اليسار العالمى اعتبر المؤلف هو «ماركس العصر الحديث» إعداد- محمد سليمان «وحدة البحوث السياسية بجريدة التحرير» خلال زيارتى جامعة هارفارد، تابعت الجدل الدائر بين أساتذة الاقتصاد، حول كتاب عالم الاقتصاد الفرنسى توماس بيكيتى المترجم للإنجليزية عن دار نشر جامعة هارفارد «رأس المال فى القرن الحادى والعشرين». فقد كان الاستقبال الأول للكتاب بنشوة، ثم تبع ذلك ردة فعل عكسية من الدوائر التنفيذية المالية والأكاديميين الرأسماليين. رؤية بيكيتى إن دراسة بيكيتى حول عدم المساواة وتبعاتها لها ثلاثة أقسام رئيسية: الأول، تاريخ مفصل للثروة وعدم المساواة. الثانى، نظرية لتوضيح الماضى ورؤية للمستقبل. والثالث، التوصية بسياسات مبنية على تلك التوقعات. فبيكيتى امتداد لتيار برز أكاديميا بسبب فشل النظام الاقتصادى القائم، وأهمية كتابه نابعة من تحليل فريقه البحثى بيانات الدخل والثروة فى الولاياتالمتحدة وفرنسا وعدد من الدول الصناعية الكبرى على مدى القرون الثلاثة الماضية، باستخدام النماذج الرياضية لتوفير أرضية علمية متكاملة لقضية عدم المساواة فى الدخل، وذلك بإظهار أثر تراكم الثروة ونصيبها من الدخل القومى فى خلق عدم المساواة، ويكتشف أن مستويات عدم المساواة وصلت إلى ما يقترب من الفترات الأولى للرأسمالية ممثلة فى عصر القشرة الذهبية. تلك النتائج التى أتت معاكسة للتوقعات الإيجابية للاقتصاديين الغربيين فى القرن العشرين. يتعمق بيكيتى فى رصد النسبة المئوية للدخول: فى 2010 وصل نصيب أغنى 10 فى المئة من الثروة إلى 60 فى المئة من الثروة فى أوروبا، و70 فى المئة فى الولاياتالمتحدة، بينما بلغ نصيب أغنى 1 فى المئة 25 فى المئة من الثروة و35 فى المئة فى أوروبا والولاياتالمتحدة على التوالى. بينما نصف السكان الأفقر فى أوروبا والولاياتالمتحدة لم يتعد نصيب الفرد بها من الثروة 5 فى المئة. وأن سمة العالم اليوم هى العودة نحو الرأسمالية الوراثية، حيث عديد من الأنشطة الاقتصادية تهيمن عليها الثروة الموروثة، التى تزداد قوتهم، وترسخ لحكم الأقلية الاقتصادية والسياسية أيضا، بما يهدد أركان الأنظمة السياسية الديمقراطية. وأن القاعدة العامة، أن الثروة المتمثلة بملكية الأرض والعقارات والأموال والأسهم والسندات الحكومية ستكون الجزء الأعظم من إجمالى دخول الأثرياء خلال القرن الحادى والعشرين، على حساب تراجع أجور الطبقات العاملة التى لا تملك ما يكفى لمواجهة الارتفاع المستمر المتوقع فى الإيجارات وأسعار السكن. وأن الاستثناء الوحيد كانت الفترة الواقعة بين عامى 1930 و1975، وذلك بسبب الكوارث غير المتكرره: الحربان العالميتان الأولى والثانية بتدميرها الدول الأوروبية، والكساد الاقتصادى الكبير حيث الديون الضخمة المحاصرة بركود السوق قامت بتدمير معظم الثروات، لا سيما ثروات النخب البرجوازية كما يصفهم بيكيتى. وقد دفعت هذه الكوارث الحكومات إلى اتخاذ خطوات صوب إعادة توزيع الدخل، خصوصا فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث النمو الاقتصادى السريع فى ذلك الوقت قلل من أهمية الثروة الموروثة من قبل الحرب العالمية. إلى جانب رؤية بيكيتى أن الفوارق الاقتصادية ستزيد بين فئات المجتمع، فهو يرى أنها ستأتى مع تباطؤ للنمو السكانى. استنتاجات بيكيتى يصل بيكيتى إلى نتيجة سلبية وهى أن الرأسمالية تخلق التفاوت الذى يتعمق بسبب زيادة نصيب أصحاب الثروة وتركز ثرواتهم يوما بعد يوم. أما الاستثناءات التى يرصدها فهى ليست طبيعية بالمرة. فتحسن التفاوت فى الدخول يرتبط إما بكوارث وحروب تدمر جزءا كبيرا من أصول ثروات الأغنياء أو بثورات تنتزع ثرواتهم كلها. يستنتج بيكيتى أنه لا توجد حتمية اقتصادية فى قضية عدم المساواة فى الدخول والثروة. فتاريخ توزيع الثروة كان دائما سياسيا، وليس مجرد آليات اقتصادية بحتة. استنتاجات بيكيتى تمتد إلى أنه بسبب سيطرة أصحاب الثروة المتراكمة وأصحابها على الدخل القومى، ومع كل التوقعات العالمية بتراجع معدلات النمو الاقتصادى عموما، يتوقع مزيد من تفاقم عدم المساواة، حيث معدلات النمو بالبلدان المتقدمة لن تتخطى نسبة 1-1.5% سنويا على المدى الطويل، مهما كانت توقعات السياسات الاقتصادية المطبقة من قبل الدولة. بينما يرجح بيكيتى أن معدل العائد على رأس المال الخاص سيستمر بنسب مرتفعة تبلغ 4-5% سنويا، بما سيؤدى إلى تفاقم عدم المساواة فى الدخول، مع تهديد بقاء النظام السياسى كله. ومع الدور المتزايد للثروة، يحذر بيكيتى من اختفاء أساس الرأسمالية وهو رائد الأعمال المبتكر الذى يتحمل مخاطر الاستثمار ويحصد الأرباح، لتحول رواد الأعمال إلى مستثمرين مهتمين بالأرباح. توصيات بيكيتى المقترح الرئيسى لبيكيتى لحل مشكلة عدم المساواة فى الأجور، هو فرض ضريبة ثروة دولية تصل إلى 2% على الثروة، مع ضرائب على الدخل قد تصل إلى 80% سنويا. وهو ما سيجعلنا أيضا نحافظ على المنافسة والحوافز للحالات الجديدة من التراكم الأولى للثروة. ولكن بيكيتى لم يتطرق إلى الخطوات التى تهدف إلى تقليص الفروق الاقتصادية وعدم المساواة الاقتصادية، بتشجيع فرص الارتقاء أعلى السلم الاجتماعى، بقدر ما ركز على فرض المجتمع الدولى ضرائب على الثروة وعلى الدخل، يدفعها أغنياء العالم. وحل أزمة عدم المساواة لا يكمن فى إدخال إصلاح على النظام الضريبى فقط وإهمال قيمة الفرد فى المعادلة الاقتصادية! بيكيتى... ماركس العصر الحديث تلقت الدوائر اليسارية فى الدول الغربية، كتاب توماس بيكيتى باحتفاء بالغ، باعتباره قدم الأرضية الأكاديمية لنقد النظام الرأسمالى الحاكم للدول الغربية. والمنظرين الرأسمالين الغربيين تلقوا الكتاب باعتباره النسخة الثانية من كتاب كارل ماركس الشهير «رأس المال». والدور السياسى الذى لعبه بيكيتى كمستشار اقتصادى لمرشحة الحزب الاشتراكى الفرنسى عام 2007، كان له بالغ الأثر فى إجماع الأطراف اليمينية واليسارية على كون بيكيتى هو ماركس العصر الحديث. ولكن بيكيتى نفسه، صرح بأنه ليس بماركسى، وليس متأثرا بنسقه الاقتصادى، وأنه لم يضع ماركس أمامه خلال كتابته «رأس المال فى القرن الحادى والعشرين». كما أن بيكيتى لا يشارك ماركس فى نبوءته حول نهاية الرأسمالية ورؤيته لسيادة الاشتراكية للعالم. ولكن جميس جيمس بيثكوكيكس من معهد دراسات الشركات الأمريكى، يقول فى جريدة «ناشيونال ريفيو» إن بيكيتى ليس ماركسيا وإنما مثله مثل باقى الاقتصاديين الأوروبيين الذين تأثروا بماركس، ودلل على ذلك بكتابات الاقتصادى السابق بصندوق النقد الدولى وأستاذ الاقتصاد جامعة شيكاغو راجورام راجان المتأثرة بكتابات ماركس، رغم كونه منتميا للمدرسة الاقتصادية الرأسمالية، ولم يتردد فى الإدلاء برأيه فى كتاب «رأس المال» لماركس، ويعتبره اقتصاديا عظيما. مؤيدو بيكيتى قاعدة تأييد كتاب بيكيتى تمتد من اقتصاديين حاصلين على جائزة نوبل مثل بول كروجمان، الذى وصف الكتاب بأنه تحفة اقتصادية، وأن بيكيتى أعاد صياغة قضية تركيز الثروة والدخول فى أيدى أقلية فى المجتمع، وذلك عن طريق تحليله الإحصائى واسع النطاق لبيانات الدخول والثروة، مع إسقاط تاريخى. وروبورت سولو الاقتصادى الحاصل على نوبل، أضاف أن بيكيتى أضاف محتوى تاريخيا إحصائيا لأهم قضية اقتصادية حالية وهى عدم المساواة. وقد وصفه الكاتب الصحفى ب«الواشنطن بوست» ستيفن بيرلستين بأنه انتصار للتاريخ الاقتصادى من خلال النظرية والتحليل الرياضى، لكنه أضاف أيضا «تحليل بيكيتى للماضى هو الأكثر إثارة للإعجاب من استنتاجاته وتوقعاته للمستقبل».