الاستخدام الكثيف لها من شأنه أن يلوث البيئة ويعكر صفوها! ولا يفوت الفندق أن يوضح لك أن وضع المنشفة على الأرض يعنى أنك تريد تغييرها، أما إبقاؤها أعلى الرف فيشير إلى أنك رجل ودود يصادق البيئة ويرافقها فى غدوها ورواحها وينوى استخدام المنشفة نفسها لليوم الثانى على التوالى! وتستمر الدهشة نفسها مع دخول الحمامات العامة فى الشوارع والمراكز التجارية، وكلها تخاطب ضميرك وتناشده لكى تتحلى بالأدب والذوق والكياسة، فتستخدم المجفف الهوائى بدلا من المحارم الورقية التى تثير امتعاض البيئة، وتقلع عن سلوكك المعيب عندما تصر على تنشيف يديك اللعينتين بمنديل ورقى! فى البداية تصورت المسألة عبارة عن مبادرة شخصية من فندق بخيل يضن على زبائنه باستخدام الفوطة بعد الاستحمام، لأنه لا يريد أن يستهلك أدواته بسرعة، ثم اكتشفت أنه اتجاه عام فى كل الفنادق ببلدان العالم المختلفة، ومعنى هذا أن هناك توجيها تم تعميمه ومتابعة تنفيذه من قبل قوى كونية نافذة. سألت عما يضير الكوكب من استخدام المناشف، فقالوا إن عملية الغسيل تتضمن استخدام مساحيق وأدوات تنظيف تعتبر من ملوثات البيئة، التى كلما أفرطنا فى استخدامها ألحقنا الضرر بكوكبنا الحبيب! عجبت لهذا التفسير لأنه يتناقض مع إعلانات التليفزيون التى تروج لمساحيق الغسيل، وتحرض على استخدامها، وتدعونا أن لا نبالى ببقع الصلصة ولطخات الطين على ملابسنا، لأن مسحوق كذا كفيل بإزالتها. وطبعا المسحوق العجيب هذا من إنتاج واحدة من كبريات الشركات فى العالم المنتمية بالطبع للدول الصناعية التى تنتج كل الملوثات والموسخات ثم تقوم بتعميم بيان ترغم دول العالم كلها على رفعه بأهمية احترام البيئة! السبب الأساسى فى ضيقى من هذه اللافتات هو أنها تقوم بتحميلى ضمنا مسؤولية تلويث البيئة ومحاولة جعلى شريكا فى هذا الجرم دون أن يكون لى دخل فى الأمر برمته، فلا أنا الذى اخترع المحارم الورقية، ولا أنا الذى ينتج مساحيق الغسيل ويكسب المليارات من بيعها، فلماذا يلاحقوننى بدعايتهم فى كل مكان ويتصرفون وكأن العالم هو قرية صغيرة ملكنا جميعا نحظى كلنا بخيراتها؟ ولهذا لا بد أن نتشاطر المسؤولية فيها بالتساوى، وهو الأمر غير الحقيقى بالمرة، فهذه القرية ملك الكبار وحدهم، وأسلوب حياتهم واستمتاعهم بهذه الحياة هو ما أفسد هواء الكوكب ولوث مصادر مياهه، كما أن أطماعهم فى نهب الكوكب وحروبهم العدوانية هى التى ألحقت به أكبر الدمار. ومن الطريف المبكى أن هؤلاء الذين لا يريدوننى أن استخدم منشفة جديدة هم أنفسهم الذين زرعوا نصف مليون لغم فى بلادى فى أثناء حربهم العالمية الثانية ما زالت تعوق تنمية الصحراء الغربية، فأى تصالح مع البيئة هذا الذى يمنعهم من إزالة ألغامهم وتنظيف البيئة؟ وهم كذلك الذين أمدوا إسرائيل بالسلاح وسمحوا لها بزرع التربة اللبنانية بالقنابل العنقودية التى لم تنفجر بعد، ولا أحد سواهم استخدم اليورانيوم المستنفد بالعراق وأفغانستان، وهم الذين ألقوا على اليابان قنبلتين نوويتين ما زالت آثارهما باقية حتى الآن. ثم يأتون اليوم ويطلبون منى بكل لطف وأدب أن لا استخدم منشفة جديدة من أجل البيئة. سحقا لهم ولبيئتهم ولكذبهم وتضليلهم وتلاعبهم بنا. لن أكف عن استعمال المناديل الورقية، ولسوف أستخدم من الفوط والمناشف فى الفنادق مثنى وثلاث ورباع، ولن أكون أبدا ذلك المواطن العولمى العبيط الذى يتقاذفونه مثل الكرة الشراب.