تحقيق: أحمد سعيد حسانين وشريف البرامونى مفاجآت صادمة خلال رحلة البحث والتفتيش عن حجم المخالفات التى تمارَس ضد الأطفال فى دور الرعاية، وكانت أولى الصدمات التى تم اكتشافها ما أظهره التقرير الصادر عن منظمة العدل والتنمية لحقوق الإنسان بشأن المستندات المسرَّبة من واقع محاضر المشرفين الاجتماعيين بجمعية إنقاذ الطفولة، والمشهَّرة تحت رقم 596 لسنة 1967 بوزارة الشؤون الاجتماعية، والتى تثبت تفشّى ظاهرة «الشذوذ الجنسى» بين أطفال الجمعيات الأهلية والأطفال اللقطاء. وأشارت المحاضر إلى عدم وجود إخصائيين نفسيين رغم أن إدارة الشؤون الاجتماعية بعين شمس تقوم بالإشراف على تلك الجمعية التى تعتمد على تبرعات رجال الأعمال، كما أن المشرفين الاجتماعيين قدَّموا عددا كبيرا من المحاضر تشير إلى تفشّى الشذوذ الجنسى بين الأطفال، إلى مدير الجمعية، لكنه ضرب بالمحاضر عرض الحائط، رافضا الاعتراف بالوقائع المسجَّلة والمثبتة بها، مضيفا أنه قام بإعدام وحرق هذه المحاضر والتخلَّص منها لإخفاء أى أدلة لإدانة الفساد الإدارى هناك، وقامت إدارة الشؤون الاجتماعية بعين شمس بتنظيم عدة زيارات للجمعية دون اتخاذ أى إجراءات قانونية. وقائع «شذوذ واعتداء جنسى» داخل دور الأيتام.. واستغلال الأطفال فى أعمال بلطجة.. والتحريض على العنف لصالح الإخوان مفاجأة.. دار ب«15 مايو» تضم أيتامًا أعمارهم تجاوزت ال 20 عاما بالمخالفة للقانون أما الصدمة الثانية التى تلقيناها فى أثناء إجراء التحقيق، فكانت متمثلة فى استغلال دار أيتام «أحباب الله»، التى كانت مملوكة لكاميليا العربى شقيقة الفنان وجدى العربى، الأطفال فى ممارسة أعمال «منافية للأخلاق» واستخدامهم فى تظاهرات لصالح الإخوان، حيث تحوَّلت الدار إلى ما يشبه المورِّد للأطفال فى أعمال البلطجة والتظاهرات المؤيدة للإخوان، فضلا عن ممارسة الجنس والشذوذ بين الأطفال بعضهم بعضا، إلا أنه بسؤال مسؤولين بوزارة التضامن الاجتماعى أكدوا «هروبها» بعد اكتشاف كل المخالفات، وحلّ مجلس إدارة الجمعية وتشكيل مجلس آخر. شاهدة عيان من سكان المنطقة مقيمة بجوار الدار سردت تفاصيل بعض الوقائع المفزعة داخل هذا الدار، قائلة إن الدار الكائنة بالمنطقة الثامنة بالمجاورة السادسة بامتداد 15 مايو لا تحمل أى تراخيص، نظرا لأن جميع القطع بهذه المنطقة مخصّصة للسكن العائلى فقط، وليست بها مبانى خدمات ولا أنشطة تجارية ولا صناعية، لافتة إلى أن الدار استغلَّت الأطفال فى أعمال البلطجة والسرقة، وكذلك فى قيام بعض الفتية بممارسة الشذوذ الجنسى مع زملائهم الصغار. شاهدة العيان تابعت: «لذلك تقدم أكثر من 150 ساكنا بمنطقة 15 مايو بمذكرة ضد ممارسات الشغب والبلطجة من الأطفال بالدار، كما تم التقدم بمذكرة إلى وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية ووزيرة التضامن الاجتماعى ومحافظ القاهرة ورئيس جهاز تنمية مدينة 15 مايو ومدير مديرية الشؤون الاجتماعية بالقاهرة ورئيس حى مدينة 15 مايو، للشكوى من الممارسات التى يقوم بها مشرفو الدار والأطفال الموجودون بداخلها». الشاهدة أكدت، ل«التحرير»، أن هذه الدار تؤوى نحو 40 صبيا وشابا، تتراوح أعمارهم بين 12 و22 عاما، رغم أن السن القانونية لهم لا بد أن لا تزيد على 18 عاما، موضحة أن سكان هذه المنطقة يتعرضون لحالات سرقة يوميا من قبل هؤلاء الفتيان والشباب، فهم يسرقون إطارات السيارات والأغراض الصغيرة الموجودة فى الحدائق الخاصة بالفيلات وكل شىء تقع عليه أيديهم، «حتى كلاب الحراسة التى توجد على الأبواب يسرقونها». وسردت الشاهدة واقعة بشأن بعض الصبية فى الدار، قائلة إنه فى مساء 28 أغسطس قبيل الجمعة التى عرفت إعلاميا ب«جمعة حرق مصر»، التى جهزت لها جماعة الإخوان عقب فض اعتصامَى رابعة العدوية والنهضة، لكسر ما أسموه «الانقلاب العسكرى» سمع سكان المنطقة صوت شباب الدار وهم يقومون بتدريبات قتالية مع بعضهم البعض، وفى صباح اليوم التالى خرج جزء كبير منهم ولم يعودوا إلا فى المساء بعدما انتهت فاعليات اليوم الدامى. لم تكن واقعة «دار أيتام مكةالمكرمة» هى الأولى من نوعها فى هذا الملف الشائك، إنما سبقها بثلاثة أشهر فقط تعرض أطفال بإحدى دور الأيتام بمنطقة السيدة زينب للتعذيب على يد مشرفيهم، حيث كان يتعرض الأطفال بداخل الدار للضرب والحرق والتجويع، وفجَّر أحد رواد الدار القضية، وأكدت مديرة الدار حينها على حُسن معاملتها للأطفال، وبررت الندبات الموجودة على أجسادهن بكونها أمراضا جلدية، إلا أن وزارة التضامن الاجتماعى كان لها رأى آخر، فقامت بسحب تراخيص الدار وإغلاقها، بينما تم نقل الأطفال إلى دار الأورمان. حادثة أخرى وقعت أيضا قبل عامين، تضمنت الاعتداء على 8 أطفال بدار أيتام بمنطقة الدقى، حين اتهم مدير إحدى المؤسسات مهندس كمبيوتر بالتعدى جنسيا على 8 من فتيات الدار البالغات من العمر من 8 إلى 10 أعوام، مستغلا انشغال مشرفى الدار داخل مبنى المؤسسة، وقد تم تحويل المهندس إلى النيابة، حيث استمعت لأقوال الفتيات اللاتى أكدن تعرضهن للاعتداء تحت التهديد، بينما قامت النيابة بعرضهن على الطب الشرعى وحبس المتهم. ولعلّ الواقعة الأخطر فى هذا الملف الشائك، والتى كشف عنها المجلس القومى للأمومة والطفولة، هى تزويج «قاصر» بإحدى دور الأيتام بالجيزة، كشف عنها «خَط النجدة»، حيث استقبل حالة واحدة لتزويج قاصرات فى دار أيتام «الأمان» بالجيزة، وتلقّى الخط بلاغا ضد الدار، لتزويجها «طفلة» فى الصف الثانى الإعدادى، لم تبلغ بعدُ السن القانونية، وقدمت البلاغ إحدى الإخصائيات العاملات فى الدار، وطالبت فيه بالتدخل ضد مديرة الدار التى زوجت إحدى الفتيات المقيمات فى الدار، وهى لا تزال فى الصف الثانى الإعدادى، ولم يتجاوز عمرها 16 سنة، ونشر موقع الجمعية التى تتبعها الدار صور الزفاف على «فيسبوك»، ورفض المأذون أن يزوِّج الفتاة قبل أن تكمل السن القانونية، فأحضرت مديرة الدار مأذونا آخر لإتمام الزواج مقابل مبلغ مالى! مسؤول بوزارة التضامن قال ل«التحرير»، إن المجلس تلقَّى حالة واحدة بشأن ذلك الأمر، لافتة إلى أن الوزارة شكَّلت لجنة لزيارة الدار، وقدّمنا بلاغا للنيابة والداخلية، وفحص البلاغ، واتضح أن صاحبة الدار بعدما عرفت شخصية «الإخصائية المبلّغة»، رفضت تجديد تعاقدها، وقالت المديرة إنها ليست المسؤولة عن زواج الطفلة ولم تعقد قرانها، وإنما والدها هو مَن عقد قرانها خارج نطاق الدار، وبمعرفته. وكيل وزارة التضامن للرعاية الاجتماعية:40٪ من دور الأيتام مخالفة عزيزة عمار: لا يوجد حصر بالتبرعات التي تحصل عليها دور الرعاية.. ووضع الأيتام في مصر مرير صرخات الأطفال اليتامى واستغاثتهم فى دور الأيتام لاقت صداها لدى وكيل وزارة التضامن الاجتماعى ورئيس الإدارة المركزية لشؤون الأسرة والطفولة والرعاية الاجتماعية، عزيزة محمد عمار، التى التقتها «التحرير»، فى محاولة للتعرف على الرأى الرسمى للدولة حول حقيقة ما يحدث فى دور الأيتام، وما يدور فى مراكز رعاية محرومى الأسرة، والتى اعترفت ل«التحرير»، بأن دور الأيتام فى مصر تحوَّلت إلى «سبوبة» تهدف إلى الربح وجنى الأموال من ورائها، موضحة أن الوزارة كانت تستشعر الخطر حول هذا الملف الشائك بالتحديد منذ فترة طويلة. فى البداية.. نريد أن نتعرَّف على وضع دار الأيتام فى مصر، خصوصا بعد واقعة دار أيتام «مكةالمكرمة» بالهرم؟ مع الأسف دور الأيتام تحولت إلى سبوبة تهدف إلى جنى الأموال من ورائها على حساب الأطفال اليتامى، للحدّ الذى وصل فيه الأمر إلى ثراء أصحاب بعض دور الأيتام، وبناء العمارات من خلال تبرعات المواطنين للأطفال، فالواقع مرير للغاية، وواقعة دار أيتام مكةالمكرمة بالجيزة لم تكن مفاجئة لى شخصيا، لأن هناك عديدا من المشكلات والكوارث فى هذا الملف، لكننى أعتقد أن ما حدث فى هذه الدار بمنزلة جرس إنذار وصرخة نبَّهت المجتمع بأكمله. لماذا تعمَّدتِ وصف ما يحدث داخل دور الأيتام ب«الواقع المرير»؟ لأن هذا هو الواقع بالفعل دون تجمّل أو تضليل أو نفاق، وأريد هنا أن أشير إلى أنه قبل وقوع هذه الحادثة بشهرين أغلقت الوزارة دار أيتام بعد اكتشافها أيضا عبر «فيسبوك» قيام مشرفى الدار بحرق الأطفال فى أرجلهم، فتوجَّهت الوزارة إلى منطقة دار السلام والتى تتبع إحدى الجمعيات الشرعية فى السيدة زينب، وقمنا بكشف هذه المخالفات، وهو ما يعكس مدى المشكلات الجسيمة فى هذا الملف. وبصفتك المسؤولة الرئيسية عن إدارة كل ما يتعلق بدور الأيتام، كم يبلغ عدد دور الأيتام المرخَّصة والنزلاء فى كل دار حاليا؟ يبلغ إجمالى دور الأيتام المرخَّصة فى مصر حاليا نحو 450 دارا على مستوى الجمهورية، ويقع أكثر من ثلثى دار الأيتام فى محافظتَى القاهرة والجيزة، ويبلغ عددهم نحو 325 دارا، ويصل عدد النزلاء إلى نحو 11400 نزيل، تتراوح أعمارهم ما بين سن 2 إلى 6 سنوات، ويطلق عليهم «حضانة»، وأكثر من 18 سنة يطلق عليهم «مؤسسة»، وأريد أن أوضح أن الشؤون الاجتماعية متحمّلة عبئا كبيرا فى المجتمع، لذلك ليس من الأجدى أن يتم محاسبة الوزيرة على قضايا قديمة لم تفعلها. وكم يبلغ عدد دور الأيتام غير المرخَّصة؟ هناك 8 دور أيتام غير مرخصة حاليا، وتمارس أعمالها بالبلطجة بلا أى مبرر قانونى، وأؤكد لكم أن نحو 60% من دور الأيتام على مستوى الجمهورية ملتزمون بالمعايير والأخلاقيات، ولديهم مزايا إيجابية عديدة، مثل دار الأورمان ورسالة وخير وجمعية بنات الغد «بناتى» التى تملكها والدة رجل الأعمال، المهندس نجيب ساويرس، وال40% مخالفون للمعايير والضوابط والأخلاقيات وسلوكيات التعليم والتربية للأطفال وإهمالهم والتعدى عليهم وضربهم بشكل مبرح أو تعذيبهم. وما الوزارة تحديدا فى السيطرة على الممارسات الإجرامية التى تحدث فى دور الأيتام؟ الوزارة وضعت كل جهودها من أجل 3 ملفات رئيسية، منحتها الدكتورة غادة والى، وزير التضامن الاجتماعى، أولوية قصوى، أولها ملف دور الأيتام وما يتضمنه من مشكلات وتحديات وعقبات، والثانى ملف المعاقين وما يتضمّنه من ضعاف البصر والمتخلفين عقليا، والثالث الأحداث وما يشمله من الأطفال المحبوسين احتياطيا وأطفال الشوارع، وأريد أن أوضح أن وزارات العدل والصحة والداخلية لم تكن تساعدنا بالشكل المطلوب، فكان هناك قصور فى القانون والتشريعات المتعلقة بدور الأيتام، وكانت وزارة الداخلية ترفض إغلاق بعض دور الأيتام، بحجة انتظار خطة أمنية، وكنا نذهب لها عشرات المرات دون فائدة أو جدوى. وما هى الإجراءات التى اتخذتها الوزارة لمجابهة الممارسات الإجرامية التى تحدث داخل دور الأيتام؟ قبل أن أذكر الإجراءات أريد أن أكرر مقولتى بأن الوضع داخل دور الأيتام «مرير» للغاية، وهو ما لا يتناسب مع دولة ذات طابع إسلامى، فلا يجوز أن تحدث فيها هذه الممارسات والسلوكيات والأعمال العنيفة التى لا تتلاءم مع طبيعة مجتمعاتنا، مثلما حدث فى دار أيتام مكةالمكرمة، ومن قبله فى جمعية بلادى، أو الجمعية التى وقعت فيها واقعة الاعتداء بحرق الأطفال فى منطقة دار السلام، وأؤكد أن هذه التجاوزات استدعت قيامنا بعمل اجتماع موسع جمع 12 منظمة غير حكومية وأيضا غير مصرية، بالإضافة إلى عدد من الجمعيات الأهلية إلى جانب أعضاء بوزارة الداخلية والصحة والعدل وحقوق الإنسان والمجلس القومى للمرأة ومديرية الشؤون الاجتماعية والإدارة العامة للأحداث، وانتهينا إلى ضرورة مراجعة للتشريعات الخاصة بدور الأيتام ومزاولة النشاط لتوفير الردع الكافى، وإنشاء إدارة عامة بالإدارة العامة للأحداث تُدعَى الإدارة الإيداعية لدور الأيتام، والضبطية القضائية للمفتشين لغلق أى دور أيتام مخالفة، وطالبنا الصحة بعمل ملفات للأطفال بالدار، وستقوم وزارة التنمية المحلية بإرسال إخطارات رسمية لكل المحافظات لعمل لجان حماية، وستكون هناك تقارير أسبوعيا لاتخاذ الإجراءات ضد هذه المؤسسات المخالفة، وسنعمل مع المحافظين على منع حدوث تلك المخالفات داخل دور الأيتام، ومَن لن يلتزم سنسحب منه الترخيص، والوزارة تشرف ماليا وفنيا على دور الأيتام. أفهم مما تحدَّثتِ عنه أن هناك مافيا غرضها السيطرة على دور رعاية الأطفال لتحقيق الأرباح من ورائها؟ لا، ليست هناك مافيا، لكن هناك مجموعة تحاول الربح والاستفادة من التبرعات التى تأتى لدور الأيتام، وهذا حدث بالفعل، وكان واضحا أن يكون لدى أصحاب دور أيتام عمارات تم بناؤها من التبرعات التى يحصلون عليها بدلا من صرفها على الأيتام، ومع الأسف لا يوجد حصر بأرقام التبرعات التى تحصل عليها دور الأيتام، كما أن المتبرع لا يحصل على إيصال أو ورقة نظير المبلغ الذى قدّمه، وفى حالة رغبة الوزارة فى معرفة الرقم لا نستطيع الحصول على الرقم تحديدا، و«ماحدش بيقدر يمسكهم ومع الأسف المتبرعين بيصدَّقوا الناس ده ويثقوا فيهم». وكيف يتم اختيار مشرفى المجلس ومَن يديرونه والإخصائيين الاجتماعيين؟ يتم اختيار مجلس إدارة الدار عن طريق الانتخاب من قبل أعضاء الجمعية العمومية للجمعية، والوزارة تشرف ماليا وفنيا على دور الأيتام. هل هناك حصر محدد بأرقام المخالفات والشكاوى التى تتلقاها الوزارة حول دور الأيتام؟ لم نستطع حصر حجم المخالفات والشكاوى فى دور الأيتام حتى الآن، لكننا نعترف أن هناك مشكلات ضخمة للغاية، وأريد أن أوضح أننى لم أسمع عن وقائع استغلال الأطفال فى التظاهرات إلا فى دار تمتلكها كاميليا العربى، شقيقة الفنان وجدى العربى، لكنها هربت بعد كشف المخالفات الواقعة على الدار وشكاوى عديد منهم، وقمنا بحل مجلس الإدارة وتشكيل مجلس إدارة آخر، والدفع ببعض النواحى المادية التبرعات من أجل الإنفاق على الأطفال ورعايتهم، ونتابع الدار لنعرف كيفية نشاطاته خلال الفترة المقبلة. وما حقيقة المزاعم التى تؤكد استغلال الإخوان دور الأيتام فى التظاهرات؟ الإخوان بالفعل لهم ذيول فى القرى حتى الآن، وسيطروا على أحد دور الأيتام فى مدينة «بتانون» بالمنوفية، لكننا قمنا باسترداده مرة أخرى بعد عزل مرسى، بالإضافة إلى دار شقيقة وجدى العربى، والذى قمنا بحل مجلس إدارته بعد اكتشاف مخالفات عليه.