يحز فى نفسى كثيرا أن يقول الدكتور نبيل العربى، الأمين العام الحالى للجامعة العربية، إنه فى انتظار رد الحكومة السورية «ويقصد هنا رد بشار الأسد» على طلب الزيارة الذى تقدم به. فرجل فى حجم نبيل العربى وخبرته، وتاريخه الدبلوماسى والقانونى، واختياره للعمل فى منظمات دولية، وشعبيته داخل مصر التى جعلت البعض يرشحه للرئاسة كوجه آخر غير المرشحين المحتملين الموجودين على الساحة.. ينتظر رد بشار على طلب الزيارة الذى تقدم به ليحمل إليه مبادرة مجلس الجامعة الوزارى لحل الأزمة فى سوريا! إنه المنصب وحُكمه الذى يجعل نبيل العربى يقول إنه ينتظر رد بشار. منصب أمين عام الجامعة العربية، تلك الجامعة التى لم تعد -ومنذ زمن- على مستوى طموحات الشعوب العربية، والشعوب التى خرجت لإسقاط الأنظمة التى تمثلها الجامعة العربية. لقد اجتهد الوزراء العرب لإصدار بيان مخفف عما يجرى فى سوريا شددوا فيه على ضرورة وضع حد لإراقة الدماء، وتحكيم العقل قبل فوات الأوان، واحترام حق الشعب السورى فى الحياة الكريمة الآمنة، وتطلعاته المشروعة نحو تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى يستشعرها الشعب السورى، وتحقيق تطلعاته نحو العزة والكرامة. ورغم ما نُشر فى عدد «التحرير» أمس من انفراد صحفى عما تتضمنه المبادرة العربية من مطالب للنظام السورى بالوقف الفورى لأعمال العنف ضد المتظاهرين، والإفراج عن المعتقلين منهم، وتحديد جدول زمنى للإصلاحات، والدعوة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية فى وقت محدد، وإعداد دستور، جديد وإقصاء حزب البعث عن الحكم، ومحاكمة العناصر التى ارتكبت جرائم حرب ضد المدنيين العزل.. فإن النظام السورى لم ولن يستجيب، وكان رده الفورى رفض قيام لجنة وزارية مكلفة بزيارة سوريا وحمل المبادرة للنظام السورى، وأن يظل الدكتور نبيل العربى فى انتظار الرد السورى الذى أتى بتمسك بشار بالمجازر التى يقيمها يوميا للسوريين المدنيين العُزل والمزيد من الاعتقالات وانتهاك المنازل، بل وصل الأمر إلى اقتحام المساجد فى ليلة القدر وإطلاق النار على المصلين، والأمر بإغلاق عدد من المساجد خلال الأيام الماضية. وإذا كان وزراء الخارجية العرب تجرؤوا هذه المرة وصعّدوا مطالبهم من النظام السورى فإن النظام السورى نفسه لم يستوعب بعد ما يحدث حوله. فقد وصل إلى مسامع الوزراء العرب إرادة الشعوب التى أسقطت أنظمة لم يكن يتخيلون أبدا أن تسقط. الشعب يريد.. فلابد أن يستجاب لإرادته. لقد سقط بن على فى تونس بقمعه، وسقط حسنى مبارك باستبداده وعناده، وسقط القذافى بإرهابه وجنونه، لكن بشار الأسد لا يسمع ولا يرى ولا يفهم ومستمر فى قتل شعبه بعد أن فقد شرعيته. ورغم أن المطالب العربية الإصلاحية لأزمة سوريا كما سموها «وهى ثورة شعبية ضد الاستبداد والقهر والقمع» متقدمة كثيرا فى مطالب عربية مماثلة، فإنها ليست على طموح الشعب السورى الذى يستشهد منه يوميا العشرات فى سبيل الحرية والكرامة والعزة. ليست على مستوى طموح الشعب السورى، فقد خرج الشعب فى البداية ومنذ خمسة أشهر طالبا الإصلاحات والحرية، لكن بشار الأسد وعصابته قابل ذلك بالاستهزاء والتعالى وقمع المظاهرات السلمية، ولم يستوعب دروس ثورتى تونس ومصر، وحتى الآن لم يستوعب ما جرى فى ليبيا مؤخرا واستمر قمعه لتزداد المظاهرات والاحتجاجات اشتعالا وتُزَج من القرى والمدن ليقابلها بآلته العسكرية والشبيحة الذين يطلقهم على المدنيين العزل المسالمين. واستمر المتظاهرون فى مطالبهم الإصلاحية لكن مع زيادة القمع وسقوط الشهداء لم يعد هناك مفر من رفع شعار الثورات العربية «الشعب يريد إسقاط النظام» ليعاند أكثر ويستمر فى قتل المتظاهرين وبدم بارد، لتشتعل الثورة فى كل أماكن سوريا وبدأت تنتقل إلى دمشق وإن حاول بشار منعها بأى شكل حتى يخرج التليفزيون الرسمى عارضا صورا للهدوء فى العاصمة ويتهم قوى خارجية بأنها وراء ما يحدث ويستمر سقوط الشهداء ليرفع المتظاهرون شعارات أخرى فى مواجهة الجزار «الشعب يريد محاكمة الرئيس».. «الشعب يريد إعدام الرئيس». فيا دكتور نبيل العربى.. ذهبت إلى سوريا من قبل وتباحثت مع بشار وخرجت بتصريحات أفقدتك كثيرا من شعبيتك التى اكتسبتها فى أيام قليلة من توليك منصب وزارة الخارجية، واستمر بشار فى عناده وقتل شعبه. فيا دكتور نبيل.. لا تذهب إلى سوريا ولا تنتظر رد بشار على طلب الزيارة، فلا تلطخ يدك بيد من يسفك دماء شعبه.