تلاشى الدور المصري برحيل ناصر.. ولعبت أموال القذافي دورا كبيرا ساهمت في تحويلها إلى "اتحاد إفريقي" كانت القارة السمراء مسرحا للتنافس الاستعماري الأوروبي، الذي ينهب ثرواتها ويستعبد شبابها.. فكانت الفكرة قد تمخضت بأن تتجمع الدول المستقلة من القارة الإفريقية من أجل دعم استقلال باقي الدول والدفاع عن مكتسباتها. وكان بالطبع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، هو صاحب تلك الفكرة العظيمة، التي كانت باكورة اجتماعاتها في أبريل عام 1958 بالعاصمة الغانية أكرا، والتي حضرها أكثر من 200 عضو من الأحزاب والاتحادات الطلابية الإفريقية، بالإضافة إلى ممثلين سياسين ل"15 من الدول الإفريقية المستقلة"، والذي يعد الاجتماع التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية. استأثرت مصر من البداية عدم الهيمنة على الاتحاد، بل وجعلت مقر أمانته العامة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ولكن كل قراراته كانت تصب في المصلحة المصرية وأهدافها القومية، حيث كانت أول قرارات هذا المؤتمر هو الاعتراف بحق الشعب الجزائري في الحصول على استقلاله، وهو ما اعتبر انتصارا كبيرا على الإرادة الفرنسية، التي كانت تهيمن على الكثير من قرارات دول القارة السمراء. وبالفعل نجحت تلك المحاولات بعد سنوات عديدة، حيث اجتمع رؤساء 30 دولة مستقلة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لتوقيع ميثاق الوحدة الإفريقية، والذي وضع نصب عينيه هدفا قويا وهو "تحرير القارة نهائيا من الاستعمار"؛ ليصل أعضائها في النهاية إلى 52 دولة. تراجع مصري ولكن مع رحيل عبد الناصر، بدأ الدور المصري يتراجع كثيرا في القارة الإفريقية، وفي المقابل حاول كثيرون أن يلعبوا أدوارا قوية. وكان أبرز تلك الأدوار التي حاول العقيد الليبي المقتول معمر القذافي أن يلعبه مدعوما بنقود النفط، التي كان يضخها في أمانة الاتحاد الإفريقي. ومع تراجع الدور المصري، في وجود محمد أنور السادات وحسني مبارك، نجح القذافي في تحويل منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي في عام 2002، والذي انبثقت عنه مؤسسات عديدة مثل "البرلمان الإفريقي، والجمعية العامة للاتحاد الإفريقي، ولجنة الاتحاد الإفريقي (التي انبثقت منها: مجلس السلم والأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، واللجان الفنية المتخصصة)، ومحكمة العدل الإفريقية". ويعد مجلس السلم والأمن الأفريقي، هو أهم مؤسسات الاتحاد الإفريقي الجديدة، حيث يتكون من 15 دولة، بينها 5 أعضاء دائمين، وهو أعلى سلطة بالاتحاد الأفريقي لفض النزاعات. والخمسة أعضاء الدائمين يمثلون الأقاليم الأفريقية الخمسة، وهم نيجيريا عن إقليم الغرب، وأوغندا عن الشرق، وغينيا الاستوائية عن الوسط، والجزائر عن الشمال، وموزمبيق عن الجنوب، وتنتقل الرئاسة دوريا كل شهر لواحدة من الدول الأعضاءالخمسة الدائمين في المجلس. ومن الواضح طبعا، أن غياب الدور المصري عن إفريقيا ساهم في أن يذهب موقع الشمال إلى الجزائر، بدلا من القاهرة. بدأ التراجع المصري في إفريقيا منذ تعرض المخلوع حسني مبارك لمحاولة اغتيال خلال حضوره أحد مؤتمرات الاتحاد في أديس أبابا؛ ما أفقد لمصر أدورا كبيرة وأوقعها في أزمات مع دول منبع نهر النيل، التي قررت توقيع اتفاقية إطارية لإعادة تقسيم المياه، وقررت إثيوبيا بناء سد النهضة، الذي سيقلل من نسبة المياه التي تأتي لمصر دون تشاور مع القاهرة، وعدم وجود أي تأثر للقاهرة في الاتحاد جعل موقفه محايدا أو ربما غير داعم للمصريين. عام من العزلة ساهم الابتعاد المصري أيضا عن إفريقيا في عدم فهم أعضاء الاتحاد للمواقف المختلفة الحادثة في مصر، والتي كان آخرها ثورة 30 يونيو؛ ما أدى لعزلتها عن الاتحاد الإفريقي لنحو عام كامل. حيث قرر الاتحاد تعليق عضوية مصر؛ بسبب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان ورئيسها محمد مرسي، بعدما قالت رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي دلاميني زوما أن تعليق الاتحاد الإفريقي لعضوية مصر يخضع الى معايير محددة وواضحة تطبق دون النظر الى ثقل الدولة ولا تختلف من دولة الي أخري، مشيرة إلى أن ان مصر نفسها كانت فى السابق عضو فى مجلس الامن والسلم وطبقت القواعد نفسها على بلدان مرت بظروف مماثلة. وجاء هذا القرار بعد محاولات مستميتة من الجماعة وحلفائها في الخارج من إقناع الاتحاد بأن ما حدث انقلاب، في محاولة منها لتدويل أزمتها، وكان تعليق العضوية هو ركيزتها الأساسية في كل احتجاجاتها الخارجية، وضغوطها على المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق بأحداث العنف التي اجتاحت مصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان. وكشفت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن تركيا وقطر بدعم أمريكي، مارسوا ضغوطا قوية على أعضاء مجلس السلم والأمن؛ لاتخاذ هذا القرار، ليكون بمثابة ضغط قوي على الحكومة المصرية الجديدة التي أطاحت بحكم الإخوان. ولكن مصر استيقظت متأخرة بعد ثورة 30 يونيو، وبدأت الدبلوماسية المصرية تتحرك بصورة قوية لخلق ركيزة إفريقية قوية، ورحبت بقدومة لجنة حكماء الاتحاد الإفريقي برئاسة الرئيس السابق ألفا عمر كوناري، والتي قدمت لمصر والتقت محمد مرسي، وأتت مرة أخرى لمتابعة الاستحقاقات الانتخابية من الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية. عود أحمد بعد قرابة عام من تجميد مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد الإفريقي، وذلك بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، وافق مجلس السلم والأمن الإفريقي أول من أمس الثلاثاء على إنهاء تجميد عضوية مصر في الاتحاد. ويعتبر قرار الاتحاد الإفريقي ضربة جديدة تحرج جماعة الإخوان المسلمون، التي كانت تستغل الموقف في تدويل قضيتها. واعتبرت دول أجنبية تنفيذ خريطة الطريق إعادة بناء لمؤسسات الحكم المدني في أكبر الدول العربية سكانا. القرار جاء بعد أن استمع الاتحاد إلى تقرير لجنة الحكماء برئاسة ألفا عمر كوناري رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي السابق، مع عضوية كل من رئيس وزراء جيبوتي السابق، دليتا محمد دليتا، وفوستوس موجاي، رئيس بوتسوانا الأسبق، حول نتائج الزيارات الثلاثة التي قامت بها اللجنة إلى مصر، الذي أفاد بأنه "لا يوجد ما يعيق ذلك بعد إجراء الاستفتاء على تعديلات الدستور وانتخاب رئيس جديد للبلاد". التقرير الذي قرأه السفير الأوغندي ذكر أن "مصر أكملت خارطة الطريق وتبنت سياسة تداول السلطة سلميا، حيث استفتت الشعب المصري على تعديلات الدستور، وتم انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي". مضيفا أن "توصيات اللجنة تؤكد على حتمية عودة مصر إلى الاتحاد الإفريقي". وفي تعليق له على القرار، قال سفير مصر لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي، محمد إدريس، إن "الفترة الماضية شهدت جهودا دبلوماسية مكثفة، تكللت بالنجاح، فآلت الأمور إلى نصابها الصحيح، وعادت مصر إلى حيث يجب أن تكون، في قلب أفريقيا، وعادت أفريقيا إلى مصر." وبعد هذا القرار أصبح من المؤكد مشاركة مصر في قمة الاتحاد الأفريقي بغينيا الاستوائية 26 يونيو الجاري. كما تلقى وزير الخارجية المصري الجديد، سامح شكري، اتصالاً هاتفياً من نظيره الإثيوبي، تواضروس أدهانوم، الثلاثاء، بحسب وزارة الخارجية المصرية، يهنأه بعودة مصر للاتحاد الإفريقي، والذي لعبت الإدارة المصرية الجديدة برئاسة عبد الفتاح السيسي دورا قويا فيه، في عودة لدور المصري القوي في القاهرة السمراء. وقالت الخارجية المصرية، في بيان رسمي، إن الوزير الإثيوبي هنأ بالقرار الذي اتخذه مجلس السلم والأمن الإفريقي، في وقت سابق، بالإجماع بعودة مصر إلى المشاركة في أنشطة الاتحاد الأفريقي. وأضافت الخارجية المصرية أن "الاتصال الهاتفي بين الوزيرين تطرق إلى تطور العلاقات الثنائية بين البلدين في ظل الزخم الايجابي الحالي، حيث عبر الوزير الإثيوبي عن اهتمام بلاده بتوثيق العلاقات مع مصر واستمرار التواصل مستقبلاً بما يرتقي بالعلاقات بين البلدين في مختلف المجالات"، وفقا للبيان. ويبدو أن الأسابيع الأولى من تولي السيسي الرئاسة شهدت انفراجات دبلوماسية عديدة، حيث تبادلت القاهرةوأديس أبابا تصريحات ودية بشأن الخلاف بينهما، وسط آمال مصرية في إنهاء أزمة سد النهضة، لا سيما في ظل مشاركة وزير خارجية إثيوبيا في مراسم تنصيب السيسي رئيسا، وتوجيه أدهانوم دعوة إليه لزيارة إثيوبيا من جانبه، رحب السفير الكويتي، لدى أديس أبابا، راشد الهاجري، بعودة مصر إلى الاتحاد الافريقي، قائلا "سعيد جدا بالموافقة بالإجماع على عودة مصر إلى الاتحاد الأفريقي". وأضاف الهاجري "أثمرت كل الجهود في عودة مصر.. وقد تلقيت اتصالا هاتفيا من السفير المصري لدى إثيوبيا محمد أدريس عبر فيها عن شكره وتقديره لدولة الكويت أميرا وشعبا وحكومة".