كثيرون نالوا شرف العبور المجيد فى حرب أكتوبر 1973، وعايشوا لحظات الانتصار الذى لا ينسى، البعض نال الجزاء الأعظم وهو الشهادة، والبعض الآخر خرج منتشيا باسترداد الأرض، رغم الإصابة، لكن هناك فريقًا آخر لا يعرف أحد مصيره، وليست هناك أى إشارات واضحة عن استشهاده أو حتى أَسره، إنه فريق مفقودى الحرب. ولعل رفات الجنديين الذى وُجدَ وجدت فى موقع حفر قناةالسويس الجديدة، فتح الملف الذى ظل مغلقًا لسنوات وسنوات، بينما انطلقت «التحرير» فى المحافظات تفتش عن قصص الأبطال المنسيين، الذين فُقدوا فى أثناء الحرب، ولم يستدل عنهم حتى الآن. العطار أُلحق بسلاح المدرعات فى حرب 73.. والدولة اعتبرته شهيدًا.. ولم يتم العثور على جثته حتى الآن الغربية- مروة شاهين: عند إكماله سن العشرين ترك مهنته كخباز يساعد والده فى خبز العيش بالفرن ليعينه على متاعب الحياة وتربية 9 إخوة آخرين، وقام بالالتحاق بالخدمة العسكرية لقضاء فترة خدمته بالجيش فى بداية عام 1973، ولم يعلم أنه سوف يشارك فى أعظم الحروب التى خاضتها مصر وينتصر، إنه العريف فهمى محمد العطار، من مدينة المحلة الكبرى، كان مجندًا بسلاح المدرعات شارك فى حرب 73، استُشهد ولم يتم العثور على جثته حتى الآن. قالت الطاهرة العطار، ربة منزل، أخت الشهيد، إن عمرها كان لا يتجاوز 11 عامًا عندما غادر أخوها فهمى المنزل متجهًا إلى القاهرة لتقديم خدمته العسكرية، وتتذكر أنها كانت آخر مره ترى فيها أخاها، ووقت إعلان الحرب لم تت لقَ الأسرة أى رسائل من الشهيد، وبعد الانتهاء من الحرب عاد زملاؤه ولم يأتِ خبر عنه، وأكد زميل له أنه استشهد أمامه فى حين لم يأتِ تأكيد من الجهات الحكومية لعدم الحصول على جثته. وبعد مرور 3 أشهر تم استدعاء والدها بالقسم وتسليمه جواب استشهاد ابنه، وأن جثته مفقودة، وإعلان رسمى باعتراف الدولة بأنه شهيد، مما أصاب الأسرة بالحزن والأسى وأصيب والده بعجز النظر حزنًا عليه حتى توفى. بينما أكدت العطار أنه وبعد اعتراف الدولة بأنه شهيد كان والدها يتقاضى معاشًا شهريا من الدولة، وكانت هى وإخوتها الثمانية يُعفون من مصاريف المدارس ومن أجرة المواصلات العامة، وفى ذكرى الحرب فى شهر أكتوبر تتم دعوتهم من المحافظة مع أهالى الشهداء فى الاحتفالات الرسمية أحيانا. فى حين أضاف ماهر العطار، أخو الشهيد، أنه كان يتمنى أن يرى أخاه ويدفن جثته ليطمئن قلبه، وأن فقدانه سبب أسى وحزنًا للأسرة، فضلا عن أنه استشهد، وأنه قام بزيارة موقع حفر قناةالسويس الجديدة، مشيرا إلى أنه كان يشعر أنه بجوار أخيه وأنه موجود تحت هذه الرمال ومن الممكن الحصول على رفاته كما وجد العمال رفات شهيد آخر قائلا «كان نفسى أحفر أنا الصحرا لحد مالاقى رفات أخويا». نجل مجند الشرقية الراحل: والدى ظل «مفقود حرب» 5 سنوات ثم أعلن شهيدا الشرقية- محمد عودة وإسلام الشاذلى: من قرية منية سلمنت التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية خرج أحمد محمد عبد الرحمن لأداء واجبه الوطنى خلال حرب أكتوبر عام 1973، وترك لزوجته ولدين صغيرين وبنتا كانت تحمل فيها آنذاك، حيث انتهت الحرب وعاد من عاد إلى أبنائه وذويه، فى الوقت الذى لم يعد فيه هو إلى أهله، ليظل مفقودًا طوال 5 سنوات منذ قيام حرب أكتوبر المجيدة وحتى عام 1978 الذى صدر فيه قرار القوات المسلحة باعتباره شهيدًا بعدما تعذر العثور عليه حيًّا كان أو ميتًا. يقول سيد أحمد محمد نجل المجند المفقود، إن والده كان وطنيا محبا لبلده، وقد شارك فى حرب 1967 كمجند فى صفوف القوات المسلحة، ثم تم استدعاؤه مرة أخرى للحرب عام 1973، ومن حينها ولم يتم العثور عليه أو على رفاته، مشيرا إلى أن المجند له من الأبناء غيره 2، ولد أكبر منه مواليد عام 1968، وبنت من مواليد 1974، وبعد بحث عنه دام 5 سنوات قررت القيادة العامة للقوات المسلحة الاعتراف به كشهيد، وليس مفقود حرب، وأُصدرت بذلك شهادة رسمية تسلمها أهله. سيد أضاف أنه منذ قرار اعتبار والده شهيدًا بدأت أمه وجدته فى تقاضى معاش شهرى من الجيش، حيث بلغ معاش زوجة الشهيد وتدعى صابرين محمد مصطفى نحو 500 جنيه شهريا، ظلت تتقاضاها حتى وفاتها عام 2007. كما شدد سيد على تمنياته وإخوته فى العثور على رفات والدهم المفقود على غرار ما حدث فى أعمال حفر قناةالسويس الجديدة، وإن حدث ذلك فسيقومون بدفنه فى مقابر العائلة وستكون فرحة كبرى لهم، كما تمنى من الله أن يجدوا أى شىء من متعلقاته التى كانت بحوزته وقت الحرب، حتى ولو كان حديدة مكتوبًا عليها اسمه، مشيرا إلى أنه قام ببناء مسجد منذ 5 سنوات على روح والده أطلق عليه «مسجد الشهداء». حكايات الغريب وسبع الرجال فى الأقصر سيد عباس فُقد فى مهمة لسبع طائرات خلف خطوط العدو.. وصلاح اختفى فى الدفراسوار الأقصر- نرمين نجدى: مدينة الأقصر تعيش على ألم فقد مجندين هما سيد عباس أحمد إسماعيل، وصلاح العادلى حامد عبيد، حيث لم يستدل على مصيرهما حتى الآن. الأول هو سيد عباس، والذى يقطن أهلة بعزبة الناظر التابعة لنجع قباح شرق ببندر الأقصر، حيث يقول شقيقه حمودة سائق بالمعاش، إن الفقيد كان يتبقى له أيام لينهى فترة خدمته فى الجيش، لكن الحرب اشتعلت على الجبهة فلم يعد بعدها. والمفقود من مواليد 1951، حاصل على الدبلوم الفنى الصناعى، وعمل لفترة قصيرة، ودخل بعدها الجيش لقضاء الخدمة العسكرية، فى سلاح الصاعقة، وكانت وحدته فى منطقة الهرم وكان أعزبًا، وله من الأشقاء 6، وهم محمد وبدوى وأحمد وحمودة وسيدة وتفيدة. بعدما قامت الحرب كل المجندين فى القرية والقرى المجاورة عادوا عدا سيد، فالأفراح كانت فى كل القرى عدا منزلنا، والكلام ما زال على لسان شقيقه حمودة، الذى قال إن أحد زملائه المجندين أخبرهم أنه كان فى مهمة قامت بها سبع طائرات خلف خطوط العدو فى سيناء، حيث خرج فيها ولم يسمعوا عنه شيئا بعد ذلك. وأكمل ابن شقيقة الشهيد أن أسرته تشعر بالظلم فلا توجد مدرسة باسمه ولا شارع فى القرية يخلد ذكراه، رغم أنه على مقربة من قريتهم توجد مدرسة باسم الشهيد سيد زكريا الملقب بأسد سيناء. وهنا قالت شقيقة حمودة مرة أخرى إنه كان يتبقى له 40 يومًا للانتهاء من خدمته العسكرية وقامت الحرب، وتعبنا من كثرة السؤال عنه، وبعد 5 سنوات تلقينا جوابًا من القوات المسلحة بأنهم لم يستدلوا على جثته واعتبروه شهيدا، وهنا اضطررنا لعمل جنازة، وتلقى العزاء بعدما كانت ترفض والدتنا عمل جنازة له، وتلقى والدانا معاشًا انقطع بموتهما. بينما قالت نجاح كامل ابنة عم المفقود إنه كان «سبع الرجال» وجميل الشكل، كان يحب أهل البلدة وهم أيضا يحبونه. وفى منطقة أبو الجود التابعة للكرنك بشمال مدينة الأقصر، كان لنا موعد مع أسرة الفقيد الثانى، وهو الشهيد صلاح العادلى حامد عبيد المفقود الثانى من الأقصر فى حرب 1973، وهو مجند بالرادار بسلاح الجو على الحدود مع إسرائيل، ولد عام 1948، وحصل على دبلوم معلمين بنظام الخمس سنوات، وكان يعمل مدرس ابتدائى، وكان قد خطب ابنة خالته قبل أن يذهب إلى أداء الخدمة العسكرية، وله من الأشقاء 5، 3 ذكور، و2 إناث. التقينا شقيقتيه سليمة والصغرى زينب، حيث أكدتا أن صلاح كان جميل الخلق والخلقة، ذهب للتجنيد عند وفاة جمال عبد الناصر، أى فى سبتمبر عام 1970، وعندما هبت الحرب لم نسمع عنه شيئا، كل زملائه عادوا عدا هو. وتتابع إحدى الشقيقتين: ذهبنا إلى زملائه فى الجيش وهم من مركز قفط التابع لمحافظة قنا، كنا نعرفهم لأنهم كانوا يحضرون معه هنا فى الإجازات، فى البداية، حاولوا التهرب مننا، وبعد تضييق الخناق عليهم قالوا لنا إنه فى أثناء ثغرة الدفرسوار كنا موجودين فى خنادقنا العسكرية شاهدنا اليهود قادمين إلينا من كل حدب وصوب، كل مجند حمل سلاحه محاولا الهرب إلى مصيره المجهول، ومن كان يختبئ منا فى الجبال كانت طائرات العدو تحصده، وقبل أسرنا فى الثغرة وجدنا جنودًا مقتولين لم نجد صلاح بينهم ولم نجد له جثمانًا، ولم نعثر عليه تماما. سمعنا رواية أخرى أنه ذهب من الجيش الثالث إلى الجيش الثانى، ورواية ثالثة تقول إن اليهود كانوا يخطفون الجنود المتعلمين فى الأسلحة المهمة، بعد وضع عصابة على أعينهم. تقول شقيقته: حزنّا جميعا عليه وحزنت أمى حزنا شديدا عليه، وحرمت على نفسها متاع الدنيا، واتشحت بالسواد وبكت حتى كاد تصاب بالعمى حتى توفيت عام 1991، وكذا والدى، ولكننا تيقنا من موته، لأن والدتنا كانت تقوم بالنداء على صلاح وهى فى سكرات الموت، وتقول له تعالى خدنى ليك، وهى بالطبع لا تشعر بما تقول فتيقنا جميعا أنه شهيد فى الجنة وينتظرها. 47 عاما من البحث عن العريس المفقود المجند مصطفى مرعى خطب عروسه ثم التحق بالجيش بعد شهرين ليحارب وانقطعت أخباره حتى تاريخه الدقهلية- سارة زينهم: حزن ومأساة يومية تعيشها إحدى أسر مفقودى نكسة 67 بمحافظة الدقهلية، بينما لم تتمكن 47 عاما من أن تنسيهم ذكريات المجند مصطفى على جمعة مرعى، والذى خرج من قريته نوب طريف، إحدى قرى مركز السنبلاوين التابعة لمحافظة الدقهلية، ليشارك فى حرب 67، ثم انقطعت أى معلومات عنه حتى الآن. أسئلة كثيرة تدور فى ذهن أسرة المجند مصطفى والمكونة من والده على جمعة ووالدته أم محمد وأشقائه (عوض، الدسوقى، ياسين، مصطفى، فرج، قمر) توفيت والداته بعد فقدانه بعامين حزنا عليه، وتوفى والده عام 1986 بعدما فقدوا الأمل فى عودة نجلهم، وكان آخر ما طالبوا به قبل وفاتهم هو البحث عن نجلهم لأنه من الممكن أن يكون حيًّا. «التحرير» التقت شقيق المجند، الحاج عوض على جمعة مرعى، ليحكى قصة الفقيد ويقول فى البداية إن الفقيد شارك فى الحرب، وعمره وقتها 20 عامًا، وأقام حفل خطوبته قبل مشاركته فى الحرب بشهرين على فتاة من قرية نوب طريف. الحاج عوض أضاف أن الفقيد كان فى السارية 6 سلاح المشاة، مشير إلى أنه ظل 6 أشهر بالمعادى ثم انتقل إلى اليمن، وبعد ذلك عاد إلى سيناء ليشارك فى حرب 67. شقيق الفقيد أكد أنه منذ عام 67 وجميع الأخبار عن شقيقه انقطعت، ولم يستدل على أى معلومات تؤكد إذا كان شقيقه شهيدا أم فقيدا، ويقول الحاج عوض «قمنا بمحاولات متعددة لمعرفة مصير المفقود، ولكن لم نتوصل إلى نتيجة عن مصيره وباءت جميع محاولاتنا بالفشل، مضيفا أن خطيبته فوزية أنهت خطبتها على المجند بعد مرور ثلاثة أشهر من الحرب». ويؤكد أن وزارة الدفاع أرسلت إليهم شهادة وفاة تفيد بأن المفقود تم الاعتراف به كأحد شهداء حرب 67 فى عام 1971، أى بعد الحرب ب4 سنوات. ويضيف أنهم فقدوا أمل الوصول إلى شقيقه المفقود، ولكن بعد العثور على رفات مجند أثناء حفر قناةالسويس الجديدة عاد الأمل مرة أخرى فى العثور على رفات الجندى حتى يتم دفنه فى مقابر القرية. من جانبه طالب الحاج عوض الرئيس عبد الفتاح السيسى بتعويض مادى، مشيرا إلى أن ظروفهم المادية صعبة جدا، وأن لديه 4 أولاد يعملون باليومية، كما يطالب السيسى بتوظيف أبنائه فى أى وظائف تابعة للحكومة.