لا أفهم كيف يصدر قرار يمس حياة ملايين الفلاحين مثل رفع أسعار الأسمدة، دون أن يخرج مسؤول واحد ليتحدث إليهم وإلينا عن أسباب القرار ونتائجه.. ولماذا يصدر الآن؟! وما الآثار التى سيتحملها الفلاح، وسيتحملها -من بعده- المستهلك العادى؟! ولا أفهم أيضًا كيف يصدر هذا القرار دون أن تصاحبه إجراءات لا بد منها لتلافى السلبيات، ولتعويض الفلاح عما سيتحمله من عبء جديد، يضاف إلى أعباء تحملها فى الفترة الماضية.. بدءًا من رفع سعر الضريبة بما يقرب من عشرة أمثال، وحتى رفع أسعار السولار، وباقى المحروقات التى يستخدمها فى الآلات الزراعية؟! وأبسط إجراء هنا أن تتعهد الدولة بتوفير الاحتياجات «الكاملة» من السماد للفلاح بالسعر الذى حددته، بدلا من الوضع الذى ما زال سائدًا، والذى لا يحصل فيه الفلاح إلى على أقل من نصف احتياجاته، ثم يلجأ إلى السوق السوداء! ويقال هنا إن زيادة السعر الرسمى ستقضى على هذه السوق السوداء، والحقيقة غير ذلك، كان الفلاح يشترى شيكارة السماد رسميا ب75 جنيهًا، وكانت فى السوق السوداء تباع بنحو 180 جنيهًا، الآن ارتفع السعر الرسمى إلى 100 جنيه، وارتفعت أسعار السوق السوداء إلى أكثر من 200 جنيه! والحل الحقيقى أن تجد الحكومة وسيلة تتسلم بها إنتاج المصانع بالسعر المحدد، وتتولى توزيعها على الفلاحين بعيدًا عن السمسرة والتلاعب حتى لو احتاج الأمر إلى قرار بمنع تصدير الإنتاج المحلى من الأسمدة لحين توفير كل ما تحتاج إليه السوق المحلية، وهو بالطبع حق لدولة يحصل فيها المستثمر حتى الآن -وبعد زيادة أسعار الكهرباء والمحروقات- على الطاقة بنصف سعرها العالمى! وليس هذا إلا إجراء واحدًا من إجراءات عديدة مطلوبة للتعامل مع أوضاع صعبة يعانى منها الفلاحون، سواء فى توفير مستلزمات الإنتاج، أو فى الحصول على أسعار عادلة لما ينتجونه، حيث غاب دور الدولة، وانهار النظام التعاونى، وتركنا الفلاح تحت سطوة التجار والسماسرة وفساد المحليات. وهناك العشرات من الدراسات والتقارير حول إصلاح هذه الأوضاع، واستعادة دور بنك التسليف والجمعيات التعاونية، لكن المشكلة تبقى فى غياب الإرادة السياسية، وفى استمرار السياسات التى سادت على مدى أربعين عامًا، وانحازت ضد مصالح الغالبية العظمى من الفلاحين والعمال.. والطبقة الوسطى أو ما تبقى منها! ولا أعرف هل هى معجزة أن يبدأ على الفور إنشاء عدد من الشركات تطرح للاكتتاب العام وتتولى مسؤولية توفير مستلزمات الإنتاج للفلاح، ثم تسويق منتجاته بعيدًا عن تحكم السماسرة؟! وهل نحتاج إلى وساطة دولية لكى يجلس المسؤولون مع الفلاحين ويعرفوا مشكلاتهم ويحاولوا حلها، بدلا من هذه القرارات التى تنزل على رأس ملايين الفلاحين دون مقدمات «مثل رفع أسعار الأسمدة»، والتى تصدر فى مكاتب القاهرة معتمدة على حسابات الأرقام دون أن تلامِس الواقع أو تدرك أن أى قرار لا بد أن تكون وراءه إرادة سياسية وانحياز إلى فقراء أصبحوا يمثلون نصف السكان، وترجمة لأهداف ثورتين كان شعارهما: الخبز والحرية وكرامة الإنسان؟! وتبقى الإشارة إلى ما نبهنا إليه منذ ثورة يناير وحتى الآن -حين طالبنا بأن تكون الأولوية للمحليات.. بتغيير القيادات، وبإجراء انتخابات تعطى فيها الفرصة كاملة لقوى الثورة، لكن أحدًا لم يسمع، وبقيت الأمور على ما هى عليه فى الريف، ويبقى الانفصال بين ما يعانيه ملايين الفلاحين وما يصدر من قرارات مركزية فى القاهرة «مثل قرار رفع أسعار الأسمدة» تتعامل مع الأرقام، لا مع البشر! حين نتكلم عن ضرورة الحفاظ على وحدة قوى الثورة فى مواجهة الأخطار التى نتعرض لها، فيجب أن يكون واضحًا أننا لا نتحدث عن أشخاص أو جماعات، بل عن ملايين خرجت لتفرض إرادتها، وتستعيد حقوقها، وتفرض سياسات جديدة تستعيد للوطن استقلاله وللمواطن كرامته. الخطر لا يأتى من جماعات الإرهاب الإخوانى، لأننا سنقضى عليها، ولا من حزب الفساد الوطنى، والذى يريد أن يعود غير مدرك أنه أصبح خارج التاريخ بلا رجعة. الخطر يأتى حين يشعر فلاح صغير فى قرية نائية أن أحواله الصعبة تزداد صعوبة بعد ما يقرب من أربع سنوات من الثورة. سمعت هذا الفلاح، وأرجو أن تكون الحكومة أيضًا قد سمعت.. وأُدرك جيدًا أن الخطر هنا.. ولعل الجميع يدرك ذلك!