هل انتصر النموذج السعودى فى مصر؟ يلح السؤال عندما أرى الأستاذ عبد المنعم الشحات، المتحدث باسم «الدعوة السلفية»، يتحدث بكل ثقة واستسهال فى الاعتداء على حياتنا الحديثة، وحضارتنا، ويتكلم كأنه قادم لانتشالنا من جهالة وظلم، يراه هو، حسب كتالوج يرى أن الحياة انتهت عند الجزيرة العربية. لا أقصد بالسؤال التلميح عن التمويل السعودى للجماعات السلفية، لكننى أحاول فهم ما هذا الاستعلاء الذى يتكلم به الأستاذ، أو الشيخ، كما يحب مريدوه أن يقولوا له؟ ما هذه القوة التى تطالبنا بالاعتذار عن طريقتنا فى الحياة لصالح طريقة أخرى، لأنه يرى فى هذه الطريقة «الإسلام»، بينما يرى فى طريقتنا خروجا وكفرا؟ هل يريد أن يقول إن الإسلام يرتبط بطريقة حياة واحدة؟ وماذا عن أن «الإسلام صالح لكل زمان ومكان»؟ وهل الإسلام هو الجلباب الذى يرتديه الشيخ فى الجامع أم البدلة التى يرتديها أمام الكاميرات؟ وهل يتصور أن التاريخ لا وجود له، ليكفر من ينظر إلى تماثيل الفراعنة، لأنها تشبه الأصنام التى كانت تعبدها قريش؟ ألا يعرف شيئا عن «الغرض» أو «النية» من الفعل؟ والتمثال يختلف حسب النظر إليه، والمصريون الآن لا ينظرون إلى التماثيل على أنها آلهة تعبد؟ ألا يعرف الشيخ أن الكفار أطالوا لحاهم قبل أن تصبح رمزا للسلفية؟ فهل نعتبر اللحية فى حد ذاتها موضوع كفر وإيمان؟ التاريخ لم يبدأ وينتهى بظهور الإسلام، إنها نظرة ضيقة الأفق تلغى ما قبل الإسلام وبعده، وتحاسبه بمنطق الكفر والإيمان، وهذا ما يجعله يرى الديمقراطية كفرا، والحضارة المصرية كفرا، لأنه يلغى التاريخ، ويريد الوقوف عند ما يراه هو مرجعياته الفكرية والكتالوج الوحيد للحياة المؤمنة؟ من أين أتت قوة الاستسهال فى الهجوم على حياتنا الحديثة، واتهامنا المبطن بالكفر والخروج عن الدين، لأننا لا نشبه ما يراه الشيخ الشحات صحيحا؟ من أين هذه القوة؟ وباسم أى قوى يريدنا الشيخ الاعتذار؟ هل كان المصريون كفارا قبل أن يظهر الشيخ الشحات وجماعته؟ الشيخ يرفع رايات الوهابية، ويريد أن يعلن انتصارها، بعد أن حررت الثورة الجميع.. الثورة التى انتصرت بكل القيم المصرية الحديثة، فى تجاور المتدين السمح بالمرأة العصرية، والرجل المتمدن بالشيخ الملتحى.. كلهم، وبقيم مصرية متحضرة، صنعوا ثورة حررت الشيخ وجماعته من أسر ضباط أمن الدولة.. حررتهم ليعتدوا وبكل بساطة على حريتنا وخصوصيتنا، واختياراتنا. من أين هذا الصلف؟ المعركة قديمة بين الثقافة المصرية والهجمة الوهابية، ويريد الشيخ وأتباعه حسمها لمصلحة ثقافة الصحراء الغارقة فى النصوص المغلقة والمهووسة بالشكل.المعركة الثقافية كانت غطاء لحرب سياسية على وراثة الإمبراطورية العثمانية، استمرت الحرب وأخذت أبعادا جديدة مع وصول جمال عبد الناصر، زعيم الانفلات من الغرب، وصدامه مع الملك فيصل، السياسى المحنّك فى دولة اعتمدت على التحالف مع القوى العظمى فى العالم (إنجلترا ثم أمريكا).. المعركة استمرت، وكانت الوهابية تقتسم السلطة مع عائلة آل سعود، التى هزمت أمام جيش عبد الناصر فى اليمن عام 1962، لكن عندما هُزم عبد الناصر أمام إسرائيل فى يونيو 1967، نشرت الوهابية أن الهزيمة لم تكن خطأ سياسيا أو عسكريا، لكنها ابتعاد عن الدين. أرادت السعودية أن تعتذر مصر عن حداثتها، وتشعر بالذنب لأنها خرجت من الأسر الوهابى، وهذا ما لم تنسه مؤسسات نشر الوهابية، التى تعمل بقوة وبإصرار رغم المقاومة الكبيرة فى المجتمع المصرى المتحضر والسعيد بحداثته، ولا يراها تتعارض مع التدين والإيمان. الشيخ الشحات ليس الأول الذى يستهدف الحضارة المصرية، ويطلق على المصريين سهام التكفير.. ليس الأول فى استسهال الاعتداء على خصوصيتنا وحياتنا الحديثة. والغريب هنا لماذا علا صوت الشيخ الشحات الآن؟ ولماذا يستسهل الحرب على المجتمع، ويحرم الخروج على الديكتاتور؟ ومن الذى يجعل من الشيخ نجما فضائيا يتسلون بكلامه، ولا يعرفون أن هذه تسلية مدمرة؟