ظن جنرالات المجلس العسكرى، الذين بدؤوا أول من أمس الحرب على منظمات حقوقية مصرية وأجنبية تعمل بالقاهرة، أن دهم المنظمات، التى تفضح جرائمه، وانتهاكاته ضد أهداف الثورة، والثوار، سوف يكمم أفواه من ينتقدونه، وهو لا يدرك أن فعلته سوف تزيد من سجل انتهاكاته، من ناحية، ومن ناحية أخرى، سوف تستدعى مزيدا من الانتقادات الحادة محليا ودوليا لسياساته. وهو ما وقع بالفعل أمس، عندما تصاعدت الانتقادات الدولية والأمريكية، خصوصا بعد استجواب سام لحود، مدير المعهد الجمهورى الأمريكى «IRI»، نجل وزير النقل الأمريكى بتهمة تلقى تمويل أمريكى! المنظمات الحقوقية، غير خائفة من خطوة المجلس العسكرى، ورموزها يقولون إنهم مستعدون للدفاع عن الحريات، «ولو من داخل السجون»، 28 منظمة احتشدت أول من أمس، فى مؤتمر بمقر المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وقال إن المداهمات العسكرية «مخالفة للقانون جملة وتفصيلا»، وأضافت أن هذه «الخطوة الخطيرة تأتى ضمن حملة أوسع أطلقها المجلس العسكرى للتشهير بكل النشطاء الحقوقيين، وعديد من القوى المنخرطة فى الثورة». المجلس القومى لحقوق الإنسان، هو الآخر قال فى بيان إن «الطابع الذى أخذته الحملة الجارية لمداهمة مقرات بعض المنظمات فى سياق يربط بين التمويل الأجنبى والاضطرابات السياسية ومظاهر العنف التى سادت البلاد، يلوث سمعة تلك المنظمات لدى الرأى العام قبل ظهور نتائج التحقيقات الجارية». ناصر أمين، مدير المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة، قال متحديا إن الحكومة أغلقت المركز العربى بالشمع، لكن «نشاطه مستمر، سواء من داخل المركز أو من الشارع أو من داخل السجن، الذى نتوقع دخوله. فى حين أشار أحمد سيف، مدير مركز هشام مبارك إلى سلسة إجراءات، بدأت مبكرا لتصفية النشطاء وقوى الثورة، مؤكدا أن معظم المنظمات انخرطت دفاعا عن قوى الثورة. دوليا، أعربت الولاياتالمتحدة عن قلقها العميق إزاء المداهمات، وحثت السلطات المصرية على الفور على وقف «التحرش» بموظفى المنظمات غير الحكومية وأن تعيد إليها ممتلكاتها. وقالت وزارة خارجيتها «إن الولاياتالمتحدة ينتابها قلق عميق بعد أن داهم مسؤولون قضائيون وأمنيون مصريون مكاتب عدد من المنظمات غير الحكومية اليوم، ومنها المعهد الوطنى الديمقراطى والمعهد الجمهورى الدولى». المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية قالت «إن هذا الإجراء يتعارض مع التعاون الثنائى القائم بيننا على مدى سنوات عديدة» وقالت أيضا «إننا ندعو الحكومة المصرية لحل هذه المشكلة فورا ووضع حد لمضايقة موظفى المنظمات غير الحكومية»، بينما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤول كبير بالإدارة، رفض ذكر اسمه، أن أمريكا بعثت برسالة لأصحاب القرار فى القاهرة مفادها أن ما حدث «يعتبر تعديا للخطوط». «واشنطن بوست» قالت فى افتتاحيتها «إن الحملة ضد التمويل الأجنبى لهى مثال مدهش لغطرسة العسكر اللا منطقية والمذهلة، فالعسكر يبررون لأنفسهم قبول 1.3 مليار دولار سنويا، كدعم أمريكى، ويتهمون مجموعة منظمات تحصل على بضعة ملايين بالخيانة». الخارجية الألمانية التى انتقدت اقتحام مكاتب 17 منظمة حقوقية محلية وأجنبية، وتحديدا مؤسسة «كونراد أديناور» الألمانية التى تعمل بالقاهرة، استدعت أمس السفير المصرى فى برلين، داعية للتحقيق الفورى فى الحادثة. صحيفة «الجارديان» البريطانية انتقدت ما جرى للمنظمات، وعلقت بأن «الأنظمة العربية كانت دائما متخوفة من منظمات المجتمع المدنى، فالمجتمع المدنى المنتعش يدعم روح المواطنة الفعالة، ويقوض فكرة أن النخب الحاكمة هى الأكثر دراية». الجريدة المعروفة عالميا ذكرت أن هذا الهاجس لدى النظم العربية ليس قاصرا فقط على المنظمات المؤيدة للديمقراطية، فحتى المنظمات التى تقوم بأعمال خيرية، يمكن أن تكون بالنسبة إلى هذه النظم موضوعا حساسا إذا كشفت فشل الدولة فى توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها.