تم تنفيذ برنامج الخصخصة للشركات المملوكة للدولة كجزء من برنامج الإصلاح الاقتصادى تحت إشراف صندوق النقد الدولى والبنك الدولى عام 1991، وذلك فى ظل اقتناع عام بضرورة التحول من نظام اقتصادى مركزى مغلق على القطاع العام، إلى نظام سوق حرة يقوم القطاع الخاص فيه بالدور الرئيسى فى التنمية. كانت محصلة الخصخصة خلال الفترة من 1993 حتى مارس 2014 أكثر من 282 شركة تم بيعها بقيمة بلغت 53.64 مليار جنيه، وذلك طبقا لتقرير وزارة المالية. والخصخصة متهَمة من قِبل الرأى العام بأنها من أهم أسباب تراجع الاقتصاد القومى، وتزايُد البطالة بإخراج مليون عامل من شركات القطاع العام بنظام المعاش المبكر وارتفاع أسعار السلع والخدمات وانفلات الأسواق وزيادة الفوارق الاجتماعية. قد لا نختلف حول مبدأ التحول من الاقتصاد المركزى إلى اقتصاد السوق الحرة. ولكن نختلف مع الخطوات الخاطئة التى اتبعتها حكومات مبارك الأربع «عاطف صدقى وكمال الجنزورى وعاطف عبيد وأحمد نظيف»، التى أشرفت على برنامج الخصخصة، وهى: 1- وقف الاستثمار الحكومى فى القطاع العام سواء بالتوسع أو التجديد، تمهيدا لخصخصته، مما أدى إلى تحول شركات القطاع العام الناجحة إلى شركات مدينة وتمثل عبئا على الدولة، وفى انتظار عملية خصخصتها. 2- اعتماد الحكومة فى تنفيذ برنامج الخصخصة على نظام البيع لمستثمر رئيسى، دون الالتفات إلى آليات أخرى مثل طرح شركات القطاع العام فى البورصة. 3- معظم عمليات خصخصة شركات القطاع العام، تم تمويلها عن طريق بنوك القطاع العام، فتم صرف مدخرات المصريين فى مشاريع قائمة بالفعل، وتخفيض الموارد المالية المتاحة للاستثمارات فى مشاريع إنتاجية جديدة. 4- لم يصاحب برنامج الخصخصة إصلاح تشريعى ليكمل منظومة الإصلاح الاقتصادى، فلم يصدر سوى قانون قطاع الأعمال العام، وتم إهمال قانون الشركات الموحَّد والقوانين الخاصة باتحادات العمال المساهمين، وقانون التراخيص والبناء، وقانون الصيانة وقانون تنظيم المحاسبة والمراجعة، إلى جانب إهمال 62 قانونا آخر تحتاج إليها منظومة الإصلاح الاقتصادى، مما جعل برنامج الخصخصة يعمل فى بيئة تشريعية معطلة له. 5- سوء استخدام عوائد الخصخصة، حيث استخدمت فى تمويل برامج المعاش المبكر وتعويضات للعمال المتضررين وسداد ديون شركات القطاع العام المدينة التى تمت خصخصتها، والتى لا تزال مملوكة للدولة، وعوائد الخصخصة المتبقية تم تحويلها لحسابات البنك المركزى. 6- اعتمدت خطة الحكومة فى تطبيق برنامج الخصخصة على بيع شركات القطاع العام الرابحة أولا لجذب المستثمرين، الأمر الذى ترتب عليه إبقاء الدولة للشركات المدينة، التى كلَّفتها سنويا 3.1 مليار جنيه حتى عام 2008. مما يعنى أن مصر خسرت معظم عوائد الخصخصة فى الإنفاق على شركات القطاع العام التى أرادت الدولة خصخصتها منذ بدء برنامج الخصخصة! 7- السياسة الحكومية فى تطبيق الخصخصة الجزئية بتثبيت الإدارات الحكومية لتلك الشركات، على الرغم من إخفاقهم فى تحقيق تطور فى أداء شركاتهم من خلال مواقعهم الإدارية، وكانت النتيجة سوء نتائج الشركات التى تمت خصخصتها جزئيا. 8- الاعتماد على نظام المعاش المبكر الاختيارى باعتباره أحد أسهل حلول العمالة الزائدة فى الشركات التى تمت خصخصتها، دون دمج تلك العمالة فى الدورة الاقتصادية فى برامج تمويل مشروعات حرفية وصناعية. 9- عدم تهيئة الرأى العام لأهمية التحول الاقتصادى وتطبيق برنامج الخصخصة، وغياب الشفافية من قبل الحكومة، وفى بعض الحالات كانت الحكومة تخضع للرأى العام بإرجاء عمليات خصخصة ملحة لبعض الشركات الخاسرة نتيجة لضغوط المجتمع، كما أسهم هذا التباطؤ فى عدم وجود بيئة للاستثمار تحفّز أداء شركات القطاع العام بعد خصخصتها. ولم تعمل الحكومة على معالجة الفجوة بين تطبيقها لبرنامح الخصخصة والرأى العام طوال الثلاثين عاما السابقة، وذلك يرجع إلى غياب الإصلاح السياسى عن مصر طوال فترة الثلاثين عاما على المستوى التنفيذى والتشريعى. كانت خطوة الإصلاح الاقتصادى والخصخصة فى التسعينيات صحيحة، وإنما جاء تنفيذها مع عديد من الأخطاء التنفيذية من إهمال شركات القطاع العام حتى تعثرها، وتمويل عمليات الخصخصة عن طريق بنوك القطاع العام بما أغلق الطريق على استثمارات جديدة، والاحتفاظ بإدارات شركات القطاع العام القديمة فى حالة الخصخصة الجزئية، وعدم دمج العمالة الزائدة فى الدورة الاقتصادية من جديد، وغياب الإصلاح السياسى والشفافية والمنظومة التشريعية الداعمة لتطبيق الخصخصة وسوء توظيف عوائدها.