رئيس محكمة النقض يستقبل وزير العدل الأسبق لتقديم التهنئة    صور | إصابة 4 عمال.. تحقيق عاجل في سقوط مظلة بموقف نجع حمادي    ترامب: ب 550 مليار دولار أبرمنا اتفاقًا تجاريًا مع اليابان    استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال في بلدة الخضر    كندا: الجوع في غزة وصل إلى مستويات كارثية ونطالب باستئناف فوري للمساعدات الأممية    روسيا تشن هجوما بالمسيرات على مدينة أوديسا بجنوب أوكرانيا وسماع دوي انفجارات    إعلام عبري: إطلاق صاروخ من اليمن    وزير التعليم: البكالوريا نظام تعليمي يتوافق مع النظم الدولية ويقضي على بعبع الثانوية العامة    محافظ قنا يوجه بفتح تحقيق عاجل بعد سقوط مظلة تحت الإنشاء بموقف نجع حمادي    إخماد حريق في محطة وقود بالساحلي غرب الإسكندرية| صور    ب 50%.. طالبة الثانوية تلقي نفسها من الطابق الرابع بالإسكندرية    حسام موافي لطلاب الثانوية: الطب ليست كلية القمة فقط    بمستشفى سوهاج العام.. جراحة دقيقة لطفلة مصابة بكسر انفجاري بالعمود الفقري    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف أحمد الشناوي.. طريقة عمل سلطة التونة بالذرة    تكرار لنهائي الرجال.. أيتانا بونماتي تقود سيدات إسبانيا لمواجهة إنجلترا    سيف جعفر: فيريرا يتعامل معنا بشكل مثالي.. والصفقات الجديدة إضافة قوية    قاضية أمريكية ترفض طلب إدارة ترامب بنشر ملفات إبستين "تفاصيل"    بعد عام من المناظرة.. نجل بايدن يكشف تناول والده عقار منوم قبل مواجهة ترامب    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات الأخرى الخميس 24 يوليو 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 24 يوليو 2025    «محدش قالي شكرا حتى».. الصباحي يهاجم لجنة الحكام بعد اعتزاله    «أحمد فتوح بينهم».. جون إدوارد يسعى للإطاحة بثلاثي الزمالك (تفاصيل)    بعد أنباء أزمة عقده.. ديانج: «لم أكن أبدًا سببًا في أي مشكلة»    أليو ديانج يحكي ذكرياته عن نهائي القرن بين الأهلي والزمالك    شوبير يكشف حقيقة اهتمام الأهلي بضم أحمد فتوح    فودافون مصر تعتذر عن عطل الشبكة وتمنح تعويضات مجانية لعملائها    «الناصري» ينظم ندوة بالمنيا احتفالًا بذكرى 23 يوليو    موعد تنسيق الجامعات الأجنبية 2025 لطلاب الثانوية والشهادات المعادلة    السيد القصير يوجه 7 رسائل بمؤتمر الغربية: ندعم القيادة السياسية.. ومرشحينا معروفين مش نازلين بباراشوت    إصابة شخصين في تصادم بين سيارة وتوكتوك بطريق التل الصغير بالإسماعيلية    صاحب مغسلة غير مرخصة يعتدي على جاره بسبب ركن سيارة بالإسكندرية    بالأسماء.. إصابة ووفاة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بمحور ديروط فى أسيوط    بعد مأساة «أسرة دلجا».. إصابة 5 صغار بالتسمم إثر تناول مبيد حشري في المنيا    «مبنحبش نتصادم».. كيف تحدث أحمد فهمي عن علاقته ب أميرة فراج قبل الانفصال؟    5 أبراج «فاهمين نفسهم كويس».. يعشقون التأمل ويبحثون عن الكمال    عبارات تهنئة مؤثرة ومميزة لطلاب الثانوية العامة 2025    عامي الجديد حين اخترت أن أعود إليّ    بالصور.. أحدث جلسة تصوير ل ملك زاهر وشقيقتها ليلى تعلق    بالصور - نانسي عجرم تحتفل بألبوم "نانسي 11" بأكثر من إطلالة مختلفة    ب"إنذارين"..المخرج يوسف شرف الدين يطالب قناة "النهار" بحذف حلقة الفنانة إجلال زكي    أحمد صفوت بعد نهاية «فات الميعاد»: كسبت ناس بحبها وأتمنى نكون وصلنا رسالة حقيقية    لو مجموعك أقل من 90%.. قائمة الكليات المتاحة ب تنسيق الثانوية العامة 2025    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الخميس 24 يوليو 2025    ترامب: سأوقع أمرا تنفيذيا يخص الذكاء الاصطناعي لتسريع المشاريع الكبيرة    لا ترمِ قشر البطيخ.. قد يحميك من مرضين خطيرين وملئ بالفيتامينات والمعادن    92 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال آخر جلسات الأسبوع    تتبع رئيس الوزراء، الحكومة توافق على إنشاء اللجنة الدائمة لمتابعة وتحليل المؤشرات الدولية    الأوراق المطلوبة للاشتراك في صندوق التكافل بنقابة الصحفيين    ارتفاع البتلو وانخفاض الكندوز، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    هل انتهت الأزمة؟ خطوة جديدة من وسام أبو علي بعد أيام من غلق حسابه على إنستجرام    أعراض برد الصيف وأسبابه ومخاطره وطرق الوقاية منه    حدث ليلًا| حقيقة بيع مناطق بوسط البلد ورد رسمي على أنباء توتر العلاقات المصرية السعودية    هل يجوز أخذ مكافأة على مال عثر عليه في الشارع؟.. أمين الفتوى يجيب    اقتصادي: الجيش حمى الدولة من الانهيار وبنى أسس التنمية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العبث والجنون
نشر في التحرير يوم 31 - 01 - 2012

كنت أجلس بإحدى جزر الأميرات فى تركيا على البوسفور، أتناول سندوتش شاورمة، عندما حط سرب من الحمام أمام مقعدى المواجه للبحر. من الطبيعى أن الحمام فى معظم بلاد ربنا لا يفزع من الناس، ولا ينطلق محلقا عندما يقتربون منه، لأنه اعتاد أن الاقتراب دائما ما يحمل الخير ويقترن بالطعام الذى يلقى له، وذلك على العكس مما يحدث لطائر السلام عندنا فى مصر.. لذا فإن مشهد الحمام يلتقط الحب فى الميادين ويرفرف بالقرب من الناس هو من المشاهد التى لا يمكن رؤيتها هنا، ولو حدث وتجرأت حمامة واقتربت من الناس أو غفلت لثوان معدودة، لوجدت نفسها بعد قليل محشوة «فريك»!
اقترب منى الحمام يطلب الطعام، ولما لم يكن معى حبوب تصلح لإطعامه فقد أخذت أقطع له لقيمات بالغة الصغر من السندوتش وألقيها أمامى، فيندفع الحمام ويلتقطها فى الحال. لاحظت أن من بين السرب توجد حمامة شرسة تختلف عن الباقين، ويمكن القول إنها الفتوة بين أقرانها. كانت ما إن يلامس الطعام الأرض حتى تنظر بحدة إلى الآخرين نظرات محذرة، ثم تنقض على الطعام وتأكل معظم فتافيت الخبز، ولا ينال سواها غير ما يلتقطه فى أثناء انشغالها! لاحظت أنها كانت الأكبر فى الحجم بين الجميع وأنهم يخشونها، ويتجنبون إغضابها، ولا يأكلون غير ما تسهو هى عنه، وعندما كانت إحدى الحمامات تتجاسر وتمد منقارها إلى لقمة فى نطاق الفتوة، فإن هذه كانت لا تتردد فى أن تنقرها بقسوة! لهذا فقد كنت أقطع الكثير من الخبز وأنثره فى دائرة واسعة، لأعطى فرصة للآخرين أن ينالوا نصيبا من الطعام بعيدا عن الوحش الذى يتوسطهم.
أدهشنى أن أجد فى دنيا الحمام الوديع أو الذى نظنه وديعا نفس الغباوة والطمع والأنانية الموجودة لدى جميع المخلوقات، ويبدو أننا اخترعنا فكرة كاذبة عن الحمام اطمأننا لها وصدقناها. بعد قليل كنت قد نثرت الرغيف كله للحمام ولم يتبق فى الورقة الملفوف فيها السندوتش سوى قطع الشاورمة التى قمت بإخراجها، حتى أستطيع أن أطعم الحمام الخبز.
ما زال أعضاء السرب يحفون بى طلبا للمزيد، فى حين أننى كنت أشد منهم جوعا بعد أن نزلت لهم عن غدائى. فكرت فى أن أقوم لأشترى لنفسى طعاما آخر وأشترى للحمام علبة بسكويت، غير أننى خشيت أن هذا السرب قد يطير ويأتى غيره بعدما تعلقت به، فقررت أن ألقى لهم بقطع اللحم لأرى ماذا هم فاعلون! فى البداية وجدتهم يتحركون مع حركة يدى ويتجهون حيث تتجه، ثم يقتربون من قطع الشاورمة المتساقطة فى ريبة يتشممونها ثم يعرضون عنها.. بعد قليل تشجعت كبيرتهم وتناولت قطعة بفمها وأخذت تضربها بالأرض لتقطعها، ثم لدهشتى التهمتها وتقدمت من غيرها وفعلت نفس الشىء.
بعد ذلك اقترب البقية وتعاملوا مع الشاورمة بنفس الحذر الأوّلِى، ثم لم يلبثوا أن اندمجوا وأخذوا يأكلون حتى نفدت قطع الشاورمة كلها. لم أدر هل هذا طبيعى أم أن هذا السرب بالذات يتسم بالنزق وحب التجربة، لكنى تصورت أن الجوع قد يُخرج الكائنات عن طبائعها ويجعل أرق الطيور تأكل اللحم، وهى هنا تُعتبر فى حكم المضطر الذى لا جناح عليه! كما أنه لا يُخشى من أن تتغير سمات الجنس كله فيصبح من أكلة اللحوم، لأنها مجرد مرة وعدت. ومن يعلم ربما تدفع الضرورة حيوانا كالأسد ذات يوم إلى أن يأكل البرسيم لو لم يجد شيئا آخر. وعلى الرغم من أن هذه الفرضية لم تختبر فى الغابة بحكم أن الضوارى لا تعدم فى أى وقت حيوانات ضعيفة تصلح كغذاء، فإنه من الممكن أن تجرى تجربة هذا الفرض مع الحيوانات المفترسة الواقعة فى الأسر.
وبهذه المناسبة لا يفوتنى أن أذكر أنه على الرغم من كون القطط والكلاب ليست من الحيوانات المفترسة فإن غرامها باللحوم لا يمكن إنكاره، والناس فى الغرب الذين يكثر بينهم اقتناء الحيوانات الأليفة يهتمون بها ويشترون لها من السوبر ماركت الطعام الذى يتم تصنيعه خصيصا، ويكون فى معظمه عبارة عن خليط من اللحوم والدجاج والأسماك، أما هنا فقد رأيت الكثير من القطط والكلاب بالبيوت تأكل مما يأكل منه أهل الدار، فتتناول راضية الخبز المغموس فى الملوخية والقلقاس والفاصوليا، كما تلتهم الأرز والمكرونة والكرنب، كما أننى رأيت أيضا من يقوم بتربية الدجاج والبط ويترك قطته أو كلبه يعيش وسط الطيور، وقد يسهون عنه وينسون إطعامه، فلا يجد مفرا من أن يشارك الطيور طعامها، وربما لا يجوز للقطط والكلاب الضالة التى تأكل من الزبالة أن تحسد زملاءها مما تأويهم المنازل إذا عرفوا أن هؤلاء يأكلون الذرة والبرسيم!
ولا عجب فى ما سبق كله لأن الدنيا تخلو من العدل، وربما أمكن فى حياة أخرى للقطط المحرومة أن تأكل البسكويت فى اللبن، وللكلاب أن تأكل الدجاج، وقبلها الإنسان أن يتذوق اللحم، لأن اختلال ميزان العدالة إلى جوار عبث الإنسان هو وليس غيره ما أفقد البقر الصواب ودفعه إلى الجنون بعد أن قام الظالمون بإطعامه.. بولوبيف!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.