تخيَّل أن مذيعة فى التليفزيون المصرى اقترحت إعداد حلقة عن المطاعم الشعبية الشهيرة، فى الغالب ستُحبَس احتياطيا داخل غرفة من غرف «ماسبيرو» المظلمة، بتهمة مخالفة قواعد القطاع الاقتصادى، والتى تعتبر اسم أى «محل» إعلانا، حتى لو كان صاحب المحل نفسه وزبائنه لا يشاهدون قنوات الحكومة من الأساس. المفروض أن الإعلان يسمَّى إعلانا إذا كان المعلِن راغبا فى بثّه عبر هذه الشاشة أو تلك، مطاعم ومحلات مثل «البرنس» و«بَحَّة» و«الرفاعى» و«البغل» و«عبده تلوث» و«المالكى»، لا تحتاج إلى الإعلان عن نفسها، بل يحتاج الجمهور -خصوصا الذى لا يرتاد تلك المطاعم- إلى معرفة «سرّها الكبير»، وهو ما حققته الفنانة القديرة إسعاد يونس فى حلقة متميِّزة من «صاحبة السعادة»، يونس قدَّمت إلى جمهورها حائط الصدّ المسؤول عن حماية «هُوية المعدة المصرية» أمام سلاسل محلات «الكاتشب» و«المايونيز» و«الكلو سلو». الطعام عنصر أساسى من عناصر تكوين الهوية والحفاظ عليها، ويجب أن نعترف أنه مهما كان عدد روَّاد فروع سلاسل «ماكدونالدز» و«كنتاكى»، ستظلّ تلك المطاعم فى المرتبة الثانية ل«منيو» المصريين، قد يكون المجال ضيقا هنا للمقارنة بين «البرنس» و«الخواجة كنتاكى»، و«المالكى» و«باسكن روبنز»، لكن حلقة «صاحبة السعادة»، فكرة أحمد فايق ومحمد عبد العزيز، أكدت أولا أن الحفاظ على الهوية قد يبدأ من المعدة لا من الأغنية والكتاب والفيلم، وثانيا أن البحث عن المختلف هو طريق أى برنامج نحو الاستمرار وحصد إشادات الجمهور، وهو ما تؤكده إسعاد يونس وفريق «صاحبة السعادة»، خصوصا فى الموسم الثانى الذى تخلَّت فيه يونس عن مقعد المذيعة، وعادت من جديد إلى شخصيتها الأصلية، فلم تعد مشغولة بطرح الأسئلة حسب ترتيبها، أو بالحصول على إجابات بعينها، بل تماهت مع ضيوفها ليشعر المتابِع أنه يرى جلسة ودية تم تصويرها بكاميرا لا يراها الضيف والمضيف، هذا الشعور انتقل إلى الضيوف من كل الفئات والأصناف، فجاء ظهورهم مع إسعاد مختلفا عن برامج أخرى منافسة، ناهيك بهؤلاء الذين يظهرون أصلا للمرة الأولى، مثل الحاج الرفاعى والمالكى الأب والابن.. بالعودة لمذيعة التليفزيون المصرى من المتوقَّع بعد انتهاء حبسها احتياطيا أن تزيد العقوبة، ويتم تكليفها بإعداد حلقة خاصة عن فيلم «الجوع».