■ تنظيم «داعش» هو حديث العالم كله اليوم، وذلك بعد أن حقق انتصارات مهمة فى مناطق السنة بالعراق وسيطر على مدن كثيرة بهذه المنطقة، ويعد نفسه لاقتحام عاصمة العراقبغداد. ■ و«داعش» هى الاختصار لجملة «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، ويمتد نفوذه فى العراق والشام، ويعد «داعش» الابن الحقيقى لتنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، الذى أسسه أبومصعب الزرقاوى 2004، والذى بايع «بن لادن»، والتنظيم قام بعمليات تفجيرات واغتيالات واسعة فى العراق. وبعد مقتل «الزرقاوى» انتُخب المصرى أبوحمزة المهاجر «من سوهاج» زعيماً للتنظيم، وفى أواخر عام 2006 تم تشكيل ما سمى ب«تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق» الذى تزعمه أبوعمر البغدادى، ولكن «المهاجر» و«البغدادى» قتلتهما القوات الجوية الأمريكية واعترف التنظيم بقتلهما، وتولى القيادة بعد ذلك أبوبكر البغدادى، وبعد اندلاع الثورة السورية تكونت جبهة النصرة أوائل عام 2012، التى توحدت مع تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق». ■ وتسيطر «داعش» على المناطق السنية فى العراق، التى كانت تناصر «صدام» والبعث، أما فى سوريا فسيطر أيضاً على مناطق السنة مثل الرقة وحلب وريف اللاذقية ودمشق وحمص وحماة وإدلب وغيرها. ■ وبذلك يمكن القول بأن سماح السنة لوجود مقاتلى «داعش» فى مناطقهم هو ردة فعل على الظلم والضيم الذى لاقاه السنة من حكامهم الشيعة فى العراق، حيث حكم «المالكى» العراق بطريقة طائفية متعصبة أعطت كل شىء للشيعة، واستطاع الأكراد اقتناص نصيبهم منه كرهاً قبل وبعد. ■ أما السنة فقد استُبعدوا من كل شىء محورى فى قيادة العراق، بدءاً من المؤسسات السيادية والأمنية والجيش والشرطة، وانتهاءً بالمؤسسات الاقتصادية والخدمية، وهذا يفسر التعاطف الكبير الذى حدث فى مناطق العراق السنية مع تنظيم «داعش»، وذلك ليس حباً فى «داعش» ولكن كراهية لظلم «المالكى» وحكومته وطائفيته البغيضة. ■ لقد أثبت بشار الأسد و«المالكى» للجميع أن أى حاكم طائفى لن يصلح لحكم أى بلد عربى. ■ إن المتأمل فى تكوين «داعش» يجد أنه كله يتكون من فصائل سنية من بلاد مختلفة اعتنقت أفكار التكفير والتفجير التى تؤمن بها القاعدة، ودخلت فيها جنسيات كثيرة سنية من بلاد كثيرة، بعضها مصرى أو سعودى أو تركى أو باكستانى أو... أو...، حتى بريطانى أو أمريكى أو... أو... ■ والجديد فى تنظيم «داعش» أنه انضم إليه ضباط قدامى من الجيش العراقى الذى قام الأمريكى «بول بريمر» بحله فى سابقة تاريخية فريدة دمرت العراق كله، وانتظم تحت لوائه بعض القوميين العراقيين، ولذلك نجد أن خطاب «داعش» الآن بعد دخوله المناطق العراقية يختلف عن خطاب القاعدة المعروف، فقد تم تهذيبه وتطويره بحيث لا ينفر السكان المحليين ولا يجعلهم يكرهون التنظيم بسرعة. ■ إن الاستسلام غير المبرر للجنود العراقيين فى مناطق السنة يدل على يأسهم وقنوطهم من «المالكى» وحكومته وطريقته الطائفية، وأنهم أرادوا أن يلقنوه درساً قاسياً حتى لا يهمش السنة بهذه الطريقة الفجة. ■ يضاف إلى ذلك أن الجيش العراقى الحالى قد فقد العقيدة القتالية، فهو لا يدرى هل يدافع عن الشيعة فى الجنوب، أم الأكراد فى الشمال، أم يدافع عن الوطن العراق الأم؟ وهل هو يخدم مصالح إيران فى المنطقة؟ وما مهمته على وجه التحديد؟ ■ وقد خلصت شخصياً بعد تأملى الطويل فى قضايا الحكم والسياسة أن أى رئيس طائفى سيُفقد لا محالة كل أجهزة الدولة عقيدة عملها وسيجعلها فى حيرة من أمرها فلا تدرى من تسالم ومن تعادى، لأنها ببساطة ستتحول إلى أجهزة ومؤسسات طائفية بامتياز. ■ وقد خلصت من تجربة تأمل طويلة أن كل الدول الطائفية فاشلة بامتياز، وعلى رأسها الآن العراقوسوريا ولبنان، وهى مؤهلة بامتياز للتقسيم والحرب بالوكالة ووجود التنظيمات الطائفية المتطرفة والسماح بالتدخلات الأجنبية. ■ أما فكر «داعش» الأصلى فهو فكر التكفير والتفجير الذى نشأ عليه «القاعدة فى بلاد الرافدين»، وهو يكفر الجيوش العربية كلها والحكام العرب والأحزاب السياسية، ويكفر الشيعة جميعاً، ولا يؤمن إلا بالقتال كوسيلة لإقامة الدين والدولة. وتاريخ «داعش» لا يعرف للعفو طريقاً ولا للرحمة فى الحروب سبيلاً. ■ والسؤال المهم: هل يستطيع «داعش» إقامة دولة؟ ■ لن يستطيع أى تنظيم يعتنق فكرتى التكفير والتفجير أن يقيم دولة، والخوارج لم يقيموا دولة عبر التاريخ رغم جيوشهم الكثيرة، ولم يحدث فى تاريخ الإسلام أن أقام هذا الفكر دولة، لأنه يملك مقومات تفجير وتدمير الدول وليس إقامتها، فالدول فى الغالب تقوم على فكرتى التعددية والتسامح مع الآخر المختلف عقائدياً وفكرياً، والتكفير يقوم على العكس. ■ حتى إن حدث وأقام دولة فإن هذه الدولة تنفجر من الداخل، لأن فكر التكفير كالقنبلة الانشطارية التى تتمزق إلى شظايا. ■ فالدولة ليست سلاحاً وعتاداً وتنظيماً، ولكنها فكر دولة ورجال دولة وعقل دولة، وهذا لا يوجد فى أى تنظيم تكفيرى.