لماذا؟ لماذا يسأل الناس: وبعدين؟ السؤال تسمعه فى كل مكان. الخائف من المجهول سواء كان إرهابًا أو فوضى أو رعبًا أكثر سوف يجىء.. أو الذى يقرأ التاريخ ويستخلص منه أنها لحظة عابرة.. أو المتشائم الذين يقول «سندخل فى الحائط».. أو المتفائل المتوارى فى انتظار «الفشل الذى سيؤدِّى إلى الانفجار».. والمدهش أن السلطوى أيضًا حائر.. أو بمعنى أدق «مرتبك ارتباكًا يتجاوز الرعب»، وما التخبط الذى نراه أو التسارع الذى نلمس آثاره فى إغلاق الأفق إلا إشارات لمشاعر عميقة تسيطر على المجموعة الحاكمة. السلطوى الذى يبنى حكمه على وضع السلطات فى يده ومحاصرة بل إلغاء المجتمع وكل مبادرات للناس خارج سيطرته/ لا يخفى القلق أو الترنح أمام ضخامة المسؤوليات التى انشغل عنها بمحاولة حبس الطاقة والحيوية التى انفجرت مع الخروج الكبير فى «25 يناير».. هذا الخروج الذى دفع بالملايين إلى مسرح الاهتمام بالشأن العام بما يمنحه ذلك من «جاذبية» تفتقر إليها مصر الآن التى يفكر شبابها فى الهجرة أو الانزواء أو العودة إلى الفقاعات الشخصية أو الجيتوهات أو غيرها من وسائل جرَّبناها فى مقاومة «السلطوية الفاشلة» التى تقوم على الانفراد المطلق بإدارة البلد وتطارد وتلاحق كل خارج أو مختلف أو عصىّ على سيطرتها. هل أدرك السلطوى أن «السلطوية» لا تفيد؟ متى سيدرك؟ الجميع يدرك أننا نسير إلى «مجهول»، كلٌّ يحاول وصفه على حسب موقعه وخبراته، لكنه بالتأكيد لا يمكن القياس عليه بخبرات سابقة أو بمرجعيات من أنظمة حاولت أن تبنى نفسها بخرائط قديمة. الثورة انفجرت والبلد كله صحراء، يقيم مبارك قلعته بجهاز أمنى/ وعلى هامشه شجرتان إحداهما أكبر من الأخرى/ وكلتاهما شاركت فى الثورة التى قامت على السلطوية من أجل استرداد الحق فى أن تكون الشجرة الواحدة.. غابة. وعندما تصوَّر الإخوان أن شجرتهم ستحتل الصحراء وحدها/ وكانت معركتهم الحقيقية ليست مع السلطة أو النظام أو مؤسسات الدولة العميقة، ولكن مع مَن نشروا العشب الأخضر فى الصحراء/ كيف يحرقون الأخضر الذى ما زال بلا جذور/ وكيف تعود الحياة السياسية يابسة لتتحوَّل الشجرة إلى مظلة حكم الفقيه القادم من عصر الظلمات الأسود. لنفكرْ قليلًا.. لماذا تحتار مدينتنا وتسأل: «وبعدين»؟ لماذا تسيطر كآبة من نوع ما؟ هل لأن الناس فى مصر أسقطوا سلطوية تعفَّنت فى مقاعدها ثم أسقطوا بديلها المنتظر للخلافة؟ أم لأنهم فعلوا ذلك ويحاصَرون الآن بسلطوية جديدة؟