القادة والحكام فى أبراجهم العاجية ينظرون من علٍ إلى المحكومين الكادحين من أبناء شعوبهم، لا يشعرون بمآسيهم ويتجاهلون مشكلاتهم التى تسبب فيها الحكام أنفسهم، حتى يدفعهم غضبهم إلى الخروج إلى الشوارع التى تسع الثائرين وترحب بالغاضبين فى أنحاء العالم ولا تكل بهم عندما تصرخ حناجرهم وهم يشتعلون غضبا من قادتهم. غضب شعبى وثورة بيضاء بلون الحليب فى سيول عاصمة كوريا الجنوبية؛ حيث خرج المزارعون ومنتجو الألبان إلى الشوارع، احتجاجا على توقيع حكومتهم اتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، لأنهم يرون أنها ستشعل المنافسة على الأسعار، مما يجبرهم على خفض أسعار اللحوم والمحاصيل والألبان ومنتجاتها. وللتعبير عن سخطهم وخيبة أملهم فى حكومة بلادهم التى ارتمت فى أحضان أمريكا غير عابئة بمصالح الشعب، أضرم المزارعون الغاضبون النيران فى نعش جنازة وهمية وفزاعات (خيال مآتة) خلال مسيرتهم لمطالبة الحكومة برفع أسعار الحليب. المتظاهرون نددوا خلال مسيرتهم بمحادثات سيول المستمرة مع الاتحاد الأوروبى بعد اتفاقية التجارة الحرة التى دخلت حيز التنفيذ أوائل يوليو الجارى، بعد ما يقرب من أربع سنوات وشهرين منذ أن بدأ الجانبان المفاوضات بشأنها رسميا فى 2007. كوريا الجنوبية تعد بهذه الاتفاقية أول دولة آسيوية يوقع معها الاتحاد الأوروبى اتفاقية تجارة حرة، فى إطار التحالفات الاقتصادية التى يسعى الأوروبيون من خلاها إلى التوصل لحل لأزمتهم الاقتصادية. من أجل «حق مزارعى الألبان فى كسب العيش».. واحد من الشعارات التى كتبها المزارعون على عديد من اللافتات التى تنتقد سياسات حكومتهم، فيما كانوا يرتدون ملابس حداد بيضاء بلون الحليب أيضا. المحتجون كانوا يسكبون عشرات اللترات من اللبن فوق رؤوسهم وعلى الأرض وهم يصرخون، فى إشارة إلى أنهم يفضلون لها هذا المصير بدلا من أن تشربها أفواه الأمريكان والأوروبيين على حساب أقواتهم كما قاموا بحلق شعر رؤوسهم تماما كنوع آخر من الاحتجاج. ومما يهدد بأزمة أخرى مقبلة فى سيول أعلنت السلطات زيادة أسعار الكهرباء بنسبة 4.9% بداية من الشهر المقبل لمواجهة زيادة تكاليف إنتاج الطاقة، مما سيؤدى إلى ارتفاع فواتير الاستهلاك المنزلى بنسبة 2% فى حين ستزيد رسوم الكهرباء للاستعمال التجارى والصناعى بنسبة 4.1% و6.1% على التوالى.. هذه الخطوة تأتى وسط قلق من أن رفع سعر الخدمات العامة يمكن أن يزيد من التضخم المرتفع أصلا فى كوريا الجنوبية .