أسأل نفسى دائما لماذا العيد الصغير العيد الصغير، والعيد الكبير العيد الكبير؟ لماذا العيد الذى يأتى بعد عناء الصيام ومشقته يسمى العيد الصغير، بينما العيد الذى لا تسبقه مشقة ولا عناء العيد الكبير؟ لم أصل لإجابة حتى الآن سوى أن تلك إرادة الله. وهذا هو الجمال فى الدين، إحساس المؤمن أنه مرتبط بالسماء، يفرح لفرحها، ويفرح أكثر إذا فرحت أكثر، دون أن يشغل باله بالبحث الدائم عن الأسباب المنطقية، ف«لو أخذ الدين بالعقل لمسح باطن القدم بدلا من ظاهره»، لكن الدين والعقل ليسا دائما على توافق. العيد الصغير يأتى بعد عبادة داخلية، بين المرء وربه، يقدرها الله تعالى فيغفر بها ذنوب السنة السابقة إذا اجتنبت الكبائر. أما العيد الكبير ففيه عبادة ومشقة علنية، وفيه بذل للمال، وفيه منافع للناس «الفقراء وأهل التجارة». وبالحج المقترن به، يغفر الله الذنوب كلها، بما فيها الكبائر، حتى يعود الإنسان كيوم ولدته أمه. فالثواب ليس على قدر العناء وحده. وما يقدمه الإنسان لربه جميل، لكن ما يقدمه إلى ربه والناس رائع. فى العيد الصغير بالذات أحب الرؤية الفلكية، لأنها تحمل مفاجآت، ولأنها تحفظ للدين خصوصيته. ماذا يضير الناس لو أخطؤوا فى يوم من شهر إن كان هذا ما يريده المشرع؟ فلندع العلم للاقتصاد والفيزياء والكيمياء والفلك والسياسة، ولندع للدين تحديد مواعيد أعياده بالطريقة التى يريدها، وكل مسخر لما خلق له. أحب العيد الصغير لأن فيه عودة إلى الروتين بعد الاستثناء، وفيه للصائمين ريا بعد عطش، وشبعا بعد جوع. فى أول عيد فطر بعد الثورة أتمنى أن يكون هذا فألا حسنا. أن تحقق الثورة أهدافها فى إقامة مجتمع حر ديمقراطى عادل، وأن يصير هذا هو الروتين. لقد صمنا كثيرا عن حياة كريمة، صمنا قسرا لا اختيارا، صمنا صوما لا أجر عليه، ومنتهى الأمل فيه النجاة من الوزر. والآن حان الوقت لكى نستمتع بما توفر لنا من طيبات القرن الحادى والعشرين. لكننى أخشى فى العيد الصغير التخمة بما لا يفيد من كعك وبسكوت وخلافه، وهذا داء السماح بعد المنع. نجوت من تخمة العيد الصغير بالذات لأننى لا أحب الكعك وإخوته. وأسأل الله -لا أن يكرهنا فى الحرية- بل أن يمنحنا الحكمة فى تناولها حتى لو كان البوفيه مفتوحا. وأن يمنح الخبازين سلامة النية وحسن العمل فلا يدسوا لشباب الثورة السم فى العسل. وأن يجنبنا حكاما يظنون أنهم أعلم منا بمصلحتنا فيقررون لنا كم كعكة وكم بسكوتة نأكل. فإن الإنسان يشفى من التخمة إن عاجلا أو آجلا، لكن الشفاء من الاستبداد أمر عسير. اعتدت فى طفولتى أن أبدأ «الاحتفال» بالعيد بالذهاب إلى مقابر العائلة وقراءة الفاتحة على أرواح من ليس معنا. لم أعتبرها أبدا بداية كئيبة ليوم سعيد. تعلمت مبكرا أنها رسالة وفاء إلى الغائبين بأن فرحتنا لا تبدأ إلا بهم ومعهم. فى أول عيد فطر بعد الثورة أتذكر شهداء الثورة مع الملايين الذين يتذكرونهم، ونقول لهم معا إن فرحتنا تبدأ بهم ومعهم، ونتمنى لأهلهم الصبر وهدأة البال. كل عام والجميع بخير، والإنسان أسعد، بالطريقة التى يحبها، ما دام لا يؤذى أخاه. كل عام والجميع أحرار فى اختيار العقيدة التى يطمئنون إليها، وأحرار فى ممارسة شعائرهم بالطريقة التى تقربهم إلى معبودهم. كل عام ومصر وطن لجميع أبنائها، لا تفرق بين قوى وضعيف، ولا بين غنى وفقير، ولا بين نساء ورجال. كل عام وأطفال مصر سعداء فى مدارسهم، مطمئنون فى بيوتهم، ليس فيهم شقى ولا محروم. كل عام وشباب مصر يقضون أجمل أيام عمرهم بلا عقد ولا خوف، كلهم رغبة فى التجربة، وطموح إلى الأحسن. كل عام ومصر أحلى مما سبق.