الداخلية ترد على بيان حزب سياسي حول مزاعم مخالفات انتخابية    نفي ادعاءات بوجود مخالفات انتخابية بلجنتين بدائرة زفتى بالغربية    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 18 ديسمبر    قتلى في ضربة أميركية على مركب لتهريب المخدرات بالمحيط الهادئ    ترامب: أوقفت 8 حروب.. ولدينا أقوى جيش في العالم    ترامب: ستنخفض أسعار الدواء بشكل كبير    ترامب: ورثت فوضى من بايدن وأعمل على إصلاحها    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل شابين خلال اقتحامه بلدتي عنبتا وكفر اللبد شرق طولكرم    علياء صبحي تتألق في أجواء الكريسماس بحفل غنائي في جزيرة الزمالك وتُفاجئ جمهورها بأغنية جديدة    الشيوخ الأمريكى يقرّ ميزانية دفاعية بقيمة 901 مليار دولار    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك    البرلمان تحت الاختبار.. بين ضغوط الأسعار وحصن الأمن القومي    الإعادة تشعل المنافسة.. مجلس النواب 2025 على صفيح ساخن    لمواجهة تراجع شعبيته، ترامب يلقي خطابا الليلة يكشف أجندته ويستعرض "العصر الذهبي"    خالد أبو بكر يدعو الجماهير والأندية لدعم الزمالك.. جزء من تاريخ مصر    تطورات جديدة في انهيار عقار المنيا.....مخالفات جسيمة وراء الانهيار    السيطرة على حريق في أحد المحال بمنطقة ألف مسكن بالقاهرة    مباحث قليوب تنتصر للفتيات.. القبض على متحرش طالبات المعهد    تعليق الدراسة حضوريا فى الرياض بسبب سوء الطقس وتساقط الثلوج    شهادة المخالفات الإلكترونية أحدث الخدمات.. «المرور» يسير على طريق التحول الرقمي    أنشطة متنوعة لأهالي عزبة سلطان ضمن برنامج المواطنة والانتماء بالمنيا    عبد المنعم سعيد يشيد بمشروعي النهر بتوشكى وقناة السويس: غيرا الجغرافيا المصرية    نيفين مندور، أسرة الفنانة الراحلة تتسلم جثمانها اليوم    مسؤول روسي: هجوم أوكراني يلحق أضراراً بسفينة في ميناء روستوف جنوب البلاد    يلا شووت.. المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025: صراع تكتيكي على اللقب بين "أسود الأطلس" و"النشامى"    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    غياب الزعيم.. نجوم الفن في عزاء شقيقة عادل إمام| صور    سوليما تطرح «بلاش طيبة» بالتعاون مع فريق عمل أغنية «بابا» ل عمرو دياب    جمال الزهيري: كأس أمم أفريقيا أهم من المونديال بالنسبة لمنتخب مصر    بالفيديو.. محمد رمضان يعتذر لعائلته وجمهوره وينفي شائعة سجنه ويستعد لحفله بنيويورك    محافظ قنا يعزي أسر ضحايا حادث انقلاب ميكروباص بترعة الجبلاو.. ويوجه بحزمة إجراءات عاجلة    سفير مصر في المغرب: الأوضاع مستقرة وتدابير أمنية مشددة لاستقبال المنتخب    اسأل والجمارك تُجيب| ما نظام التسجيل المسبق للشحنات الجوية «ACI»؟    ضبط 12 مخالفة خلال متابعة صرف المقررات التموينية بالوادي الجديد    وزير الثقافة يبحث تعزيز التعاون الثقافي مع هيئة متاحف قطر    نقابة المهن التمثيلية تتخذ الإجراءات القانونية ضد ملكة جمال مصر إيرينا يسرى    عالية المهدي تحذر الحكومة: 65% من الإنفاق العام في مصر يخصص لسداد الديون    التهاب مفصل الحوض: الأسباب الشائعة وأبرز أعراض الإصابة    وزير الاتصالات: ارتفاع الصادرات الرقمية إلى 7.4 مليار دولار وخطة لمضاعفة صادرات التعهيد    مصرع عامل تحت تروس الماكينات بمصنع أغذية بالعاشر من رمضان    إصابة 11 شخصاً فى حادث تصادم سيارتين ب بدر    كأس الرابطة الإنجليزية - نيوكاسل يواصل حملة الدفاع عن لقبه بفوز قاتل على فولام    أبناء قراء القرآن يتحفظون على تجسيد سيرة الآباء والأجداد دراميًا    أمم إفريقيا - البطل يحصد 7 ملايين دولار.. الكشف عن الجوائز المالية بالبطولة    المتحدث باسم الحكومة: الأعوام المقبلة ستشهد تحسنا في معدلات الدخل ونمو ينعكس على المواطنين    نوبات غضب وأحدهم يتجول بحفاضة.. هآرتس: اضطرابات نفسية حادة تطارد جنودا إسرائيليين شاركوا في حرب غزة    اقتحام الدول ليس حقًا.. أستاذ بالأزهر يطلق تحذيرًا للشباب من الهجرة غير الشرعية    وزارة الداخلية: ضبط 40 شخصاً لمحاولتهم دفع الناخبين للتصويت لعدد من المرشحين في 9 محافظات    الإسماعيلية تحت قبضة الأمن.. سقوط سيدة بحوزتها بطاقات ناخبين أمام لجنة أبو صوير    ما حكم حلاقة القزع ولماذا ينهى عنها الشرع؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    الحكومة تستهدف استراتيجية عمل متكامل لبناء الوعى    محافظ الجيزة: زيادة عدد ماكينات الغسيل الكلوى بمستشفى أبو النمرس إلى 62    مستشار رئيس الجمهورية: مصر تمتلك كفاءات علمية وبحثية قادرة على قيادة البحث الطبى    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    باريس سان جيرمان وفلامنجو.. نهائي كأس الإنتركونتيننتال 2025 على صفيح ساخن    إقبال على التصويت بجولة الإعادة في انتخابات مجلس النواب بالسويس    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من المنصة إلى المنصة
نشر في التحرير يوم 07 - 04 - 2014


الحلقة الثانية عشرة
«الوش بعد الوش بعد الوش
الكل طلع مقلب ووطنى الخاسر
الكل متربى فى عش الغش
وألف رحمة عليك يا عبد الناصر»
الخال/ عبد الرحمن الأبنودى
قصة المنجد الذى تحول إلى طبيب الجماعة الإسلامية
قبل المعتقل كان يدرِّب أعضاء الجماعة على لعبة الكونج فو.. واشترك معهم فى تغيير المنكر بالقوة بدمياط
عندما دخل السجن تعلَّم القراءة والكتابة.. والجماعة كانت تستخدمه لفرض النظام وتأديب المخالفين داخلها
الشرقاوى ينصب باسم الدين.. فهو طبيب ملتحٍ يكلمك بالآية والحديث ويأمرك بالصلاة كشرط لاستمرار العلاج.. ثم يحصل منك على ما يستطيع تحصيله من مال
سألنى كثيرون من زملاء المهنة ومن أصدقائى أن أكتب عن الجماعة الإسلامية، وعن أحداث التسعينيات، وعن مبادرة وقف العنف التى أطلقتها الجماعة، هل هى حقيقة أم خداع للخروج من السجن؟
وكان الطلب يزداد كلما ذكرت لهم بعضًا من هذه الذكريات، وكلما ظهر على الساحة أحد الإسلاميين يسألوننى هل تعرفه؟.. فإذا أخبرتهم عنه، وأوجزت لهم شخصيته وأفكاره، وأكدت لهم الأيام صدق رؤيتى، وصحة نظريتى، زاد إلحاحهم. وما منعنى من الكتابة هو أنى أحتسب فترة الاعتقال عند الله عز وجل، فهو من أنعم بالمحنة، وتفضل وجعلها منحة، فلله الحمد فى الأولى والآخرة. ولكن تراكمت أسباب وراء أسباب جعلتنى أكتب قصة الجماعة الإسلامية من البداية إلى النهاية
الفصل الرابع
أحداث دمياط.. نظرية الطوبة
«إن ديننا الحنيف لا يقر ترويع الآمنين، ولا يقر اتخاذ المساجد وهى أماكن للعبادة أوكارًا للتآمر، وليس من الدين فى شىء اقتحام البيوت التى جعل الله لها حرمة، وليس من الدين فى شىء الاعتداء على إنسان لمجرد التشكك فى كونه من رجال الشرطة وهو ليس بشرطى، وليس من الدين فى شىء إعمال التخريب والإتلاف، وأن يأخذ كل إنسان ثأره بيده، وإلا تحولت البلاد إلى غابة لا يحكمها القانون».
من حيثيات الحكم رقم 20 لسنة 1992 م جنايات كلى دمياط. المستشار/ عبد الرحمن الفيل.
دمياط يوم الثلاثاء الموافق العاشر من ديسمبر عام واحد وتسعين.. عاد عضو الجماعة محمد إبراهيم فرحات من مدرسته، حيث كان طالبًا بمدرسة الثانوية التجريبية أمام كوبرى المطرى إلى أحمد الإسكندرانى القائم بأعمال أمير الجماعة بدمياط، نظرًا لأن إبراهيم فشور موجود عند شقيقه فى المهندسين.
عاد محمد فرحات يشكو قيام أحد البلطجية بضربه، وذلك لأن أحد الطلبة من زملائه كان يسب الدين، فأنكر محمد عليه هذا الأمر، وتطور الأمر إلى مشاجرة، فضرب محمد هذا الزميل، وبعد انتهاء اليوم الدراسى استعان هذا الطالب ببلطجى اسمه إيهاب الدنون، فقام بضرب محمد فرحات.
فاستشاط أحمد الإسكندرانى غضبًا من هذا الموقف، فقد رآه انتهاكًا لكرامة الجماعة، فكرامة عضو من الجماعة من كرامة الجماعة، وكلاهما يجب أن يصان.
وعلى الفور اجتمع أحمد مع باقى مجلس شورى الجماعة بدمياط، وهما محمد صادق المهدى حاصل على دبلوم صنايع وعز الدين الأشقر، دبلوم صنايع أيضًا، وحضر الاجتماع مسؤول المجموعة الأمنية محمد المحلاوى الطالب بالفرقة الأولى بمعهد صناعى بورسعيد.
وتقرر فى هذا الاجتماع إرسال بعض أفراد المجموعة الأمنية لتأديب هذا البلطجى على مرأى ومسمع من الناس فى منطقة المطرى، ليعلم الجميع من هى الجماعة، وماذا تستطيع أن تفعل إذا مس كرامة أعضائها شىء.
وفى اليوم التالى صلى المكلفون بعملية التأديب الظهر، وهم عادل الشرقاوى ورضا سلطان وزكريا الجمال وعطية الجنيدى وخالد بركة، وانطلقوا، فوجدوا البلطجى إيهاب الدنون واقفًا مع بعض من أعوانه، فرأى خالد بركة أنهم يحتاجون إلى مدد، فترك زملاءه وذهب يستمد المدد والعون من إخوة الجماعة الموجودين بجوار هذه المنطقة، وفى أثناء غيابه قام أعضاء الجماعة بضرب البلطجى بقسوة بالخناجر والمطاوى، فهرب من كان حوله من أعوانه، وكاد يقتل هذا البلطجى لولا أن قدر الله له الهروب، وعلى الفور انسحب أعضاء المجموعة بعد أن أتموا مهمتهم وأدبوا من تطاول على كرامة الجماعة، وذهبوا فرحين إلى أحمد يزفون إليه بشرى إتمام المهمة على أكمل وجه.
وعندما ذهب خالد بركة يطلب المدد من عضو الجماعة رضا رخا الموجود قريبًا من منطقة المطرى، رفض الأخير الذهاب معه لأنه ليس لديه علم مسبق بهذا الأمر، فعاد خالد إلى مكان المشاجرة، فلم يجد أحدًا، وكان ملثمًا بشال أبيض، فلفت انتباه أهالى المنطقة، فقاموا بالقبض عليه، والاتصال بالنجدة التى جاءت وقبضت عليه.
ولم يفرح أحمد بنصره الذى أحرزه على من سولت له نفسه التطاول على أحد أعضاء الجماعة طويلًا، فجاءه خبر قبض الأهالى على خالد بركة، وتسليمه للأمن، فاستشاط غضبًا، كيف يجرؤ أحد من الأهالى على القبض على عضو الجماعة وتسليمه للأمن.
فقرر عقد اجتماع طارئ لكل أعضاء الجماعة بدمياط فى مسجد الملقا فى نهاية شط جريبة الملاصقة لحدود مدينة دمياط، والتى هربت إليها الجماعة من ملاحقة الأمن لنشاطها، وفى هذا الاجتماع الذى عقد بعد صلاة العشاء قرر أنه لو تركوا هذا الأمر يمر لأصبح سابقة، ولأصبح أعضاء الجماعة لقمة سائغة فى أيدى الأهالى يتقربون إلى الأمن بتسليمهم، وطلب منهم الحضور غدًا الخميس لصلاة العصر فى مسجد الشرباصى، وأن يحضر كل عضو ما يستطيع من سلاح معه كمطواة، سكين، سيف، شوم، وأن يستحضروا أن هذا العمل هو تغيير للمنكر.
والتقى الجمع فى صلاة العصر بمسجد الشرباصى الذى يبعد عن منطقة المطرى نحو مئة متر.
وقبل أن نستطرد فى السرد، نتوقف أمام جماعة تدعى أنها إسلامية، أين هم من قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» (الحجرات: 6).
لماذا لم يتحققوا من صحة قول محمد فرحات عضو الجماعة عن سبب المشاجرة الحقيقى بينه وبين الطالب الآخر؟
أم أنهم كانوا يريدون أى حجة أو أى سبب ليرتكبوا جرائمهم، فيذاع أمرهم وينتشر خبرهم، فيشار إليهم بالبنان، ويحصلون على المكانة، فيزدادوا قوة ومنعة، فينضم إليهم الضعفاء ليزدادوا بالجماعة قوة ومنعة، وتزداد الجماعة بهم عددًا وأنصارًا، هذا هو سبب لانتشار الجماعة فى الصعيد، فتركيبة الصعيد السكانية حيث العائلات الكبيرة أصحاب العزوة والحظوة والمال والقبائل هم من يستطيعون حماية أبنائهم من كل ضيم، ويضمنون لهم المكانة والمناصب والمال.
لذا من كان من عائلة ليست كبيرة، وليست صاحبة نفوذ، سارع وانضم إلى الجماعة ليحتمى بها، وتكون له سندًا وعونًا.
فإن كان أترابه يفخرون بعائلاتهم، فهو يفتخر بانتمائه إلى الجماعة، ولقد رأيت ذلك وعاينته وضربته، وهذا أهم سبب لبقاء كثير من أعضاء الجماعة فى الصعيد بها، حتى بعدما انكشف لهم ما تعرضوا له من عملية خداع كبرى باسم الدين.
ولقد كنت أعرف أخًا من البدارى محافظة أسيوط، وكان من قيادات الصف الثانى بالجماعة، وهو حسين عبد العال.
قابلته بعد المبادرة، وقبل أن تصل تفصيلات المبادرة وكتبها إلى أعضاء الجماعة، سألنى: هل غيّرت الجماعة فكرها؟
قلت: إن الشيخ كرم قال: الجماعة لم تغير فكرها.
فسعد كثيرًا، وكاد يطير من الفرح.
وبعد أن مرت الأيام، وعرف أن الجماعة قد غيرت فكرها كاملًا، انتظرت منه موقفًا، إلا أنه سارع بالسير مع الجماعة لفكرها الجديد، ونظم قصيدة فى مدح حبيب العادلى، ألقاها أمام وكيل جهاز أمن الدولة اللواء أحمد رأفت الشهير بالحاج مصطفى رفعت.
ولم يترك الجماعة بعد الخروج بل استمر فيها، وكان من قادة الانقلاب على المبادرة، ونظَّم عرضًا لميليشيا الجماعة المسلحة فى أسيوط فى مارس 2013م، فالجماعة بالنسبة إليه ولآخرين هى الحماية فى مجتمع لا يعترف سوى بالقوة والمكانة والنفوذ.
ولقد سئل فى جريدة «الموجز»:
«ما حقيقة تأليفك قصيدة مدح لحبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، وكان مطلعها (الحبيب ابن الحبيب العادلى)؟
أجاب: صحيح ولا أنكر ذلك، ولكن كنت قد ألقيت هذه القصيدة فى توقيت كنا نحتاج فيه إلى أى مكسب للأفراد، وإذا كان أبو سفيان يحب الفخر، فلا مانع من أن نعطيه شيئًا منه، وللأسف أكثر ما قدمه إلينا حبيب العادلى هو السماح بدخول الشاى لنا، كما قام بإحضار عجل وذبحه للناس، فأنا امتدحته فعلًا بهذه الكلمات لعلها تؤثر فيه، ويكون لها الفضل فى تخفيف عن الأفراد داخل المعتقلات.
(الموجز): هل هذا يعنى أن الغاية تبرر الوسيلة؟
أجاب: الغاية تبرر الوسيلة السليمة، ولا تبرر الخاطئة، فعندما جاء أحد الأشخاص إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: (ائذنوا له)، فدخل، فضحك النبى فى وجهه، ولما خرج من عنده قال النبى: (بئس أخو العشيرة هو)، فقالت له السيدة عائشة: إنك تبسمت فى وجهه، فقال لها: (إنا لنبش فى وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم)، ولم يكن لى مصلحة شخصية فى مدح حبيب العادلى، لكن أردت أن أقول كلمتين حلوين حتى أقول له عندى، فلان مصاب بالشلل عايزين نخرجه، يوافق، عندى فلان أمضى من العمر كثيرًا وهو معتقل عايزين نخرجه، يوافق، أما أنا فلم يصبنى من هذه القصيدة شىء.
(الموجز): بعد حالة الانقلاب السياسى والاجتماعى التى حدثت خلال الأشهر القليلة الماضية، هل تسرب لداخلك الندم عن تلك القصيدة؟
(هذا الحوار نُشر فى 12/9/2011).
أجاب: لم أكن أتمنى أن تلقى بى الظروف فى هذا الوضع الذى احتجت فيه أن امتدح العادلى، والقضية ليس بها مخالفة شرعية البتة، وكانت معظم أبيات القصيدة فى الأساس مدحًا فى مصطفى رفعت نائب رئيس جهاز أمن الدولة -يقصد اللواء أحمد رأفت- ومطلعها فقط كان فى حبيب العادلى.
مشكلة الجماعة والتيار الذى يطلق على نفسه أنه إسلامى هو أن العضو ما دام يسمع ويطيع لقائده، ويتعصب لجماعته سواء على حق أو باطل فهو الصادق وإن تبين لهم كذبه، وهو الأمين وإن انكشف للجميع خيانته، وهو الصالح وإن نصب على الناس.
فلم تتحقق الجماعة من حكاية عضو الجماعة محمد فرحات عن سبب المشاجرة، لأن العضو عندهم ثقة لا يكذب، وهى نظرية الخيرية المطلقة، فمن دخل فيهم، فهو فى خير وعلى خير، ومن كان خارجهم فهو فى شر وعلى شر.
الطبيب النصاب
كنت أظن أنهم غيروا هذه النظرة بعد سنين طويلة غيروا فيها فكرهم، ولكن كان هذا الظن محض خيال، وليس أدل على ذلك من قصة الدكتور عادل الشرقاوى عضو الجماعة، فهو من مواليد 1973م، كان يعمل «منجدا أفرنجيا»، ولم يحصل على أى شهادة دراسية، كان يدرب أعضاء الجماعة على لعبة الكونج فو، اشترك مع الجماعة فى تغيير المنكر بالقوة، وكان من ضمن المشاركين فى بداية أحداث دمياط وحتى القبض عليه.
عندما دخل السجن تعلم القراءة والكتابة على يد عضو آخر بالجماعة من دمياط. حكى لى عمر رزق وهو أحد الإخوة الذين اعتقلوا بسبب اعترافات كاذبة من عضو الجماعة محمد بدر أن «عادل» كان ضمن القوة الضاربة للجماعة الإسلامية والتى كانت فى سجن استقبال طرة، وكانت مهمة هذه القوة تأديب المخالفين، وفرض نظام الجماعة عليهم، ولفظ المخالفين تطلقه الجماعة على كل من لم يكن على فكر الجماعة كالإخوان والسلفيين والجهاد والتكفير وعلى من كان جماعة ثم ترك هذا الفكر.
بعد أن خرج عادل من السجن عام 2006م افتتح عيادتين إحداهما فى دمياط والأخرى فى شبرا الخيمة، وبدأ فى ممارسة مهنة الطب، وقال: إنه حاصل على بكالوريوس العلاج الطبيعى وعلى دبلومة عليا فى الطب البديل، وأنه عضو بالاتحاد الأوروبى والعالمى للطب البديل وعضو باتحاد المعالجين العرب، وأنه يعالج بالحجامة والأعشاب والقرآن، وهو متخصص فى الأعشاب الطبية والتغذية العلاجية والإبر الصينية والرافلكسولوجى العلاج بالتدليك.
وذاع صيته، وكان الكشف عنده بخمسين جنيها، ويصرف العلاج من عنده بأغلى الأثمان، فكان يبيع كيلو عسل النحل بألف وستمائة جنيه، وهو يشتريه بخمسة وعشرين جنيها وعلى هذا فقِسْ، ولقد صعقت حينما قرأت روشتات طبية له بخط يده يدعى فيها أنه طبيب، ويصف دواءً لمريضة وأخرى لمريض.
وقد اتصلت به من هاتف أحد من تداوى عنده.
قلت: دكتور عادل الشرقاوى؟
قال: نعم.. من معى؟
قلت: أين أجدك يا دكتور كل ما أجيلك العيادة لا أجدك.
قال: الثلاثاء والأربعاء أكون فى العيادة فى القاهرة.
قلت: أنا أعانى من مرض زيادة الإفرازات الانعكاسية وأحتاج إلى عملية بخمسين ألف جنيه، وليس معى هذا المبلغ، فهل عندك علاج لمرضى؟
قال: تعال العيادة يوم الخميس الساعة الثامنة مساءً، ولو معاك تحاليل أو أشعة أحضرها معك.
قلت: هل تعرف هذا المرض؟
قال: نعم هذا فيروس وعلاجه سهل.
قلت: سأحضر إن شاء الله.
وتأكدت أنه كاذب، لقد اخترعت مرضًا وأسميته من عندى، زيادة الإفرازات الانعكاسية، وسألته عنه، فقال: إنه فيروس، وطلب منى إحضار التحاليل والأشعة ليطلع عليها، كيف سيفهم ما فيها وهو لم يحصل سوى على شهادة محو الأمية؟
لقد حكى لى بعض من تداوى عنده أنه كان يشترط على المريض أن يداوم على الصلاة على شرط الاستمرار فى العلاج عنده.
إنه نصب باسم الدين، طبيب ملتحٍ يكلمك بالآية والحديث، ويأمرك بالصلاة، ويحصل منك على ما يستطيع من مال.
وكأنه بأمره لك بالصلاة قد فعل حسنة تمحو سيئة زعمه أنه طبيب.
لقد فهم الدين على هواه وتاجر به لمنفعته.
لقد كان قادة الجماعة من بينهم أحمد الإسكندرانى وحسن الهندى يذهبون إليه فى عيادته ويجلسون معه، ويقرونه على ما يفعل، حتى إذا جاء يوم ودخل عليه مفتش صحة يطلب التراخيص، فقال له: إنه سيحضرها له لأنها ليست معه الآن، قالوا له: إنهم سيحضرون غدًا لرؤية هذه التراخيص.
وأغلق هذه العيادة، وانتقل إلى عيادة أخرى، وترك الشقة التى كان يستخدمها فى الأول كعيادة للجماعة، فجعلت مقرًا لحزب البناء والتنمية بدمياط.
ألم يكن ما فعله الطبيب المزيف هذا منكرًا يجب تغييره؟!
ألم يكن اطلاعه على عورات الناس دون ترخيص حرامًا شرعًا؟
ألم يكن ممارسته التدليك للنساء والرجال حرامًا شرعًا؟
ألم يكن مدلسًا ومزيفًا وعلى منكر يجب تغييره؟
فلماذا سكتوا عليه؟ فلماذا لم ينكروا عليه إجرامه؟
الإجابة: إنهم ليسوا سوى تجار دين.
ليت هذا الأمر اقتصر على دمياط، لكان الأمر هينًا، ولكنه منهج تطبقه الجماعة فى كل المحافظات.
لقد رأينا أحد المقبوض عليهم بسبب قضية المحجوب وهو محمد حسان حماد، كان معتقلًا معنا، كان حاصلًا على دبلوم، وبعد أن تغيرت الأوضاع فى السجون بعد حادثة أبو زعبل من السعة إلى الضيق، ومن المعاملة الجيدة إلى حرب الإبادة من السجون القريبة إلى سجون الصحراء، رأيته فى مستشفى ليمان طرة مشلولًا طريح الفراش، وكان يسكن فى حجرة صغيرة بجوار عنبر المستشفى الكبير، وكنا ونحن فى عنابر السياسى نلتقى به عند الزيارة ونحمله على الكرسى المتحرك من الزيارة إلى الدور الثانى فى مستشفى الليمان، حيث عنبر المرضى السياسيين، واستمر على ذلك سنوات لم يغادر المستشفى إلى السجن الذى جاء منه، على عكس بقية المرضى السياسيين، وكان موجودًا فى الغرفة الصغيرة مع أخ مصاب بالشلل هو طارق العطيفى أحد أعضاء الجماعة المشتركين فى أحداث أسيوط عام 1981م، وعندما أصبت يومًا فى أثناء لعب الكرة، تم نقلى إلى المستشفى لأخضع للمتابعة لمدة أربع وعشرين ساعة، وفى العنبر السياسى فى المستشفى لاحظت شيئًا عجيبًا، كان هذا العضو لا يسمح لأحد بالدخول عنده فى الغرفة، فارتبت فى الأمر، وكان يصلى الصلوات الخمس قاعدًا، ويضع قسطرة للتبول فيها، لقد اكتشفنا أنه كان يمثل على الجميع أنه مشلول، وعلى الرغم من أنه سليم، ولم يكن يعلم بذلك سوى قيادات الجماعة بالليمان وضابط أمن الدولة بالسجن باسل حسن، الذى منع طبيب السجن من إعطائه مغادرة من المستشفى إلى السجن الذى جاء منه وهو سجن الوادى الجديد.
واستطاع هذا العضو أن يحصل على الثانوية العامة فى لجان، كان الغش فيها جماعيًّا تحت سمع وبصر الإدارة، بعد تفعيل المبادرة، أمره ضابط أمن الدولة أن يشفى من الشلل، فأصبح سليمًا، ودخل كلية الحقوق، ونجح فيها، وكانت الفترة ما بين عام 2000م، وعام 2006م انفراجة تعليمية حصل فيها كثير من أعضاء الجماعة على الثانوية العامة والكليات، وذلك بسبب لجان الغش الجماعى التى كانت تحت سمع وبصر إدارة السجون وبمباركتها، ورأينا كثيرًا ممن هم حاصلون على دبلوم يحصلون فى هذه الفترة الذهبية على شهادات جامعية.
نعود إلى هذا العضو الذى ما إن تمكن التيار الثانى فى الجماعة من إزاحة فريق كرم زهدى وناجح إبراهيم من قيادة الجماعة والانقلاب على المبادرة، حتى رأيناه متحدثًا إعلاميًّا باسم الجماعة.
إنه الولاء شرط الترقى، ما دام كان العضو طوبة، فهو لا غبار عليه، وإن دارت حوله الشكوك، وإن كذب ومثَّل وخدع، فكله جائز باسم الدين عندهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.