حكومة المهندس إبراهيم محلب الثانية التى هى حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسى الأولى، لها صفحة خاصة فى تاريخ مصر، فهى الأولى فى تاريخ الحكومات المصرية التى حلفت اليمين فى السابعة صباحا! وهذه الصفحة قد تكون ناصعة زاهية، وقد تكون رديئة باهتة. الله أعلم. وستظهر الأيام قريبا وليس بعيدا كيف ستكون. ونعرف جميعا كما يعرف رئيس الحكومة أنه لا نجاح لسياسة أو لإجراءات ما لم يكن هناك تعاون من المواطنين، ولن يتعاون المواطنون مع الحكومة ما لم تكن هناك ثقة متبادلة، ولن تكون هناك ثقة متبادلة ما لم تبادر الحكومة أولا إلى التخفيف عن الناس بإزالة أسباب المعاناة التى تتسبب فيها الإجراءات الحكومية الفاسدة أو المتعنتة أو البالية الموروثة عن الماضى. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى قد نبَّه خلال حملته الانتخابية إلى أهمية مكافحة «ترهل» الجهاز الإدارى للدولة. وإذا كان الرئيس قد وضع عنوانا لرؤيته يتمثل فى إقامة «دولة مصرية ديمقراطية حديثة»، فإن هذه الدولة لن تقوم لها قائمة إذا استمر الجهاز الإدارى للدولة فى حالته المترهلة. وقد ترهل الجهاز الإدارى للدولة كثيرا خلال الثلاث السنوات الأخيرة فوق ترهله المزمن. ومن مظاهر الترهل زيادة أعداد الموظفين بأكثر من مليون شخص، ليصل إلى نحو 7.5 مليون موظف (موظف لكل 12 مواطنا تقريبا). وبسبب التغييرات الوزارية المتلاحقة فإن كل الأحاديث عن «الشباك الواحد» وتخفيف الأعباء الروتينية هو مجرد كلام فارغ. ومن الضرورى أن تصل الثورة إلى الجهاز الإدارى للدولة. ودون ذلك سيصبح الحديث عن التغيير بلا معنى. ويمثل ترهل «دورة الإجراءات الإدارية» علامة خطيرة من علامات الترهل الإدارى. ومن المهم جدا التفكير فى تغيير هذه الدورة لتصبح أكثر كفاءة وأقل استنزافا للموارد (ومنها الوقت) وأكثر راحة للمواطنين. وحتى لا يكون الحديث عن ضرورة مكافحة الروتين والترهل الإدارى عامًّا، فسوف أضرب مثالا واحدا فقط للمعاناة التى يتحملها المواطن فى واقعة واحدة تعتبر «ثانوية» من الناحية الإدارية، وهى «تجديد رخصة قيادة سيارة خاصة». لكى تجدد رخصة القيادة الخاصة فإنك تحتاج إلى إنجاز 7 مهمات خطيرة (بلا معنى) وعبور عديد من الحواجز المؤلمة المثيرة للتوتر العصبى قبل تسلم الرخصة المجددة وذلك على النحو التالى: أولا- استخراج شهادة بيانات عن الرخصة المراد تجديدها. شهادة البيانات يتم فيها إثبات بيانات الرخصة المنتهية الصلاحية المثبتة فى سجلات المرور، وهى تُستخرج من إدارة المرور لتقديمها إلى إدارة المرور! ثانيا- التقدم بطلب للحصول على إفادة من المرور عن المخالفات المسجلة ضد رخصة القيادة المراد تجديدها. تقف فى طابور لتقديم الطلب. وطابور لتسديد الرسوم. وطابور لتسلم الإفادة بعد توقيعها من رئيس الإدارة أو ضابط وحدة المرور. ثالثا- التوجه إلى «نيابة المرور» لطلب إصدار شهادة مخالفات رسمية موقعة من رئيس نيابة المرور ومختومة بختم النسر. إذن شهادة المخالفات بعد كل هذه الدورة هى تصدر فى حقيقة الأمر عن إدارة المرور بقصد تقديمها إلى إدارة المرور! رابعا- الحصول على شهادتين طبيتين (واحدة للعيون والثانية باطنة) لإثبات الصلاحية والقدرة على القيادة. خامسا- تقديم طلب تجديد الرخصة المنتهية إلى إدارة المرور موقع من صاحب الرخصة بما يفيد مسؤوليته عن صحة البيانات المقدمة لتجديد الرخصة. وهذه البيانات موجودة أصلا لدى إدارة المرور. سادسا- الحصول على نموذج طلب تجديد الرخصة، وسيكون على طالب التجديد الوقوف فى أربعة طوابير، أمام أربعة شبابيك مختلفة، وسيكون عليه أن يتحمل رذالة الموظفين (الذين يعملون فى خدمة الجمهور) كالتالى: الشباك الأول لبيع النماذج، والثانى لمراجعة النماذج وملء البيانات وفحص الأوراق لضمان اكتمالها وسلامتها، والثالث للخزينة المالية لسداد رسوم التجديد، والرابع لمراجعة ضمان سداد الرسوم واستيفاء كل الأوراق. سابعا- وبعد ذلك يتم انتقال الطلب إلى مرحلة أخرى هى المرحلة «التكنولوجية». وتتضمن هذه المرحلة تصوير بطاقة الرقم القومى! على الكمبيوتر وإعادة تسجيل البيانات، وهذه البيانات مسجلة لدى المرور من قبل! وبعد ذلك تتم المناداة على طالب التجديد لتصويره شخصيا، ووضع صورته على نموذج الرخصة. طبعا يكون المواطن المفروس قد وصل إلى أسوأ حالاته المعنوية، ويجلس فى سكون المنهك المنسحق، منتظرا تسلم رخصته. والويل لك إذا أخطأ الموظف فى كتابة أى بيان! فهذا قد يعنى أن عليك أن تعيد الدورة من جديد! هذا هو العبث بعينه. تذكرت وأنا فى صالة الانتظار كيف حصلت على رخصة القيادة الخاصة فى لندن قبل أكثر من 30 عاما، توجهت إلى مكتب البريد واشتريت نموذجا لاستخراج الرخصة، وتم تسلم الطلب فى البريد. بعد يومين وصلتنى رسالة بالبريد تحدد موعد الامتحان. فى الموعد تم إجراء الاختبار ونجحت. بعد يومين وصلتنى رخصة القيادة بالبريد، صالحة حتى عام 2020! الآن تتم كل المعاملات إلكترونيًّا وأنت جالس فى غرفة المعيشة فى منزلك! هذا فرق بين أن تعيش فى القرن الثامن عشر أو أن تعيش فى القرن الحادى والعشرين.. رمضان كريم.