فى العراق والشام تحول «داعش» من مجرد تنظيم مسلح يحلم بخلافة على مقاس أفكاره، إلى دولة على مسماه، تحقق من اسمه الرابط بين العراق والشام، ويربط فعلاً حوض الفرات كله بين غرب العراق ووسطه وشرقى سوريا. «داعش» سلطة على الأرض، ترفع رايتها، وتفرض قانونها، وتجبى غنائمها، وتذبح معارضيها.. هل فى منطقتنا أى مفهوم مستقر غير ذلك للدولة؟ الإرهاب يبنى دولته على الأرض العربية، كما بنت الطائفية دولتها، ومن قبلهما الاستبداد، لا أحد أفضل من أحد، هى أشياء بعضها من بعض، يتركز فى العراقوسوريا وليبيا، الخيوط تتشابك والأنفاق بعضها يؤدى إلى بعض، ومصادر التمويل والتوجيه تتحرك لتبنى منطقة الفتات. يتفسخ العراق بطائفية حكامه، وتسقط سوريا فى دوامة لا غالب فيها، وفى ليبيا حيث الدواعش كثر، والديمقراطية هى إدارة الصراع بين الميليشيات المسلحة، تنفجر الحرب ومسبباتها فى غياب الدولة، ويتصاعد العداء لمصر والمصريين، بفعل ثورتهم على داعش الأم «الجماعة التى وضعت الإطار الفكرى لكل داعش». وسط كل هذا المناخ نحن مشغولون فى مصر بقضية أهم وأخطر: هل الطائرة الملكية السعودية التى هبطت فى مطار القاهرة، تعد أرضا مصرية أم سعودية؟ وهل زار الملك عبد الله مصر أم زارت مصر الملك عبد الله؟ وما معنى القبلة على الجبين؟ وما الفارق بينها وبين القبلة على اليد؟ ▪▪▪ فى زمن الدواعش يُمارس الدين بمظاهره، وتُستنزف الطاقة فى الجدل حول طول اللحية، وقصر الثوب، وهل دخول الخلاء بالرجل اليسرى فريضة أم واجب؟ وما القول فى من بُترت ساقه اليسرى، ولديه ساق صناعية؟ وبذات الذهنية يتعاطى قطاع كبير من المجتمع وإعلامه سياسيا، تشغلهم الطائرة ولا يشغلهم ما دار داخل الطائرة، لأنهم بالأساس غير مشغولين بما يجرى حولهم فى زمن الانكفاء على الذات! ▪▪▪ بعد ثورة 25 يناير عاش الإعلام اللحظة المصرية، واستغرق فيها، واستغرق معه المجتمع، وبات غير مكترث بما يحدث خارج الحدود، لا يعنيه استمرار المالكى فى السلطة، وما يعنيه خطابه الطائفى، ولا يكترث بتسلم إيران مفاتيح العراق، ودخولها فى تحالف مع النظام فى سوريا، وانخراطها فى وصاية على حزب الله فى لبنان. لا يكترث ب«القاعدة» فهى تحارب اليهود والصليبيين، ولا يركز فى مغزى قتل السفير الأمريكى فى بنغازى، ويعتبر ما يجرى فى سوريا مجرد ثورة لإسقاط حاكم مستبد. ▪▪▪ فى الموصل ودير الزور وطرابلس وشبه جزيرة سيناء ترتفع الرايات السود، الدولة لم تعد فى الخيال، ولا فى كتب التكفير، وليست تحت الأرض فى الأنفاق السرية والمغارات الجبلية، الدولة فوق الأرض، عندها راية وسلاح ونشيد وأموال، والحرب فى كل مكان، والطائفية تذهب بالصدام إلى حد سماع طبول الحرب الإقليمية الكبرى. ▪▪▪ هل مطار القاهرة، أو الطائرة السعودية، أو القصر، أو البحر، أو الجو، أماكن مناسبة لبحث كل ذلك؟ أى مكان مناسب، المهم كيف جرى التباحث؟ وإلى أين انتهى الاتفاق؟ وما نصيب الرياض من هذا الاتفاق؟ وما نصيب القاهرة؟ وكيف ستؤدى كل منهما دورها؟ وكيف سيسهم الدعم السعودى فى صلب طول الدولة فى مصر؟ وكيف سيسهم الجيش المصرى فى تغطية انكشاف استراتيجى تعرض إليه الخليج بعد الربيع العربى؟ وهل هناك مهمات قريبة؟ أين؟ وبتفويض من؟ لكن فى زمن الدواعش ربما تكون تلك الأسئلة، هامشية تمامًا وتتضاءل أمام تحليلات الطائرة والقُبلة، كما تضاءلت العقيدة وهُمشت العبادات والمعاملات أمام فتاوى اللحى، وخطب التكفير.