آلاف المشاركين فى جمعة «حلم الشهيد»، شكلوا مسيرات تشبهُ الأنهر، التى صبت فى ميدان التحرير. المسيرات انطلقت من مسجد الخازندار فى شبرا، ومصطفى محمود فى المهندسين، والأزهر الشريف، والاستقامة فى الجيزة، وأيضا من المعادى، ومن معظم أحياء القاهرة. أهالى الشهداء جاؤوا أيضا من المحافظات حاملين صور أبنائهم، مع غياب كامل لطلبة الجامعات، بسبب الامتحانات. المتظاهرون هتفوا فى الميدان ضد المجلس العسكرى، وطالبوا بمحاكمات عادلة لقتلة الشهداء، كما هتفوا ضد المشير «الشعب يريد إعدام المشير»، وأيضا «القضية مش شاويش ولا عسكرى مظلوم فى الجيش.. القضية مجلس خونة.. خلّى الشعب فى وش الجيش». مطالب المتظاهرين عبّرت عنها، أيضا، اللافتات المنتشرة فى ميدان التحرير، والتى كُتب فيها «الشعب يريد رئيس مدنى منتخب»، «والشعب يريد عودة الجيش إلى الثكنات»، و«الشعب يريد برلمان له كافة الصلاحيات»، و«الشعب يريد دستورا وطنيا بلا رقابة». الشيخ جمعة محمد على، الذى جاء من مدينة بورسعيد، خصيصا للمشاركة، خطَبَ الجمعة فى الميدان، قائلا «على شعب مصر أن يتكاتف من أجل سرعة المحاكمات، وتكاد الكلمة لا تريد أن تخرج من فمى لكن القضاء المصرى الذى كنا نفخر به أمام العالم كله تكاد الآن أن تتزعزع الثقة بيننا وبينه، بعد أحكام البراءة التى أعطاها للضباط قتلة الشهداء»، مضيفا «إن أردت يا قضاء مصر أن تحكم فلم تجد حكما فى القانون الوضعى، فعندك الدستور الأول الذى نُحاسب عليه أمام الله.. حاسب بما أنزل الله». جمعة طالب المجلس العسكرى بنقل السلطة فورا إلى المدنيين، فى موعد أقصاه 25 يناير المقبل، قائلا «لن نتخلى عن ذلك المطلب، وسنطالب به باستمرار، وإلا لن نخرج من ميدان التحرير»، وتابع «إذا كان مع المجلس العسكرى السلاح والقوة، وسيرهبوننا بالسجون، فنحن معنا الله الواحد القيوم، ونقول للمجلس العسكرى إن أرهبتنا بالسلاح فلن نهدأ حتى ترحل عنا وإلا سنرحّلك بقوة السلاح»، داعيا «الله أكبر فوق المجلس العسكرى، الله أكبر فوق كل من يسعى إلى الكراسى فوق دماء الشهداء». فى حين ركزت خطبة الجمعة فى مسجد «الاستقامة» فى ميدان الجيزة، للشيخ محمد جمعة، على محاسبة الفاسدين، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتأكيد أن الثورة لم تحقق مطالبها بعد، ومطالبة الأحزاب الإسلامية الفائزة بأغلبية البرلمان بعدم تهميش الأحزاب الأخرى، ورصدت «التحرير» فى أثناء خطبة الجمعة قيام من سمّوا أنفسهم ب«جماعة قوم يا مصرى»، بتوزيع بيانات مناهضة للتظاهر، فى يوم 25 يناير، ووصفت البيانات من يدعون إلى النزول ب«من يحاول فرض وصايته على الشعب، ويخطط لتخريب الممتلكات العامة والخاصة، والاعتداء على أفراد الجيش المصرى العظيم، ورجال الشرطة، وتكرار سيناريو الانفلات الأمنى، وحرق الأقسام، واقتحام السجون، ونشر الفزع فى نفوس المصريين، بداعى استمرار الثورة». تلك البيانات لم تجد صدى فى نفوس الأغلبية، فعقب الصلاة نظم العشرات من شباب اللجان الشعبية الخاصة بالدفاع عن الثورة، مسيرة تحركت من أمام مسجد الاستقامة فى ميدان الجيزة، متجهة إلى «التحرير»، لمطالبة المجلس العسكرى بتسليم السلطة إلى المدنيين، وتحقيق مطالب الثورة، وردد المتظاهرون هتافات مناهضة للحكم العسكرى مثل «يا طنطاوى خاف الله دورك جىّ وعهد الله»، و«يا اللى بتسأل فين الحل.. المجلس لازم يرحل»، و«مطالبنا هى هى عيش كرامة وحرية»، كما رفعوا لافتات تدعو المواطنين إلى النزول يوم 25 يناير لاستكمال الثورة، بينما قام الشباب من حمله «كاذبون» برسم شعار الحملة على الحوائط، وتوزيع ملصقات «عسكر كاذبون» على المواطنين. أما مسيرة مصطفى محمود، المسجد وثيق الصلة بالفلول، فشهدت قبل تحركها اشتباكات بين الثوار، وعدد من مؤيدى المجلس العسكرى وأبناء مبارك، الذين هتفوا «الجيش والشعب إيد واحدة»، و«زى ما قال الشيخ حسان.. الشعب المصرى والجيش فى أمان». الهتاف الأخير جاء بعد تشديد، خطيب الجمعة، الشيخ محمد حسان، على ضرورة الحوار بين أطياف المجتمع، وعدم الوقيعة بين الشعب والجيش المصرى، مطالبا الجماهير بالعمل على بناء مصر حديثة، ووقف الإضرابات، مطالبا الجيش بتطهير الجيش من الفساد والفاسدين. الحركات القبطية السياسية شاركت أيضا فى جمعة «حلم الشهيد»، ودعت إلى الخروج فى تظاهرات ومسيرات من مختلف الميادين الكبرى يوم 25 يناير لاستكمال مسيرة الثورة وأهدافها. اتحاد شباب ماسبيرو دعا إلى الخروج، فى مسيرة كبيرة، من دوران شبرا إلى ميدان التحرير، فى ذلك اليوم، بينما أعلنت حركة «أقباط بلا قيود» عن مُشاركتها بكل قوة فى فاعليات يوم 25 يناير جنبا إلى جنب مع كل القوى الوطنية الهادفة إلى تصحيح مسار الثورة. وأصدر شباب اتحاد ماسبيرو بيانا فى ذكرى أول عام على الثورة بعنوان «من أجل مصر خرجنا ومن أجل مصر سنكمل ثورتنا»، أكدوا فيه أن الثورة تعرضت للاحتيال من ضاربى الدفوف وفلول النظام السابق، المستفيدين والمتاجرين وأصحاب المصالح والمتحولين، وأضافوا أن الدم عاد ليسيل مرة أخرى بعد أيام من الثورة فى التحرير، المقطم، إمبابة، ماسبيرو، محمد محمود، ومجلس الوزراء وأن شباب الثورة أصبحوا فى مواجهة المحاكمات العسكرية الظالمة والسجن والدهس وتكميم الأفواه. ودعت حركة أقباط بلا قيود إلى التظاهر بأسلوب سلمى ضد الظُلم والطُغيان، ورفض الخروج عن هذا الإطار حتى فى مواجهة وحشية النظام العسكرى وآلته القمعية، وأكدت الحركة فى بيانها رفض سياسة المجلس العسكرى فى إدارته شؤون البلاد أو استحواذ فصيل واحد أو تيار بعينه على مقاليد الحُكم، وطالبت بدستور مدنى يضمن المساواة لكل المصريين. أما المسيرة التى انطلقت من المعادى فحاول بعض أئمة المساجد السلفيين إعاقتها وتحريض المواطنين عليها، حيث وصفوا المشاركين فيها ب«المأجورين والمموَّلين من أمريكا، من أجل إعاقة الاستقرار فى البلاد»، ما رد عليه الناشطون بالاستمرار فى مسيرتهم والهتاف «استقرار يعنى إيه.. يعنى تسيب السلطة يا بيه». فى شبرا تحركت مسيرة من أمام مسجد الخازندار، وردد المتظاهرون هتافات تندد بحكم العسكر وإسقاط المشير «يا طنطاوى صح النوم 25 آخر يوم»، كما عاد الهتاف الشهير الذى كان مستخدما فى أثناء الثورة «الشعب يريد إسقاط النظام».