شهدت مصر منذ عام 2011 عديدا من الاستحقاقات الانتخابية التى جرت معظمها فى ظل بناء الأحزاب ما بعد ثورة 25 يناير، ما فرض على هذه الأحزاب -سواء القديمة التى كانت تُعيد هيكلة نفسها أو الجديدة التى ما زالت فى طور البناء- الدخول فى هذه الاستحقاقات عبر تحالفات. وتواجه كل التحالفات مجموعة من التحديات يمكن حصرها فى 3 مستويات، المستوى الأول والمتعلق ببناء التحالف، المستوى الثانى خاص بإدارة التحالفات، والمستوى الأخير يرتبط بالبيئة المؤثِّرة فى عمل هذه التحالفات. يتناول هذا المقال المستوى الأول وهو بناء التحالفات، حيث تواجه كل الأحزاب معضلة اختيار الأحزاب الحليفة، وتاريخ التحالفات فى مصر يؤكد وجود هذه الأزمة، والتى بدأت عام 1984 عندما دخل حزب الوفد فى تحالف مع الإخوان المسلمين، إلا أن التحالف انتهى عام 1987 بسبب عديد من المشكلات، أبرزها انسحاب عديد من أعضاء حزب الوفد من الحزب، واتهامهم للإخوان المسلمين بعدم اتباع سياسات التحالف، وكان هناك تحالف آخر بين الإخوان المسلمين وحزب العمل، والذى انتهى بشبه اندماج سرعان ما تم إجهاضه بتفجير الحزب من الداخل، وبالتالى فتشكيل التحالفات من أحزاب ذات أيديولوجيات وخلفيات مختلفة ينتهى عادة بالفشل، مثل ما حدث مع التحالف الديمقراطى فى برلمان 2011، عندما تم تشكيله من حزب الحرية والعدالة وبعض الأحزاب المدنية الأخرى، ويرجع ذلك الأمر إلى ضعف الأحزاب التى تحاول دائما الانضمام أو التحالف مع حزب قوى نسبيا، يحقق لها مكاسب انتخابية، بغض النظر عن التشابه أو الاختلاف بين الأحزاب، ويظهر أيضا فى تحالف الكتلة المصرية فى 2011، والذى ضم أحزابا ذات برامج اقتصادية متنافرة تحت مسمى المدنية، ما لم يمكنها من التنسيق بين أعضائها داخل البرلمان، ومن ثمّ يثار التساؤل: لأى معيار يكون اختيار الحلفاء؟ من خلال تجارب التحالفات السابقة هناك مجموعة من المعايير تتحكم فى اختيار الحليف، أولها: الظرف السياسى المملى على الأحزاب خلال الفترة السابقة للاستحقاق الانتخابى، وهو ما أثبتته تحالفات 2011 وما تظهره التحالفات الحالية، وثانيا: التشابه فى الأفكار والبرامج، وهو ما اتضح جليا مع قائمة «الثورة مستمرة» التى رفضت الانضمام إلى الكتلة المصرية، وكان معيار الاختيار الالتفاف حول مبادئ الثورة، فكان الهدف هو التمايز عن الأحزاب الكبيرة وتحقيق نوع من التمايز، واتضح هذا المعيار أيضا مع تجربة حزب النور فى 2011 الذى شكّل تحالفا إسلاميا، أما المعيار الأخير فهو اختيار أحزاب قوية بغضّ النظر عن الاتفاق والاختلاف حول السياسات، وهو ما حدث مع التحالف بين الحرية والعدالة وحزب الكرامة فى 2011. ومن خلال التجارب السابقة يمكن القول بأن الأحزاب المتشابهة فى البرامج والسياسات هى المرشحة للاستمرارية، أى لا بد وأن يكون هناك نوع من التقارب السياسى بين الأحزاب المكوّنة للتحالف والتوافق على الأولويات السياسية، حتى تستمر هذه الأحزاب فى عملها داخل البرلمان، وتقوم بتمرير القوانين التى تعتقد فى قدرتها على تحقيق الصالح العام. ترتبط مسألة اختيار الحلفاء بمسألة إقناع القواعد الحزبية، وتواجه الأحزاب صعوبة حقيقية مع قواعدها فى حالة دخولها فى تحالف لا يقوم على تبنى نفس الرؤى والأولويات، ولذلك تعمل الأحزاب كافة على محاولة إقناع قواعدها بترتيب الأولويات، ويعتمد ذلك أيضا على المعايير السابق ذكرها، والتى وفقا لها يحدد كل حزب اختياره للحلفاء، فحزب الوفد حاول إقناع قواعده بخطورة الظرف الراهن، وضرورة الدخول فى تحالف انتخابى، وعدم تكرار تجربة 2011 فى النزول منفردا لمواجهة خطر تنظيم الإخوان، أيضا حاول حزب النور إقناع قواعده بضرورة الحفاظ على المصلحة الوطنية، والدخول فى تحالف انتخابى لا يضم أحزابا إسلامية، خصوصا بعد تأييد الأخيرة لمحمد مرسى ورفضها المسار الحالى. كما أن الأجنحة الشبابية فى معظم الأحزاب تتخذ موقفا سلبيا من التحالفات التى تطرحها القيادات، وترى فيها قدرا من الانتهازية، وتمتلك رؤية أكثر مبدئية وأقل مرونة، على مدار العامين لم تنجح الأجنحة الشبابية فى فرض رؤيتها على التحالف إلا فى تحالف «الثورة مستمرة»، والذى حقق -مقارنة بالظروف المحيطة به- قدرا من النجاح كان يمكن البناء عليه. ويبقى التساؤل الرئيسى: إلى أى معيار ستحتكم الأحزاب السياسية هذه المرة لبناء تحالفاتها الانتخابية؟