لأن «الحرب خدعة» كما قالت العرب على لسان المفكرين الاستراتيجيين القدماء، فقد انتظرنا أن تأتينا جماعة الإخوان وتلتقينا على أرض الواقع الذى تعيش فيه معنا، فإذا بها تهبط علينا كعادتها من سُدُم الفضاء البعيدة (السدم سحب كونية هائلة تتألف من غبار وغاز)، وتحدث خلق الله بلغة تبدو من شدة غرابتها وغربتها عن الزمان والمكان مجرد «كلام فضائى» مبهم وفاضى تماما من أى محتوى أرضى. طبعا واضح أن هناك الآن زحاما من الدواعى والأسباب القوية التى تفرض الاهتمام الجد بما يقوله «الإخوان» أو يفعلونه، أقرب هذه الأسباب وأشدها إلحاحا أن جماعتهم أضحت على وشك الهيمنة على سلطة التشريع وربما السلطة التنفيذية أيضا بعد النتائج التى حصدتها من انتخابات لا داعى لتكرار شرح حالتها ووصف السياق والبيئة المشوهة المسمومة التى جرت فيها.. والمعنى باختصار، أن الشغف بما يصدر عن إخوانا «الإخوان» هو أمر موضوعى بحت ويستمد مشروعيته من دواعٍ واقعية (حتى لا أقول وجودية) ومن ثم ليس كل بواعثه مجرد رغبات فى الفوز بطرفة أو نُكتة سياسية يتسلى بها الناس ويتضاحكون فى جلسات السمر الليلية، مع التسليم بأن شيئا من ذلك موجود فعلا وله أيضا أسباب وجيهة جدا ودوافع مشروعة كذلك. وأعود إلى نماذج من «فضائيات» جماعة الإخوان وحزبها الموصوف بأنه ذراع حضرتها (هل توجد فى الدنيا أحزاب هى محض «أذرع» لكيانات أخرى ضبابية وشبه سرية؟!) وأبدأ مضطرا والله بطرفة من أحدث إبداعات الأستاذ صبحى صالح المحامى الذى أحتفظ تجاهه بمشاعر إيجابية جدا لدرجة أنه الوحيد من بين أعضاء لجنة تعديل الدستور الساقط (هل تذكرونها؟) الذى لم أغضب منه، بل ربما أكون غفرت له مشاركته الفعالة فى رسم وتفصيل مسار انتقالى عجيب وغريب يناسب فقط المصالح الآنية الضيقة لجماعته، وفى المقابل رأينا كيف أن هذا المسار أنتج وراكم من فرط شذوذه أزمات واحتقانات وكوارث وطنية لا أول لها ولا آخر تكاد أن تضع ثورة شعبنا على شفير الإجهاض والانتكاس. أما آخر طرائف الأستاذ صالح فهى تعيد إثبات وتأكيد أقوى وأهم شمائله، ألا وهى خفة الظل والصدق والبراءة التامة من حصافة السياسيين (أو لؤمهم ومراوغتهم)، فبرغم أن الإخوان متهمون بأنهم لا يملكون من حطام الدنيا أى رؤية أو خطة سياسية واضحة للتعامل مع قضايا ومشكلات الوطن الحيوية والأساسية وأن برنامجهم الأصلى (دعك من كلام الجرائد الذى دبجوا به -كغيرهم- وثائقهم السياسية الرسمية المعلنة) يبدأ وينتهى بمواعظ وأحكام ومفاهيم ذات طبيعة أخلاقية صرفة يتوهمون أن بمقدورهم ومن سلطتهم فرضها على المجتمع والناس نيابة عن المولى تعالى.. رغم هذه التهمة الشائعة فإن الرجل تجاهل أن جماعته ذاهبة للحكم توا وأنه هو نفسه ذاهب فورا للنيابة (البرلمانية) وأصر وهو يتحدث قبل أيام فى محفل عام أن لا يحيد عن نهجه الصادق، فترك كل قضايا السياسة والاقتصاد والاجتماع وخلافه، وأسمع الحضور كلاما قيّما عن برنامج الجماعة وخطتها للتعامل مع قضية «الخمر» بالذات (على أساس أن المصريين يعانون من حالة «سكر بَيِن» لا تخفى على عين مبصر ولا ذكاء ناصح أريب!!) لقد قال النائب الموقر الأستاذ صبحى صالح المحامى، لا فض فوه ومات حاسدوه من الضحك: «نعم سنلغى الخمر واللى مش عاجبه يستحم بها أو يسقيها لولاده قبل النوم»!! و.. نكمل غدا إن شاء الله.