لم يترك لنا الجيل السابق أداة للاحتفال بعيد الأم سوي رائعة محمد عبد الوهاب (ست الحبايب)، وأعتقد أن جيلي هو الوحيد الذي أفلت من سيطرة عبد الوهاب العابرة للأجيال في هذه الجزئية تحديداً، حيث كان لحن الأغنية حزيناً بما يكفي لأن يجعلها لائقة لاحتفال مراهق يتيم بهذا اليوم، اللحن علي روعته كان بلغة أهل الصعيد أقرب إلي «عدودة»، بدليل أنه لا يوجد شخص استمع إليها إلا وجرت دموعه حتي لو كان جالساً فوق حجر ست الحبايب،لا يوجد شخص استمع إليها إلا وشعر في أعماقه بخوف من أن يفقد والدته (أطال الله أعمارهن جميعاًَ ورحم الراحلات منهن)، فات الموسيقار الكبير أن هذا اليوم مناسبة عظيمة للفرحة، وهو ما أدركته سعاد حسني بفطرتها فأطلقت نشيداً جديدا للمناسبة «صباح الخير يا مولاتي» بمعاونة جاهين والطويل، فصرنا نصحو يوم عيد الأم نشعر بسعادة وبهجة ونحن نستمع إلي الأغنية قادمة من كل مكان وكانت لحظة تاريخية توثقت فيها علاقة جيلي بالسندريلا. قبلها كانت سعاد هي الأقرب لقلوبنا من خلال أفلامها، كنا ننظر لكل النجمات باحترام يليق بفارق السن بين مشاهد ثمانيني مراهق ونجمة من زمن الستينيات، لكننا كنا نشعر بالسندريلا وكأنها ابنة زمننا، وكأنها الخالة الصغري، كنا نشعر معها بأننا علي راحتنا، كان لها حضور شخص من لحمك ودمك، نفرح لأن التليفزيون سيذيع اليوم «الزواج علي الطريقة الحديثة» ونتعاطف مع أسلوبها خفيف الدم في التمرد والانطلاق أو نتعاطف مع حيلها المشروعة في «صغيرة علي الحب» أو مع دعمها العاطفي لشقيقها الخام في «عائلة زيزي»، كانت عادتنا في هذه السن أن نتحرك من أمام الفيلم لقضاء أي مصلحة عندما تقطع أغنية ما الأحداث، يمكننا أن نشتري ما طلبته الأم حتي ينهي فريد الأطرش وصلته أو أن نفتش في الثلاجة عن تصبيرة حتي ينتهي حليم من شرح مأساته العاطفية، لكن السندريلا كانت تجبرنا علي أن ننتبه عندما تغني حتي نحفظ أغنياتها التي صارت رنات هواتفنا المحمولة عندما كبرنا مثل «مانتش قد الحب يا قلبي» أو «يا واد يا تقيل» أو «كيكي يا كيكو»، كان بيننا رباط عاطفي جعل أولاد جيلي بل وبنات جيلي أيضا يرونها فتاة الأحلام. لا أعني بهذا أن نوعية ما قدمته كان براقاً بمقياس فترة المراهقة، بالعكس لقد سقطت منا كل أفلام المراهقة التي كانت تضحكنا ولم تعد تجذبنا بعد أن كبرنا إلا أفلام للسندريلا نحن إليها دوماً خاصة بعد أن عرفنا في الكبر أنها فنانة أهم بكثير مما كنا نتخيل، وعندما توثقت العلاقة بيننا بمسلسل «هو وهي» أصبحنا نراها شخصاً أدي رسالته علي أكمل وجه، لذلك لم يحزن بعضنا علي رحيلها، ربما ارتبك البعض لغياب شريك أجمل فترات العمر، ربما انزعج البعض لأنه كان يتوقع لها نهاية تليق برقتها ودفئها، ربما امتعض البعض لأنها رحلت قبل أن تعرف حقيقة مكانها بيننا بالضبط. علقنا أيام مراهقتنا علي جدران غرف نومنا، مختلف أنواع وألوان البوسترات لمعظم نجوم الرياضة والفن، كان الكبار يرون هذه البوسترات ولا يفوتون الفرصة للتعليق عليها سواء بتعنيفنا لسوء الاختيار أو بالسخرية منا لسذاجة الاختيار أو بالنصح والتوجيه لأننا مغفلون صغار، لم يسلم أي بوستر من تعليق قوي وربما مهين من الأهل، وحده بوستر سعاد حسني كان يُقابل بدون تعليق وابتسامة.