منذ 15 عاما نشرت كتابا على حلقات بعنوان «سيدة المتناقضات العظيمة»، رجحت فيه أن زوزو ستتخلص من سعاد حسنى، لتنهى الصراع بين ناهد وميرفت فى «بئر الحرمان». كانت سعاد فى أثناء إعداد الحلقات هاربة فى لندن، وسافرت زوزو خلفها للتخلص منها، حاولت الاتصال بها كثيرا، ولم أفلح، حتى أخبرنى الصديق شحاتة عوض أن زميلنا محمود مطر لديه تليفون لها هناك، واتصلت على رقم سعاد حسنى فردت زوزو فى رسالة مسجلة «أنا زوزو النوزو كوانوزو.. سيب رسالتك بعد الصفارة»، ولم أسمع صوت الاثنتين بعد ذلك أبدا إلا فى الشرائط المسجلة. كانت آخر مرة التقيت فيها سعاد حسنى فى المسرح الكبير بدار الأوبرا فى مطلع التسعينيات عقب فوزها بجائزة أحسن ممثلة عن فيلم «الراعى والنساء»، وكنا قد اتفقنا على حوار تليفزيونى حال فوزها بالجائزة، وأدارت الحوار باقتدار الزميلة هبة الله يوسف، التى تلقت قبلة من سعاد بعد نصف ساعة من التألق، لم تطلب فيها سعاد وقف التصوير إلا مرة واحدة، نظرت فيها إلى المرآة، وطلبت مشاهدة صورتها فى «شباك الكاميرا»، واطمأنت من هبة على رأيها فى الحوار. عندما أستعيد ذلك اليوم، أتذكر بوضوح أنها كانت مهزوزة وحركاتها مرتبكة، ورغم فرحتها الكبيرة بهذه الجائزة بالذات، كانت عيناها غارقتين فى حزن غامض، وذلك الحزن هو الذى دفعنى إلى البحث فى الحياة الخلفية للسندريللا، لم أصدق طلاء النجومية اللامع، وعرفت أن فى القلب قصة أخرى، ربما بدأت مع زواج جوهرة وحسنى البابا، وصراعات الأسرة كثيرة العدد فى منزل العائلة الموهوبة، فقد كان واضحا منذ البداية أن سعاد لم تولد لتعيش حياة عادية، فليس هناك شىء عادى فى بيت الخطاط البوهيمى ذى الجذور الشامية، حيث كانت جالاتيا تنتظر زيارة بجماليون. ظهر عبد الرحمن الخميسى، وأشعل ضوء النجمة، ومن «حسن ونعيمة»، إلى «البنات والصيف»، دخل عبد الحليم حافظ الحلبة ليعلم فتاة «حى الفوالة» الساذجة، معنى الحزن، وانكسار القلب، لكن تمرد النجومية يدفعها إلى زواج عنادى مفاجئ من صلاح كريم، ولم يكن غريبا أن يتم الطلاق سريعا من المخرج المغمور، ليظل حليم ملء القلب والعين، سيرته وصورته تطاردها فى كل مكان، قأقنعت نفسها أن الحب يمكن أن يتحول إلى صداقة، ووسط هذه المتاهة شاهدت البرجوازى الشاب على بدرخان، وهو يساعد والده المخرج الكبير فى أثناء تصوير فيلم «نادية»، كان مثقفا يتعامل مع والده ومع الجميع بأدب وشياكة، تمنت أن تكون من هذه العائلة، وتطورت العلاقة سريعا إلى حب وزواج. علمها على الكثير، كان يناقشها فى الثقافة والسياسة، ويملأ رأسها بأفكاره التقدمية، ونظرته اليسارية إلى الفن، ويقال إن سعاد تأثرت كثيرا بهذه العلاقة، وبدأت لغتها وعلاقاتها واختياراتها الفنية تتغير، لكن هل كان التغير ملائما لها؟ أم أنه زاد من الصراع العميق بين النجمة والإنسانة كما حدث لمارلين مونرو بعد زواجها من آرثر ميللر؟ تلك هى المنطقة التى تحتاج إلى بحث لنقترب من حقيقة مقتل سعاد حسنى.. هل طعنت صورتها فماتت هى، على طريقة دوريان جراى؟ هل كرهت دور الدمية أم تماهت معه، وأدمنت ولم تستطع التخلص منه، ولما تغيرت الصورة كان لا بد من إخفاء الأصل؟ هل وجدت تشابها بين لعبة المخابرات، ولعبة الزواج، ولعبة الفن؟ هل كان يجب أن تظل نجمة للمراهقين وفقط فى أفلام مثل «شقة الطلبة» و«الثلاثة يحبونها» و«خللى بالك من زوزو»، وهل أسهم «الدرجة التالتة» فعلا فى قتلها؟ الأسئلة كثيرة، لكن المهم أننا بعد 13 عاما على رحيل السندريللا، لا يجب أن نفكر فى قاتل واحد.. سعاد قتلها كثيرون.