مثلى مثل غيرى ممن قرءوا مؤلفاته وكتبه عن الشخصية المصرية، من يشعرون أن سابق معرفة جمعتهم به.. معرفة على الورق.. وحين تطأ قدما أحد قرائه عيادته، يتضاعف الشعور بتلك العلاقة القديمة، والتى يؤكدها الرجل منذ الوهلة الأولى، إذ يشعر زائره بأنه «صديق مقرب»، بإزالته لجميع الحواجز والمسافات، وربما لسابق دراساته المستفيضة حول الشخصية المصرية، ما كان له دور كبير فى قدرته على مد جسور الألفة والمودة، باعتباره أحد أشهر الأطباء النفسيين فى مصر والعالم العربى.. الدكتور خليل فاضل، الذى كان له مع «الشروق» هذا الحوار، والذى رصد خلاله «تأثير الثورة على الشخصية المصرى»، وسعى للإجابة عن التساؤلات المتعلقة «سيكولوجية التصويت» فى الانتخابات البرلمانية المصرية. فاضل رصد كذلك «مكاسب وخسائر الثورة»، والسر وراء عدم شعور المواطن البسيط بنتائجها، وتناول بالشرح تحليل نفسية سوزان مبارك التى كانت تطمح فى الوصول إلى الحكم بنفسها عبر نجلها الأصغر. وتطرق إلى «القلق الإسرائيلى من نجاح الثورة المصرية»، مستشهدا بمقولة شهيرة لوزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق، موشيه ديان: «لو وقف المصريون فى طابور لركوب الأتوبيس، لمثّل ذلك تهديدا لإسرائيل».. فإلى نص الحوار.
● كيف ترى حالة الاستقطاب الشديدة الموجودة بين المصريين فى الانتخابات؟! هناك مجموعات صغيرة، أحدثت حالة الاستقطاب فى المجتمع.. والاستقطاب تم بين فئات وليس فى طبقات، وهى الفئات الخدمية كالطباخين وسائسى الجراجات والسائقين، هؤلاء فى الغالب صوتوا للتيار الإسلامى نكاية فى الليبراليين الذين يخدمونهم، فكل من هو فى وظيفة تخدم شخصا ليبراليا سينتقم منه بالتصويت لمنافسه حتى يسوده.. هذه هى سيكولوجية السيد والعبد، وأنا لا أقصد التقليل من أحد، ولكن أتحدث عن روح العبيد، فالتصويت للسلفيين والإخوان كان تنفيسا عن إحساس عميق بالذل والمهانة، والاحتقار من فئات أخرى فى المجتمع.
أنا لا أحب التعميم وكما قلت من يصنع الاستقطاب مجموعات صغيرة.. بصفتى متخصصا فى الشخصية المصرية، كتبت العديد من الأطروحات عنها، أنا «حاطط إيدى» فى أحشاء المجتمع المصرى عندى نماذج على سبيل المثال لا الحصر من العيادة، كرجل عصرى متطور يعمل مهندسا فى إحدى شركات الاتصالات ويسكن فى مكان راق جد.. هذا نموذج لمن أعتقد أنه ليبرالى، كنت أتصور أنه سيصوت للكتلة المصرية لكن فوجئت أنه صوت للحرية والعدالة، وهو مؤمن تماما أن هناك تغيرا ما جرى فى الوطن، ويجب إعطاء الفرصة.
الاستقطاب صناعة «دينية»
● من يصنع الاستقطاب؟! حالة الاستقطاب تأتى من أن هناك أناسا تعمل وتجتهد، فيما هناك أناس آخرون لا يعملون، جماعة الإخوان المسلمين برغم القمع والإقصاء والتهميش ومصادرة الأموال، إلا أنها كانت تعمل وتنتشر.. وبعد الثورة المهندس خيرت الشاطر، النائب الأول لمرشد الإخوان، درس التجارب الاقتصادية لدول حققت نهضتها وانطلقت، فيما المثقفون المصريون يتحدثون عن مدنية الدولة، دون أن يقولوا لنا كيف سيدافعون عن مدنية الدولة، وما هو برنامجهم للدفاع عن الدولة المدنية، فى بلد ملىء بالتناقضات.
وعلى فكرة.. الإخوان هم من حموا الثورة يوم الأربعاء الدامى، ومن يقول غير ذلك يغالط نفسه، فالتنظيم داخل الميدان، يختلف أثناء وجود أو عدم وجود الإخوان، وكميات الطعام التى كانت فى الميدان، أتى بها الإخوان المسلمون، أقول هذا الكلام وأنا يسارى.
أنا شخصيا أول مرة أشعر أننى من الممكن أن أكون متشددا عندما قرأت كلاما على «فيس بوك» مزعجا جدا كتبه أحد أقباط المهجر دائما ما يلجأ إلى تهويل الأمور، معترضا على تصويت الشعب للسلفيين والإخوان وإعطائهم الفرصة للحكم كى نجربهم، متسائلا: كيف نعطيهم الفرصة، وهم يحكمون مصر من أيام عمرو بن العاص؟!»، هذا هو ما يصنع الاستقطاب، لأننى عندما أقرأ هذا الكلام فورا أرفضه وأقول لا، لأن عمرو بن العاص لم يكن يدير البلاد كما كانت تدار فى العصر الحالى، الإدارة المعاصرة أسوأ بكثير جدا، وسيدنا عمر بن الخطاب اختار عمرو بن العاص لحكم مصر لأنه كان على دراية بمصر لأنه أتى لها كثيرا فى تجارته قبل الإسلام.
المتطرفون والمتعاطفون معهم
● على ذكر التناقضات بين علياء ماجدة المهدى فتاة الجامعة الأمريكية التى عرت نفسها ووضعت صورها على شبكة الانترنت، والمهندس عاصم عبدالماجد، المتحدث باسم الجماعة الإسلامية الذى رفض الظهور التليفزيونى مع هالة سرحان لأنها غير محجبة، كيف ترى مصر؟ مصر هى علياء المهدى وعاصم عبدالماجد وما بينهما، مصر كل هؤلاء.. المشكلة أننا لا نعرف أنفسنا، ولا نعرف الآخرين، فوجئنا بالسلفيين، ولا نعرف الأقباط، ونعرف الإخوان بعض الشىء، ونعرف أنفسنا بعض الشىء.
أنا أعرف علياء المهدى قبل أن تفعل ما فعلته، وبالتالى لم أستغرب ما قامت به، وعلياء لا تمثل مشكلة ولكن المهم من تعاطفوا مع علياء المهدى وجروبات « كلنا علياء مهدى».. المشكلة ليست فى عاصم عبدالماجد، ولكن المهم من أيّد وتعاطف مع عاصم عبدالماجد، هذا الأمر محتاج إلى دراسة، ولك أن تعلم أن عدد المتعاطفين مع الإخوان عشرة أمثال الأعضاء الفعليين فى الإخوان.
أبرز المدافعين عن علياء المهدى كانوا من الرجال، لأنهم كانوا مبسوطين برؤيتها، فيما رفضت السيدات تصرفها، لأن الرجل بطبيعته «وغد حتى يثبت العكس» لكن المرأة لديها الرغبة فى قهر المرأة، ولو من خلال الرجل، لو هناك ولد وثلاث بنات، تجد أمه دائما ما تقهر زوجته، لأنها تتعامل معه باعتباره امتدادا لها.
سوزان ثابت، زوجة الرئيس المخلوع، لم تكتف بحكم زوجها لمصر، وإنما أرادت أن تحكم هى مصر، ولما كان ذلك غير متوافر، دفعت بجمال مبارك، لأنه امتداد لها.. حملته فى بطنها، بعكس زوجها.
● كيف حللت ظهور السلفيين، والتصويت الانتخابى الكثيف لهم على الرغم من عدم وجود تمثيل سياسى سابق لهم؟ السلفيون كانوا موجودين فى تركيبة المجتمع المصرى، لكننا لم نكن لنرغب فى رؤيتهم.. السلفيون موجودون بكثافة منذ 1971، نتيجة الهجرة المصرية للخليج، وزاد تواجدهم ابتداء من حرب أكتوبر، كانوا موجودين فى الأرياف والنجوع والقرى، ولكن نحن لم نكن لنرغب فى رؤيتهم، والناخب صوّت لهم لأنه واثق أنهم لن يحكموا مصر بالطريقة الوهابية.
مرض «الثنائية» يصيب المصريين
● البعض منح صوته للسلفيين على الرغم من ظاهر التعارض بين أسلوبهم الحياتى والفكر السلفى، كأصحاب الكوافيرات الحريمى، وأصحاب المقاهى؟ هناك حالة فى الطب النفسى اسمها «ثنائى القطب»، وهو مرض لطيف جدا، المصاب به يكون لديه «قطب» من الهوس الشديد والمتعة والبهجة والثورة، والقطب الثانى هو الكآبة والرغبة فى الانتحار، وأشهر المصابين بها صلاح جاهين، كان يعلى قوى، ثم يكتئب جدا، ويموت.
على فكرة أنا أول مرة أستحضر هذا التعبير، بسبب سؤالك، وسأحكى لك قصة.. أحد مرضاى كان مصابا بثنائى القطب، وفى واحدة من جلسات «سيكو دراما» أخبرنى أنه عند سيره وفى يده سيجارة يدخنها، أقبل عليه ثلاثة سلفيين، وطلبوا منه باعتباره أخا فى الإسلام أن ينضم لهم، ويحفظ القرآن ويواظب على صلاته، وعندها أخبرهم أنه مدخن ولا يحب سماع القرآن، ولا يصلى، ومريض نفسى، ومن الممكن أن يقتلهم الآن، فروا هاربين منه، وعندما سألته عن إحساسه وهم قادمون عليه أجاب: «كنت مبسوط قوى، لأنى شوفت النور فى عينيهم».. هذا هو التناقض الذى أتحدث عنه، وهو سر جمال ثنائى القطب.
● كيف تلقيت النكت التى انطلقت فجأة بعد نتائج الانتخابات واكتساح التيارات الإسلامية لها؟ فرويد أول من أرّخ للعلاج النفسى بالنكتة، وإطلاق النكتة عمل عبقرى، هى نوع من التنظيم الذاتى للنفس كى لا تقع ويذبحها الاكتئاب، وكما تعلم المصريون يعانون من اكتئابات وليس اكتئابا واحدا، النكت شىء إيجابى، فالمصريون نكتوا كثيرا بعد النكسة وبعد ثورة يوليو، وبعد كل حدث جلل فى حياة المصريين تنطلق النكات.
● بعد عشرة أشهر من الثورة وعدم إنجاز الكثير من أهدافها، كيف ترى علاقة المصريين بالوقت؟ اختلف مع عدم تحقيق الثورة للكثير من أهدافها.. الثورة حققت أشياء كثيرة، لكن المصريين حتى الآن لا يصدقون أنهم أسقطوا وخلعوا حسنى مبارك.. الشعب كسر أغلاله وحطم قيوده، وخرج من إطار الخوف.
ولكن أسوأ ما فى الثورة المصرية هو تضييع وقتها، والأمر متعلق بشيئين، هما الإرادة والإدارة، فالمدير لدينا فى مصر، فظ وعنيف فى التعامل مع الموظفين، أو متساهل إلى أبعد الحدود،والمصرى بطبيعته «ما عندوش» احترام للوقت، المسألة برمتها تحتاج إلى إعادة تثقيف ووعى، وترتيب الأولويات الأهم فالمهم فالأقل أهمية.
الثورة حدث مفصلى
● هل ستغير ثورة يناير الشخصية المصرية، وكيف؟ لا أستطيع تحديد مسارات تغيير الشخصية المصرية بعد الثورة، ولكن أنا متفائل أنها ستسير فى اتجاه الخير، والشخصية المصرية دخلتها الكثير من التحولات بعد كل حدث جلل فى حياة المصريين، كالنكسة وحرب أكتوبر.
بعد حركة الضباط فى عام 1952، كان هناك حدث مفصلى فى حياة المصريين وهو نكسة 67، وقامت الدنيا ولم تقعد بالنسبة للمصريين، وبالرغم من حالة الجلال والكبرياء التى شعر بهما المصريون بعد حرب أكتوبر إلا أنها «ما قدرتش تقوم» النفسية المصرية بعد انكسارها، واستمر المصريون فى حالة الانكسار إلى أن جاء 25 يناير، و11 فبراير، أنا رأيت «شرقة» الناس للشمس وللفرحة وللأغنية وحب الموت والاستشهاد، وهذا ما ذكره حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، وأحمد رمزى، مدير الأمن المركزى سابقا، أن المتظاهرين كانوا يسيرون فى «جحافل»، لأن الناس كسرت أغلالها وقيودها وخرجت من الخوف.
● لكن الجيل الذى قام بالثورة لم يعاصر النكسة؟ من ولد بعد النكسة عاش أجواء النكسة، من رخاوة النفس وحكم العجائز، وترهل الروح، وسيطرة الفاسدين، وتحالف رجال الأعمال مع ضباط مبارك الأمنيين، لاغتيال اقتصاد الوطن هذه هى أعراض النكسة.
كان هناك فرصة لأن يكون فى مصر حياة ديمقراطية حقيقية عام 1975، وللأسف فشلت لأن العسكر لا يعرفون كيف يؤسسون لديمقراطية، والفرصة الحالية بعد ثورة يناير، لو لم نستغلها بشكل جيد، علينا أن ننسى مصر.
ولكن مصر لا تُنسى لأنها مذكورة فى القرآن الكريم، ومصر بوضعها الإقليمى والعالمى والتاريخى والجغرافى، ووضعها الجينى أيضا.
● ماذا تقصد بوضعها الجينى؟ هناك عالمة مومياوات أمريكية الجنسية، رصدت فى دراسة لها أن نسبة التوافق الجينى بين المومياوات المصرية 85 %، كنا أقباطا وكنا رومانيين، ثم جاء نابليون ورحل، واستعمرنا الانجليز ما يقرب من قرن من الزمان، وجاء الأتراك أيضا، ولكن الشخصية المصرية «شفطت» كل هؤلاء، نحن بلعنا فى أحشائنا كل هؤلاء، وقادرون على إعادة صهر شخصية جديدة جدا.
الشخصية المصرية ما زالت تتشكل
● ما أبرز ملامح الشخصية المصرية بعد ثورة يناير؟ ملامح الشخصية المصرية الجديدة «موزاييك ملخبط» ( فسيفساء) لم يتم تشكيله حتى الآن بشكل صحيح، وتحتاج إلى بعض التعديلات، ولكن ستتشكل شخصية جديدة تماما لديها طموح جامح، ورغبة شديدة فى السيطرة على المنطقة بأكملها، وهو سبب رعب بعض الدول المجاورة، كإسرائيل والسعودية، وأنا لا أساوى بين السعودية وبين إسرائيل، بالعكس أنا أرى أن السعودية أكبر خطرا على مصر نظرا لأنهم لا ينسون حتى الآن أن إبراهيم باشا، نجل محمد على دخل إلى عمق بلادهم وذبحهم.
إسرائيل لديها قلق شديد جدا من الثورة المصرية، موشى ديان قال من زمن «لو وقف المصريون فى طابور منظم لركوب الأتوبيس ستكون إسرائيل فى خطر».
● الكثير من الناس كانوا يصوتون للحزب الوطنى (المنحل) فى السابق، والآن يصوتون لحزب الحرية والعدالة، هل الأمر له علاقة بثقافة القطيع؟ جزء منه ثقافة قطيع، وجزء متعلق بالرغبة فى إيذاء النفس، من بعض من كانوا يصوتون للحزب المنحل، وجزء آخر صوت للإخوان باعتبار أنهم «كدا أو كدا» سيصلون للحكم، والتصويت لهم يعطيه إحساسا أنه جاملهم عندما يصلون للحكم.
العسكرى لم ينجح فى اختبار الشعب
● لماذا تحول الشعب من الاحتفاء بالجيش والتلاحم معه بالهتاف الشهير «الجيش والشعب ايد واحدة» إلى الهتاف ضده «قول ما تخافشى المجلس لازم يمشى»؟ الشعب اختبر المجلس العسكرى، والعسكرى لم ينجح فى الاختبار، ثورتنا ثورة بين قوسين، فلواءات الجيش هم من سمحوا لبلطجية موقعة الجمل بالدخول إلى ميدان التحرير، وهناك قيادات إعلامية «ذكرت أسماؤها» كانت تعلم بموقعة الجمل، وسحبوا المراسلين العاملين معهم من الميدان قبل الأحداث بساعة ونصف.
● كل الناس تعرف أن لواءات الجيش هم من أدخلوا الجمل والحصان إلى قلب ميدان التحرير، ثم يأتون بعد ذلك لمحاكمتهم، «طيب إزاى»؟ فى بداية الثورة.. أبراج الدبابات كانت موجهة إلى ميدان التحرير ثم بعد ذلك حادت عن الميدان، إلى أن رجعت إلى الاتجاه المعاكس، فالمجلس العسكرى حمى نفسه، لأن الناس لو كانت وصلت إلى مبارك، كانت طالت المجلس العسكرى، لا أحد ينكر أننا قمنا بثورة، لكنها ثورة بين قوسين، كما قلت.
أنا أعرف الكثيرين فى القوات المسلحة وأعالج مرضاهم، ولى أقارب كثيرون فى القوات المسلحة، المجلس حمى نفسه وحمى مصالحه السياسية والاقتصادية.
● هل من تفسير للإقبال الكثيف على التصويت فى المرحلتين الأولى والثانية فى الجولة الأولى، ثم ضعف الإقبال فى جولة الإعادة؟ الشعب صوت بكثافة ووقف فى الطوابير لإحساسه أن صوته له قيمة وله أهمية، ولن يتم تزويره، وكنوع من التجربة واختبار نبض الحياة الجديدة، والناس كانت تتساءل هل سيجدون أسماءهم أم لا، هل سيكون هناك نظام أم لا، هل ستسير العملية بسلاسة أم لا، والأهم هل المجلس العسكرى صادق أم لا، وضعف الإقبال فى الإعادة سببه أن الشعب جرب، جرب عطر الأرض، ورائحة الخبيز، ووجد النضارة التى كان يبحث عنها.
مصر خالية من الأزمات الطائفية
● هل توجد أزمة طائفية فى مصر؟ للعلم لا توجد فى مصر أزمة طائفية، هناك فقير مسلم وفقير مسيحى، وغنى مسلم أو مسيحى، وهؤلاء يقهرون الطرف الأول، لأنهم لا يطيقون الناس، وفى العيادة على سبيل المثال يكون المرضى متقبلين تماما لبعضهم البعض، ولكن الأغنياء عندما يجيئون لا يتقبلون الناس ولا يتقبلونى أنا أيضا لولا احتياجهم لى كطبيب معالج، ولو تمكنوا كانوا حجزوا العيادة بأكملها لحسابهم، لأنهم يرفضون أن ينتظروا كما باقى الناس، وهذه ليس لها علاقة بالطائفية.
وللعلم أنا رفضت علاج هشام طلعت مصطفى فى السجن، بعد إصابته بالاكتئاب إثر الحكم عليه بالإعدام، لإدانته بقتل المطربة اللبنانينة، سوزان تميم.
● ما أبرز المشاهد التى لا يمكن أن تنساها فى ميدان التحرير؟ كانت هناك سيدة جاءت من أسوان تلبس عباءة سوداء، تجلس على صخرة تنتظر ابنها المعتقل منذ 18 سنة، مطالبة بحقها من الرئيس المخلوع مبارك، ووجدت شابا يبدو على مظهره أنه من الزمالك أو مصر الجديدة، من ملابسه وطريقة تصفيفه لشعره، وجلس بجانبها واستمع لحكايتها واحتضنها، وهى لم تعارض باعتباره رجلا أجنبيا عنها، وحرام عند الله وعند الإخوان والسلفيين، وهو لم يكن «قرفان» منها، لأن ملابسها متسخة ورثة لأنه كان هناك هدف واحد تجمعت وتضافرت كل الجهود واتفقت عليه، لكن مثلا فى العيادة عندما يكون هناك مرضى من طبقات مختلفة تجدهم بعيدين عن بعض حتى فى انتظار الدور.
وبعد الثورة مباشرة لاحظت من مرضاى أن هناك إقبالا على الحياة حتى ممكن كانوا يعانون من فتور فى الرغبة الجنسية، عادت إليهم الروح والتوهج والأمل، وأقبلوا على زوجاتهم، فالثورة عالجت الضعف الجنسى لدى بعض الناس، لأن الحياة كانت روتينية وليس فيها حمية، وأصبحت المرأة قبل الثورة كالبطيخ البايت، ولكن الثورة أفرزت حالة من النشوة العامة بسبب هرمونات السعادة التى أفرزها الجسم، وإحساس الناس أن السرقة ستتوقف، وستعود الحقوق إلى أصحابها.
إدمان الميدان
كما أن هناك بعض الشباب أدمنوا «ميدان التحرير «وقابلت شبابا يعانى من اكتئاب ما بعد التحرير، لارتباطه النفسى والعضوى بالميدان ورائحة الغاز المسيل للدموع، ورائحة البارود، ورسوم الجرافيتى على الحائط والجنود والدبابات، واللجان الشعبية، بعد انتهاء الثورة عاد إلى نفسه ولم يجد الزخم الذى كان يجده فى الثورة، وأصبح الآن كمن يهندس المجهول.
كما جاء لى الكثيرون ممن تأثروا بالأحداث وتولدت لديهم رغبة فى أن يكونوا رؤساء جمهورية ويحققوا نهضة لمصر كما فعل رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركى، بل إن بعضهم أراد أن ترتدى زوجته الحجاب كما حجاب زوجة أردوغان.
أما أسوأ ما فى الثورة فهو المنصات التى كانت فى قلب الميدان، فهى حولت الميدان إلى مولد، وعندما قلت هذا الكلام غضب منى الكثيرون، وكنت أقصد أن الثورة «مولد» بمعنى أن تلد الشىء وبمعنى أنها تحولت إلى مولد شعبى، فيه باعة الترمس، والشاى، ومن يغسلون وينشرون ملابسهم.