كتبت اسمه عددا لا أعرفه من المرات، على عدد لا أعرفه من الأوراق، فى كل مرة تلقيت مكالمة أو رسالة أو ميل يطلب منى أن أساعد بقدر استطاعتى فى متابعة حالة أحمد صالح، أسحب أى ورقة أمامى وأكتب الاسم: أحمد محمد صالح قصر العينى، رعاية قسم 5 الدور الأرضى. فى كل مرة كنت أكتفى بكتابة الاسم على الورق، حتى اتصلت بى زهرة أخت خالد سعيد فى ليلة، قالت «أنا آسفة إنى بازعج حضرتك، بس حاسة إن أحمد محمد صالح ممكن يتحسن لو الدكاترة اهتموا أكتر». هذه المرة لم أكتف بكتابة الاسم لأكثر من سبب، وذهبت صباح اليوم التالى مباشرة لزيارة أحمد محمد صالح فى رعاية قسم 5 فى قصر العينى، ومعى صديقة، الأستاذة الدكتورة عالية عبد الفتاح رئيسة قسم الحالات الحرجة بقصر العينى، وأجرت الكشف على أحمد، وتناقشت مع الأطباء المسؤولين عن علاجه، وقالت لى إنها تشهد بأن ما يقدم لأحمد الآن من خدمة طبية وعلاجية هو الأمثل بالنسبة إلى حالته، ولا يمكن عمل أى شىء أكثر أو مختلف عما يحدث فعلا. كان المنطقى أن أتوقف بعد ذلك عن الاهتمام بأحمد، لكن ما حدث هو العكس تماما، حيث إننى لم أتوقف لحظة واحدة عن التفكير فى أم أحمد محمد صالح، البالغ من العمر 21 سنة، الطالب فى جامعة المستقبل ابن السيدة زينب، الذى تلقى رصاصة فى رقبته، عقابا له على أنه كان يساعد فى إنقاذ المصابين فى «محمد محمود»، الذى كتبت عنه، أمس، لكننى بدلا من أن أكتب اسمه الحقيقى أحمد محمد صالح -كما كنت أكتبه من قبل- كتبت أحمد صلاح، مجرد خطأ بسبب توتر الكتابة. سامحنى يا أحمد. فقد كنت أكتب وأنا جالسة أمام ثلاجة قصر العينى، والجثمان بالداخل ينتظر السماح له بالذهاب إلى حيث لا يوجد ظلم. دخل أحمد طوارئ قصر العينى فى ساعة من ساعات ليل الأحد 20 نوفمبر، بالتأكيد كان ينزف، غالبا كان قد دخل فى غيبوبة، وغالبا كان لا يتألم، وبالتأكيد كان وحيدا، لأن أهله لم يعثروا عليه إلا يوم الثلاثاء، بعد أن بحثوا فى عدة مستشفيات، عندما انقطع اتصاله بهم، والغريب أنهم وجدوا فى جيبه بطاقته الشخصية. بالتأكيد كان الزحام فى تلك الليلة شديدا. كانت مذبحة محمد محمود على أشدها، وكان التدفق على قصر العينى لا يتوقف، وغرف العمليات تعمل بلا انقطاع، وكذلك غرف الأشعة والمعامل، الدماء تملأ المكان، الأرضيات والجدران والأدوات الطبية وملابس الأطباء، وطبعا ملابس الجرحى. وسط هذا كله، عندما أُجريت لأحمد صالح الأشعة كتب عليها اسم أحمد صابر بدلا من أحمد صالح!! سامحهم يا أحمد كما سامحتنى. انزعج أستاذ جراحة المخ والأعصاب، الذى قال لأسرة أحمد إن الحالة طبيا مقلقة، وإن الأطباء لا يمكن أن يقدموا شيئا الآن، لكن الحالة لها بعد قانونى، لا بد أن نعرف الإجراءات لكى نضمن الحق القانونى، وأخشى -هذا ما قاله الطبيب- أن يؤثر الخطأ فى الاسم على إثبات الحق، لذلك طلب الأستاذ الجراح إجراء أشعة جديدة لمجرد إثبات الحق. وبالفعل أجريت الأشعة، فجر الجمعة، أى قبل وفاة أحمد بيوم واحد. ورغم أن المحامى الأستاذ محمد عبد العزيز أكد لى أن الخطأ فى كتابة الاسم لن يؤثر، ما دام أثبتنا ذلك فى محضر التحقيق. ونحن أثبتنا، والنيابة جاءت قبل وفاة أحمد وكتبت أقوال الطبيب، والأطباء أجروا أشعة جديدة، وكتبوا تقارير صادقة، وجثمان أحمد انتقل من قصر العينى إلى المشرحة ليعاينه الطبيب الشرعى ووكيل النيابة بعد الوفاة، ولدينا شهود مستعدون. وأم أحمد لا تتوقف عن السؤال: مين هيجيب لى حق ابنى؟ مين؟