فيما يشهد غرب ليبيا تصعيدًا أمنيًا خطيرًا، أعلنت وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب أمس ، الثلاثاء، تشكيل "غرفة عمليات دائمة" لمتابعة أوضاع المصريين في ليبيا، في خطوة قال مراقبون إنها تعكس رغبة النظام في التغطية الإعلامية على ما يُتهم بالمشاركة الضمنية في إشعال الوضع، عبر دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حليف السيسي وابن زايد في شرق ليبيا. مزاعم رسمية بالمتابعة.. وواقع مرير للمواطنين وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب قالت، في بيان رسمي، إن اللجنة الوطنية المعنية بالشأن الليبي تتابع "باهتمام بالغ" التطورات الأمنية، وإن غرفة العمليات التي أنشئت بالتنسيق مع وزارة الهجرة والسفارة المصرية في طرابلس، ستتلقى على مدار الساعة استفسارات وطلبات المصريين المقيمين في ليبيا.
غير أن منشورات وتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي من مصريين عالقين هناك كشفت صورة مختلفة تمامًا، إذ عبّر العديد منهم عن استيائهم من غياب أي استجابة فعلية، مؤكدين أنهم يواجهون أوضاعًا خطيرة بلا دعم أو ممرات آمنة للخروج.
كتب أحدهم، ويدعى هشام أبو جماع: "اتصلت بهم من مصر على الرقم الليبي، الموظف قال: لما الدنيا تهدى تهدى، مع إن أخويا كان بيصرخ (…) والضرب شغال عليهم، وكانوا مستخبيين تحت السراير".
فيما تساءل آخر: "فين هي السفارة اللي موجودة في طرابلس؟ مندوب ومش بيقدر على حد"، مشيرًا إلى صعوبة مغادرة العاصمة باتجاه بنغازي لإتمام الإجراءات القنصلية.
استجابة فورية لنجوم الكرة.. وتجاهل للمدنيين المفارقة الأكثر لفتًا للانتباه جاءت في سرعة استجابة حكومة الانقلاب لنداء عدد من نجوم كرة القدم المصريين الموجودين في ليبيا، إذ أعلنت وزارة الشباب والرياضة أن الوزير أشرف صبحي تواصل مباشرة مع المدرب حسام البدري وطاقمه، وتم تحديد موعد وصولهم إلى مطار القاهرة.
هذه الاستجابة السريعة أثارت حفيظة كثيرين، رأوا فيها دليلاً على أن النظام لا يتعامل بجدية إلا مع من يحظى بظهور إعلامي، بينما يظل المواطن العادي يواجه مصيره دون خطة واضحة لإجلائه، رغم التصريحات الرسمية بوجود "غرفة عمليات".
من يقف وراء التصعيد؟ حفتر في المشهد بدعم مصري-إماراتي في خضم الأزمة، تتجه الأنظار إلى اللواء خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا، والذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع القاهرة وأبوظبي. وبينما جرى التصعيد العسكري في طرابلس بين جهاز دعم الاستقرار وقوات تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع في الحكومة المعترف بها دوليًا، يبرز سؤال جوهري: هل يسعى حفتر لاستغلال الوضع؟ وهل يحظى بدعم مباشر أو غير مباشر من السيسي ومحمد بن زايد لتعزيز نفوذه في الغرب الليبي؟
مقتل قائد جهاز دعم الاستقرار، عبد الغني الككلي، خلال اجتماع ضم قيادات مجموعات مسلحة، مهّد الطريق لعملية عسكرية خاطفة سيطرت فيها قوات الحكومة على كامل مقرات الجهاز في منطقة أبو سليم. ورغم أن الككلي كان يمثل قوة محلية في طرابلس، فإن غيابه يفتح الباب أمام قوى جديدة للتقدم، ربما تكون محسوبة على حفتر.
هل يتكرر سيناريو 2015؟ وتعيد التطورات الأخيرة إلى الأذهان مشهدًا شبيهًا بما جرى في 2015، حين أُعدم 21 مصريًا في ليبيا على يد تنظيم الدولة، وأعلن السيسي بعدها توجيه ضربة جوية انتقامية. لكن اليوم، مع تدهور الوضع الأمني وتزايد استغاثات المصريين، يغيب التحرك الحاسم، ما يدفع البعض للتساؤل: هل يُستخدم المواطنون المصريون في ليبيا كورقة ضغط ضمن ترتيبات إقليمية أكبر؟
مطالب بفتح ممرات آمنة في ظل انعدام الأمن، طالب مصريون كُثر عبر مواقع التواصل بفتح ممرات جوية عاجلة. وكتبت شيماء عبده: "عاوزين نرجع مصر"، فيما أضاف آخر: "افتحوا لنا أي مجال جوي، احنا بنشوف الموت في ليبيا".
حتى الآن، لا توجد مؤشرات على قرب تنفيذ عمليات إجلاء حقيقية، ما يعزز القناعة لدى الكثيرين بأن الاهتمام الإعلامي الرسمي مجرد واجهة لامتصاص الغضب الشعبي، دون خطة حقيقية لحماية أرواح المواطنين في بلد يشهد فوضى مسلحة متجددة.