رأيته وسط الميدان حليق الرأس يتشاور فى الخطوات التالية لتظاهرات 25 يناير، وكانت مفاجأة، فهذا الشاب قد سلم نفسه للتو لوحدته العسكرية بعد استدعائه، عبد الرحمن استقبلنا بضحكته التى تحمل التفاؤل دائما، وقال: جيت اطمن على الثورة، وراجع الوحدة تانى. إنه عبد الرحمن منصور ابن ال24 عاما، وأدمن صفحة «كلنا خالد سعيد» الذى بادر بالدعوة للخروج فى يوم 25 يناير، ولاقت دعوته استجابة من حركتى 6 أبريل والعدالة والحرية، وتحفظ وائل غنيم على اسمه حفاظا عليه. عبد الرحمن جاء إلى الميدان بعدما سلم نفسه يوم 26 يناير لوحدة فى الجيش، فأعطته 24 ساعة ليبدأ تجنيده بين صفوفها، فقرر أن يقضيها وسط الميدان ليطمئن على تحقيق حلمه بتطهير البلاد من الفاسدين وقتلة الأحلام والأرواح. الوحيد الذى كان على قناعة بخروج المصريين وتفاعلهم مع تلك الدعوة، على خلاف كل التوقعات، التقيته قبل أيام فى لقاء تشاورى حول عدد من المبادرات المطروحة بعد وقوع حادثة «القديسين»، لكنه لم تبدو عليه ملامح التجنيد، هذا اللقاء الذى عقد يوم 21 يناير، أى قبل 4 أيام فقط من دعوته للخروج يوم 25 يناير للتظاهر ضد ممارسات الداخلية، ورفض عصاها وجزرتها، وذلك فى يوم عيدها، ومع صداقتى الشديدة له لم يفصح عن أنه صاحب بذرة الثورة المصرية. منصور هو أحد المجندين الآن فى صفوف الجيش المصرى الذى انضم إليه خلال الثورة المجيدة، التى دعا إليها وشارك بها حتى لبى دعوة جيشه، معلنا أن كلا من المشاركة فى الثورة والجيش مهمة وطنية. عبد الرحمن ضمن العشرات من الشباب المصرى الذى لم يصبه الإحباط رغم اعتقاله العديد من المرات خلال انتخابات 2000 و2004، فقرر التحرك نحو رفض هذا النظام، ليس من خلال المظاهرات فقط، لكن من خلال تثقيف النفس والاطلاع على الكثير من التجارب الثورية. عبد الرحمن نموذج للشاب المصرى الذى أعد نفسه، فقرأ فى كل المجالات، وكان طالبا منتظما فى كل الدورات التدريبية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومكتبة الإسكندرية وغيرهما من المراكز الثقافة، فى يوم 17 يناير الماضى كتب عبد الرحمن بوست تحت عنوان «نفسى»، قال فيه: نفسى أحس إن لىّ صوت فى بلدى، باختار عضو مجلس الشعب، وباختار رئيس جمهوريتى.. نفسى فى ديمقراطية حقيقية، نفسى المدرسين يغرزوا فى الولاد والبنات حب العلم والتعلم.. مش سياسة الحفظ والصم.. نفسى إن ضابط الشرطة يبقى زى زمان فى الأفلام.. الشخص الوقور المحترم اللى بيراعى ضميره وبيتقى ربنا فى السلطة، اللى نفسى نبطل واسطة ومحسوبية فى البلد.. نفسى الرشوة تبقى جريمة كلنا بننكرها.. بدل ما نكون متعودين عليها.. ونفسى الشخص اللى يطلب رشوة يكون هو الغريب والمجنون مش العكس.. نفسى الحكومة تبطل تتعامل مع الشعب على إنه شوية أطفال مش قادرين يفهموا، نفسى مانختزلش علاقتنا بالدين بإننا نسبح مئة مرة ونصلى على النبى خمسين مرة.. لأن الدين أصلا ربنا عمله منهج لحياة الإنسان، والدين بيعلم الإنسان الإيجابية والبناء والمودة والرحمة وحسن الخلق والعدل ومحاربة الظلم.. كفاية إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.. نفسى نحب بعض.. نحب بعض بجد، على فكرة.. من حقى أحلم ومن حقى أسعى لتحقيق حلمى.. ومن حقك تحلم.. وبجد لو بطلنا نحلم نموت. دى أحلام عبد الرحمن مفجر الثورة، وحلمه اللى عبر عنه، وأحلام عبد الرحمن زى الملايين اللى مش بلطجية ولا مجرمين، ولكنهم ثوار.