لا تقدم هذه الدراسة إجابة قاطعة عن سؤال «هل داعش صناعة إسرائيلية أمريكية؟»، حيث لا أملك الأدلة الثبوتية اللازمة لذلك، لكن تقدم الدراسة توضيحا لما تقوم به «داعش» حاليا بما يتفق، بل ويتطابق مع أهداف إسرائيل الصهيونية والولاياتالمتحدة فى منطقتنا، دليلنا على ذلك هو أن هذه الأهداف أُعلنت بكل وضوح فى بداية الثمانينيات من جانب واحد من مراكز البحث الاستراتيجى فى إسرائيل وهو ما سنقوم ببيانه بعد قليل. لا يقتصر الأمر على «داعش» بمفردها، بل إن كل الجماعات التى تسمى زورا باسم الجماعات الإسلامية تسهم فى تحقيق أهداف إسرائيل والولاياتالمتحدة فى منطقتنا بوعى أو من دون وعى، خصوصا عندما توجه ضرباتها إلى مصر. سوف يظهر لنا بوضوح مدى التقدم الذى حدث على مدار الأعوام السبعة الماضية فى تحقيق الأهداف الإسرائيلية والأمريكية على أرض الواقع فى محيطنا العربى. الحرب النفسية فى مقالات المفكرين الأمريكان لتأكيد هذه الاستراتيجية وثباتها واستمرارها، تأتى الإشارات والتصريحات التى ترمى إلى زرع حتمية حصول التفكك فى بنيان الدول العربية وأنه أمر لا مهرب منه ومن ذلك: أ - مقال نشره عدد يوليو 2006 من مجلة القوات المسلحة الأمريكية للكاتب رالف بيترز، وهو مؤلف روايات إثارة ورعب، وكاتب مقالات، كما يعمل فى الدراسات الاستراتيجية وكان عنوان ترجمته «حدود الدم- كيف يبدو الشرق الأوسط أفضل»، وأرفق مع المقال خريطتين إحداهما لمنطقتنا كما هى عليه يومها، والأخرى للمنطقة بعد التقسيم إلى دول المنطقة بحيث تجعل الشرق الأوسط أفضل من وجهة نظره، ونورد خريطتى تقسيم المنطقة فى دراستنا هذه. ب- مقالة لكاتب صهيونى الهوى «فريدمان» نشرتها مجلة «السياسة الخارجية» بالتعاون مع صندوق السلام الأمريكى، حيث حددت ستين دولة مهددة بالتفكك والانهيار وفق معايير ومؤشرات داخلية. وضعت هذه القائمة دولا عربية على رأس قائمة الدول المعرضة للتفكك باعتبارها «دولا فاشلة». كان العراق والسودان يتصدران القائمة واحتل لبنان المرتبة 28، وجاء ذكر اليمن وسوريا وليبيا. وجاءت مصر أيضا داخل هذه القائمة فى الترتيب 36 بوصفها دولة فاشلة ومعرضة للتفكك والانهيار والتقسيم. من اللافت أن يقول «فريدمان» إن التقسيم الجديد يهدف إلى إيجاد حلول نهائية لظاهرة الدول العربية الفاشلة المفعمة بعوامل عدم الاستقرار وعلى الأخص «ظاهرة الإرهاب». والحل هو إعادة تقسيم دول الشرق الأوسط إلى دويلات طائفية وعرقية تحظى بدرجة كبيرة من الاستقرار والتوافق العرقى -انظر مقالة د.محمد السيد إدريس فى «الأهرام 9-7-2007». ج- حديث مستشارة الأمن القومى الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس عما أطلقت عليه اسم الفوضى الخلاقة/ البناءة. ولا أدرى متى كانت الفوضى خلاقة أو بناءة فى أى مجال من مجالات النشاط الإنسانى على مر التاريخ! الهدف الاستراتيجى.. تفتيت مصر وتقسيمها تفتيت أوصال دول المنطقة هو هدف استراتيجى لإسرائيل وأمريكا، وتمثل مصر الثمرة الرئيسية المطلوب سقوطها وتفكيكها، بحيث تتحول كل الدول المحيطة بإسرائيل إلى شظايا، وجماعات متنافرة ومتناحرة سياسيا واجتماعيا وعقائديا وطائفيا. ويجرى العمل على محورين يعمل أحدهما على تفكيك مصر بما يؤدى إلى تفكيك بقية دول المنطقة، ويعمل الآخر على تفكيك دول المنطقة بما يجعل من تفكيك مصر أكثر سهولة. أورد المفكر الفرنسى «روجيه جارودى» فى كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية» الذى نشرته دار الشروق بتقديم للأستاذ حسنين هيكل مقالة نشرتها مجلة «كيفونيم» وتعنى توجهات وهى مجلة تصدرها «المنظمة الصهيونية العالمية فى القدس» فى عددها بتاريخ 14 فبراير 1982، وتعلن هذه المقالة عن خطط إسرائيل الاستراتيجية فى الثمانينيات ومما جاء فيها: 1- استعادة سيناء بثرواتها هدف ذو أولوية ولكن اتفاقية كامب ديفيد تحول الآن بيننا وبين ذلك، لقد حرمنا من البترول وعائداته، واضطررنا إلى التضحية بأموال كثيرة فى هذا المجال، ويتحتم علينا الآن استرجاع الوضع الذى كان سائدا فى سيناء قبل زيارة السادات المشؤومة وقبل الاتفاقية التى وقعت معه. 2- لقد غدت مصر باعتبارها كيانا مركزيا جثة هامدة لا سيما إذا أخذنا فى الاعتبار المواجهات التى تزداد حدة بين المسلمين والمسيحيين. وينبغى أن يكون تقسيم مصر هو هدفنا السياسى على الجهة الغربية خلال سنوات التسعينيات. 3- بمجرد أن تتفكك أوصال مصر وتتلاشى سلطتها المركزية، فسوف تتفكك بالمثل بلدان أخرى مثل ليبيا والسودان وغيرهما من البلدان الأبعد. 4- ومشكلات الجبهة الشرقية أكثر وأشد تعقيدا من مشكلات الجبهة الغربية، وتقسيم لبنان إلى خمسة أقاليم يوضح ما يجب أن ينفذ فى البلدان العربية وتفتيت العراقوسوريا إلى مناطق تحدد على أساس عنصرى أو دينى يجب أن يكون هدفا ذا أولوية بالنسبة إلينا، على الأجل الطويل، وأول خطوة لتحقيق ذلك هو تدمير القوة العسكرية لهذه الدول. 5- التشكيل السكانى لسوريا يعرضها لتمزق قد يؤدى إلى إنشاء دولة شيعية على الساحل، ودولة سنية فى منطقة حلب، وأخرى فى دمشق، وإنشاء كيان درزى قد يرغب فى أن يتحول إلى دولة فى أرض الجولان التابعة لنا تضم الحوران وشمال المملكة الأردنية، ومثل هذه الدولة ستكون على المدى الطويل ضمانا لأمن وسلام المنطقة! 6- أما العراق فهو غنى بالبترول وفريسة لصراعات داخلية وسيكون تفككه أهم بالنسبة إلينا من تحلل سوريا، لأن العراق يمثل على الأجل القصير أهم تهديد لإسرائيل، وقيام حرب سورية عراقية سيساعد على تحطيم العراق داخليا، وكل نزاع عربى داخلى سيكون فى صالحنا. 7- الأردن هدف استراتيجى فى التو واللحظة. وانتقال السلطة إلى أيدى الأغلبية الفلسطينية هو الحل لمشكلة الضفة الغربية. 8- شبه الجزيرة العربية بأسرها مهيأ للتحلل تحت ضغوط داخلية، وهذا صحيح بالنسبة إلى السعودية بصفة خاصة. جماعات الإسلام السياسى وإسرائيل.. إيد واحدة الخلاصة يمكن إجمالها فى ما يلى: * الهدف الأساسى والرئيسى للاستراتيجية الصهيونية والأمريكية هو العمل على تفكيك أوصال مصر والقضاء على سلطتها المركزية والقومية، ومن ثم تفكيك المنطقة والعكس صحيح أيضا. * استخدام مختلف الوسائل والأساليب والأدوات لتحقيق هدف التفكيك مثل الحروب المباشرة كحالة العراق وما يحدث مع لبنان، وتركيز الصراعات العرقية والدينية مثلما حدث مع شمال وجنوب السودان، والصراع السنى الشيعى فى اليمن. * استخدام ما يسمى زورا وبهتانا جماعات الإسلام السياسى فى ضرب استقرار مصر، تحت رايات مختلفة وبدعوى تطبيق الشريعة، وتكفير المجتمع والحكومة والجيش والشرطة واستحلال دمائهم وأموالهم ونسائهم. وتأييد الجماعات التى تعمل على استنزاف الاقتصاد القومى وإنهاك القوات المسلحة والشرطة فى عمليات تخريب للمرافق وتفجير العبوات الناسفة، وإحراق وسائل النقل العام، وتوفير الغطاء السياسى والمالى والإعلامى لها. * مقارنة خريطة الدم والتقسيم للوصول إلى شرق أوسط أفضل حسب زعم «رالف بيترز » بخريطة الأرض التى استولت عليها «داعش» يرى مدى التطابق، وإن شئت قل الاتفاق على الحدود المطلوبة فى التقسيمات الجديدة لمنطقة الشام والعراق. * التراخى فى قتال «داعش» من جانب الولاياتالمتحدة والدول الغربية والمبالغة فى إظهار العجز عن القضاء عليها إلا بعد سنوات مع تضخيم قوة «داعش» والترويج لحرفيتها فى استخدام وسائل التواصل الحديثة ومنع أسلحة القتال مثل الطائرات العمودية عن الجيش المصرى، والأسلحة والمعدات اللازمة لعمليات الشرطة المصرية فى قتالهم الضارى فى سيناء وجنوب مصر وغربها مع توافر الأسلحة لدى «داعش» وجماعات النصرة وأنصار بيت المقدس وغيرها. * يلاحظ أيضا أن جماعات الإسلام السياسى المزعومة تدعى أن الجهاد ضد الصهيونية ليس من الواجب ولا المطلوب، وإنما الواجب المقدم هو محاربة جيوش وشرطة أهل وطنهم من المسلمين والمسيحيين، وأن قتل مواطنيهم وهم يحرسون الحدود وهم كذلك صائمون سوف يدخلهم جنات النعيم وبئس الورد المورود. فتنة «داعش».. وعلاقتها بمصر بعد أن كرست «داعش» للفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، وأقامت المذابح لكل من هم غير السنة، مستغلة مشاعر المرارة لدى السنة فى سوريا من حكم الأسد الطاغوت، ومن مظالم المالكى التى أذاقها للسنة العراقيين طوال سنين حكمه بدعم من الإيرانيين، واستولت على مساحات شاسعة من كلا البلدين، فإن جبهة النصرة تحاول من جهتها مناوشة الجيش اللبنانى على الحدود بين لبنانوسوريا فى بلد «عرسال»، بما يهدد بانفجار الاتزان اللبنانى الهش وإحياء حرب الطوائف، وكأنما أصبح الإسلام السياسى بجماعاته هو الوقود البشرى الذى يكفل تحقيق ما ورد فى مجلة «كيفونيم» العبرية فى الثمانينيات من دون حاجة إسرائيل والولاياتالمتحدة إلى الوجود بجنودهما وقواتهما البرية فى المنطقة لإحداث التقسيم المخطط. إذا كان تفتيت مصر هو الهدف النهائى لكل ما سبق، فإن «داعش» وجبهة النصرة ومعظم جماعات ما يسمى الإسلام السياسى تشكل بأفعالها هذه بوعى أو من دون وعى، علاوة على ما تفعله جماعات أخرى منهم داخل مصر مثل أنصار بيت المقدس ومن على شاكلتها، أقول تشكل بأفعالها هذه تهديدا صريحا وجديا ومباشرا للأمن القومى المصرى، ولوحدة تراب الوطن، بل هو فى النهاية تهديدا مميتا لدين الإسلام من حيث إن مصر هى قلب الإسلام النابض وحصنه المنيع. «أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء» . «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا» أترانى قد أجبت على عنوان الدراسة؟