«كان بيشتغل مندوب مبيعات عشان يخفف عن والده مصاريف الكلية» يحكى كريم، الشقيق الأصغر والوحيد للشهيد علاء عبدالهادى عن تحامل علاء على نفسه وعمله مندوب مبيعات بجانب دراسته فى كلية الطب التى نجح فى آخر امتحاناتها بامتياز.
كريم الأخ الأصغر، «كنت باعتمد على علاء فى كل حاجة ومش شايل هم حاجة طول ما هو موجود وكان طول عمره متحمل المسئولية حتى مع زملائه عشان كان عضو فى اتحاد الطلاب فى الكلية».
يضيف كريم وهو ينظر إلى والدته التى لم تتوقف عن البكاء وهى تقول «علاء كان بيودينى للدكتور»، تحتضن أم علاء البالطو الأبيض الذى كان يرتديه علاء أثناء تواجده داخل المستشفى الميدانى، تحاول أن تشتم رائحة ابنها فيه، «كان عارف علاجى وكل يوم يكلمنى يا ماما خدتى العلاج ولا لسه»، تحكى والدة علاء انه بحكم كونه طالبا فى الفرقة الخامسة من كلية الطب جامعة عين شمس، كان مسئولا عن علاجها، حيث يأتى من القاهرة إلى منزل العائلة فى طنطا حتى يذهب بوالدته إلى الطبيب لتتابع معه حالتها الصحية.
آخر زيارة لعلاء إلى منزل والديه فى طنطا كانت قبل وفاته بأسبوع، «عرف إنى تعبت شوية جالى وقال لى يا ماما خلى بالك من صحتك وخدى العلاج فى ميعاده»، لم تتصور الأم أنها آخر وصية يوصيها بها علاء.
ومع بداية الاشتباكات عند مجلس الوزراء وتزايد أعداد الجرحى، والشهداء، توالت الاستغاثات بضرورة التوجه إلى المستشفى الميدانى، الساعة تدق الثالثة عصرا «أنا نازل أشوف إيه اللى بيحصل وربنا يستر»، آخر كلمات علاء على صفحته الشخصية على الفيس بوك، ترك بطاقته فى الشقة التى يسكن بها مع زملائه وكتب على ورقة بيضاء صغيرة «علاء عبدالهادى»، ووضعها فى جيب البنطلون، الورقة الصغيرة المدون عليها اسمه لم تغادر جيبه منذ 25 يناير «كل مرة يقوللى وهو نازل التحرير، يا ماما يمكن أنول الشهادة وتعرفونى»، نزل إلى الميدان، وبعد ساعتين فى المستشفى الميدانى وهو يعالج أحد الجرحى تلقى علاء رصاصة دخلت من أعلى الأنف خرجت من الرأس.
أحمد منصور .. الأحلام على صفحات مذكراته
«اللهم امنحنى السكينة والحكمة والقدرة على تغيير الأشياء التى استطيع تغييرها» هذه عبارة من دعاء كان الشهيد أحمد منصور يرددها دائما، وكان يحتفظ به مكتوبا فى ورقة بحافظته الشخصية وكأنه يخشى أن ينسى كلماتها فى يوم.
تعددت أحلامه وكتب عليها أن تظل جميعها حبيسة مذكرة تحمل بداخلها عشرات من الصفحات، بعدما استشهد أحمد منصور، 21 عاما، بطلق نارى عصر يوم 16 ديسمبر الحالى، صوبت عليه من أحد الطوابق بمبنى فى شارع قصر العينى لتصيب الجانب الأيمن من رأسه وتخرج من الجهة اليسرى، فيموت متأثرا بجراحه فى مستشفى قصر العينى بعد 3 ساعات من الآلام المبرحة.
«علاقتى الاجتماعية عبارة عن دوائر أنا اللى بسمح للناس تدخلها، كل ما أقرب لحد أكتر حيقرب منى، ولما أبعد عنه حيبعد عنى»، هذه الكلمات حملتها ورقة أخرى احتفظ بها أحمد داخل حافظته الشخصية، «اكتشفت أننى لا أعرف أخى بعدما قرأت كتاباته» يقول كريم شقيق أحمد الأكبر. كان كتوما وهادئا وأغلب أحاديثه معى تركزت فى معظمها عن أحوال البلد، وأمنياته فى التغيير، رغم شقاوته أيام طفولته فعندما كان يغضب من والديه يكتب على حائط المنزل، يصفه كريم بابتسامة ممزوجة بالدموع. التحق أحمد بعد تخرجه هذا العام من المعهد العالى للإعلام وفنون الاتصال قسم الصحافة، بإحدى شركات المقاولات براتب شهرى 700 جنيه كى يتمكن من الإنفاق على دوراته التدريبية، لتمهده للعمل فى مجال الصحافة.
«كل ما أفكر فيه يتحول إلى واقع ملموس» عبارة كتبها أحمد فى مذكراته وكررها 400 مرة، وكأنه يهدف بتكرارها تحويل كلماتها الجافة إلى واقع ملموس، بهذا الدافع شارك فى ثورة 25 يناير، ووصلت به فرحته لحظة تنحى الرئيس المخلوع حسنى مبارك إلى إنفاق كل ما لديه فى شراء مشروبات غازية وتوزيعها على المتظاهرين فى التحرير احتفالا برحيل مبارك.
سامح أنور.. رصاصة أنهت قصة حب
لم يشأ القدر أن يطيل فى عمره حتى يتزوج من الفتاة التى أحبها، ويحقق حلمه، عمل جاهدا لجمع نفقات زواجه، ليحقق حلمه.
الشهيد سامح أنور عشرينى العمر، حاصل على دبلوم تجارة، صاحب محل «سايبر إنترنت»، يسكن فى شبين القناطر، أصيب بطلق نارى، وظل ينزف حتى وافته المنية واستشهد الثلاثاء 20 ديسمبر.
«كان إنسان خير، وبيتقى ربنا وبيحب الخير للناس، وكان كل الناس بتحبه»، يقولها طارق أخو الشهيد سامح أنور بنبرة صوت حزين ومرتعش، يحاول منع نفسه من البكاء بالكاد.
ويضيف، «كان حلم حياته إنه يجوز البنت اللى بيحبها، وكان بيحاول يجهز نفسه فى أسرع وقت، علشان يروح يخطبها».
خرج سامح أنور يوم الجمعة، بعدما سمع بالأحداث التى تقع فى شارع قصر العينى، وقرر المشاركة فيها استردادا لكرامة المواطن المصرى. القدر شاء أن يجعل المؤسسة العسكرية التى عمل بها والد سامح وخدم بها طوال سنوات حياته، تتلوث بدماء ابنه، وأن تمتد لها أصابع الاتهام بقتله فى أحداث قصر العينى ومجلس الوزراء.
«مافيش إنسانية ولا رحمة، مش مكفيهم طلقة فى جنبه، ضربوه أكتر من طلقة، كان كل مكان فى جسمه بينزف دم، ده اللى وجعنا وتعب نفسيتنا أكتر».
والد الشهيد سامح أنور، ظل يعمل بالجيش حتى مرض، عمل عسكريا بالجيش، لسنوات طويلة وشارك فى حرب الاستنزاف وحرب 56، وحرب 73. «ابونا توفى منذ خمس سنوات، لو كان لسه عايش، مكنش هيقدر يصدق إنه خدم فى مكان طول حياته، وفى الآخر يكون جزاؤه إنهم يقتلوا ابنه برصاص غادر».
ظل سامح عدة أيام ينزف، وحالته لا تتحسن، رفض الأطباء نقله إلى مستشفى المجلس العسكرى، لسوء حالته لدرجة أنه لا يمكن نقله للمستشفى. «الدكتور قالنا مينفعش يتنقل أو يتحرك، أخوك حالته الصحية ما تسمحش، حالته النفسية تعبانة، ومش عاوزة الحياة مرة تانية»، يقولها أخو الشهيد باكيا. ويضيف، «دى أكتر كلمة وجعانى، وعمرى ما هنساها، إنهم يوصلوا شاب لسه عاوز يعيش حياته، إنه مش قابل للحياة».