لماذا نطالب باستقلال كثير من الجهات، مثل القضاء والصحافة والإعلام، ولكن لا نطالب باستقلال النفاق؟ هل لنا أن نطالب بفصل النفاق عن الدولة. فالنفاق تحوَّل من سلوك فردى إلى نفاق جماعى ومؤسسى، ولن نبالغ إن قلنا إنه أصبح سمة وأيضًا ممنهجًا. كيف لنا أن نحارب النفاق أو خفافيش الظلام فى مجتمعنا وممؤسساتنا ونحن فى فترة بناء دولة جديدة أساسها الصدق والعدل (المفروض يعنى لأن ما حدث فى الفترة الماضية لا يبشِّر بهذا على الإطلاق)؟ المشكلة هنا ليس النفاق فقط، ولكن هذا المجتمع الذى يدَّعى الفضيلة والتديّن والذى اختزل الدين فى العبادات المادية. هذا المجتمع المتديّن يحارب الدعارة الجنسية بشراسة وإنما لا يتصدَّى لدعارة الروح والكلمة. لا تتعجَّل يا أخى! سأوضح ما العلاقة بين النفاق والدعارة. «النفاق» فى اللغة العربية هو إظهار الإنسان غير ما يبطن، وسمّى المنافق به لأنه يجعل لنفسه وجهين، يظهر أحدهما حسب الموقف الذى يواجهه، وأصل الكلمة من النفق الذى تحفره بعض الحيوانات وتجعل له أكثر من مخرج للهروب عند الحاجة. فإذا تأمَّلنا هذا التعريف لأدركنا أنه غير منضبط. أولًا، فالمنافقون ليس لهم وجهان فقط، ثانيًا فقد ظلم الحيوان فى هذا التعريف لأن الحيوان يلجأ إلى حفر الأنفاق للدفاع عن نفسه، وهذا مشروع، لكن المنافقين لا ينافقون للدفاع عن أنفسهم وإنما لامتهانهم واحترافهم النفاق. فهم يبيعون آراءهم ومواقفهم السياسية والحياتية بمقابل أجر، وهذا هو تعريف الدعارة الذى اختُزل فى العلاقات الجنسية فقط، وهذا ليس بصحيح. فالنفاق ما هو إلا دعارة من نوع آخر أكثر خسَّة ووضاعة وضرر من الدعارة الجنسية، لأنها بيع الروح والكلمة. والأدهى من ذلك أن معظم مجتمعنا المتديّن يعلم جيدًا صفات المنافق من حديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا خاصم فجر». ولكن المصيبة تكمن فى مجتمعنا الذى لا يتناسى مثل هذه الأحاديث فقط وإنما يجد لنفسه دائمًا وسائل شيطانية لتحويل الحرام إلى حلال. فالنفاق سماه مجاملات، مثل الرشوة سماها إكرامية، وضابط الشرطة أصبح باشا! (نفاق إيه أعوذ بالله دى مجاملات لطيفة وسياسة وشطارة يا إفل). إلى مَن ينافقون باسم الدين والعدل والثورة والفقراء والشهداء، ماذا تقولون لأنفسكم كل ليلة عند قيامتكم الصغرى؟ البشر ينافقون ويكذبون مثل ما يتنفسون. هل تدركون أن الحقيقة المطلقة فى هذا الكون هى الموت، ونحن ذاهبون إليه كل يوم. قال الإمام علِى، كرَّم الله وجهه، «مَن حاسب نفسه سعد». لن يستطيعوا أن يحاسبوا أنفسنهم يا إمام، لأنهم من مرتزقة معاوية ورجاله. فقد باعوا أنفسهم وأماتوا قلوبهم. كيف لنا أن نكلِّم أمواتًا؟ حبسطهالك.. عندما تساءل الأطفال هىّ حلاوة ولا شيكولاتة؟ ردَّ غسان مطر للأطفال «هى اختراع يا كوتش»، ولكن عندما سأل «الوحش ممدوح فرج» ردّ غسان مطر، قالًا «إنت عايزها إيه». هذا ما نتحدَّث عنه تمامًا، فالمنافقون فى مجتمعنا يغيّرون من جلودهم حسب المسؤولين والنظام الحاكم. إنت عايزه إيه دينى ولّا مدنى ولّا بوليسى ولّا ثورى؟ كله موجود. نحن لا نقبل أن يعيش المنافقون أو خفافيش الظلام بيننا، لأن الحرف نور والكلمة نور والعلم نور والله نور. محاربة النفاق تحتاج منّا إلى عمل وجهاد عظيم، لنغيّر أنفسنا ومَن حولنا. القراءة والتعليم والتربية الدينية الصحيحة، عوامل مهمة فى القضاء على النفاق، بالإضافة إلى رغبة سياسية وإدارية حقيقية وصادقة. أخطأ مَن ظن أن الثورة لها فترة محددة، فالثورة على النفس والسلوكيات المجتمعية الفاسدة مستمرة إن كانت فى العمر بقية، وأيضًا لمساعدة الإرادة السياسية على التغيّر أن أرادت! هذا المقال بمناسبة موسم هجرة وتزاوج المنافقين، والذى يأتى مباشرةً بعد أى انتخابات موسمية.. كل انتخابات وأنتم طيبون!