إذن هكذا تسير الأمور، يلقى شخص ما طوبة فى ماء الحياه الراكد فيستيقظ بداخل أشخاص آخرين حلم راقد فيهرعوا للحاق بزمن راكض لا ولم ولن ينتظر أحد. إلا أن السؤال يظل دومًا هو: هل سيستطيع أى أحد فعل أى شىء لتغيير أى حاجة بدون أن يتغير هو نفسه أولاً؟ ذلك هو لُب المسألة وتلك هى زتونة الموضوع، أنت مركز الكون ومنك تنطلق إشعاعات الأحداث وعلى أساس حركاتك تتحدد إحداثيات التغيير، ولا تغيير خارجى بدون تغيير داخلى، تلك هى القاعدة الرئيسية التى على أساسها يمكن أن يحدث أى شىء يخص أى حاجة. لهذا لم يعد هناك ما يثير العجب فى تلك الحالة الكوميدية الجارى حاليًا عرضها على مسرح الوطن بنجاح منقطع النظير، حيث كُلُّه بيشتم فى كُلُّه، وكُلُّه بيتريق على كُلُّه، شتيمة لوجه الشتيمة وتريقة من أجل التريقة، من تهكموا على «حمدين صباحى» بالأمس لتردده فى خوض سباق الإنتخابات الرئاسية هم أنفسهم من تهكموا عليه لإعلانه خوض نفس السباق، ومن شعروا بالإحباط لعدم ترشحه هم أنفسهم من شعروا بالإحباط لإعلان ترشحه، المهم أن تظل هناك مادة جديدة وأخبار جديدة للسخرية منها على «فيسبوك» و»تويتر» مع الأصدقاء و»الفولوورز»، حيث أنه بدون أخبار مافيش إفيهات وبدون إفيهات لا توجد حياه فى مصر، حيث أثبتت التجربة العملية المعملية المنيلة بستين ألف نيلة التى نحن بصددها منذ سنوات أن المصرى الحقيقى لا يستطيع مواصلة حياته بدون إفيهات، فالإفيهات هى العمود الفقرى لأيامه التى باتت كوميدية حد التعاسة، والتهريج هو قوام حياته التى يعتقد أنه لو أخذها بجد وعلى صدره فإنه لن يتحمل كل هذا القدر من العبث الحياتى وسوف يطق ويموت. وبصرف النظر عن مدى ما تتصف به تلك الطريقة فى الحياه من حكمة، إلا أن المشكلة تحدث عندما تتحول الحياه بأكملها إلى إفيه كبير ومتواصل، إفيه مالوش نهاية (زى مستر إكس) حيث ينبغى فى وقت من الأوقات أن يقف كل بنى آدم منا مع نفسه قليلاً، ويتوقف عن إلقاء الإفيهات عمال على بطال على اللى يستاهل واللى ما يستاهلش، فالحياه وإن كانت فى الأساس عبارة عن إفيه كبير، إلا أنها فى الوقت نفسه تستحق منا بعض الجديّة أحياناً، تستحق منا بعض اللحظات من التأمل الذاتى والتفكير العميق فى أنفسنا، فى ما الذى نريده من تلك الحياه، وهل نحن على الطريق الصحيح الذى يمكنه أن يصل بنا إلى مُبتغانا وغايتنا، أو حتى على مشارف الطريق، مش الطريق نفسه؟ أنتم منشغلون الآن بالتفكير فى البلد، وتحلمون بتغييرها للأفضل، جميل جداً، إلا أنكم بدون الإنشغال بالتفكير فى أنفسكم قليلاً من أجل تغييرها للأفضل، لن تستطيعوا تغيير أى شيء، سواء للأفضل أو حتى للأسوأ. تعرفوا على أنفسكم قبل أن تتعرفوا على برامج المرشحين، ضعوا برنامج حياتكم الخاص لكى تستطيعوا إختيار برنامج حياة البلد العام، أنتم بدون عقولكم وبدون نضجكم وبدون تعلمكم من أخطائكم السابقة غير مؤهلين للإختيار، حيث أن الإختيار يقتضى التفكير وبذل الجهد فى تحليل المشهد والتعرف على أبعاده الكاملة واستبعاد كافة مشاعر المراهقة الفكرية والنفسية والسياسية، فكرة الإختيار فى حد ذاتها مرحلة من مراحل عملية معرفة النفس التراكمية، فكل شخص هو حصيلة إختياراته، إختياراتكم هى أنتم، وإذا لم تتعلموا من اختياراتكم الخاطئة وتماديتم فى الهرتلة سوف تختاروا غلط تانى، وسوف تسمحوا لذلك الفيلم البايخ بأن يعيد نفسه مرة أخرى، والفيلم البايخ هنا ليس تكراراً لأحداث بعينها بقدر ما هو تكرار للنسق الذى سارت عليه الأحداث حتى تصل لنقطة معينة. لهذا، فلتنتظروا إعلان قائمة المرشحين النهائيين وإعلان هؤلاء المرشحين لبرامجهم التى أعلم وتعلمون ونعلم جميعًا أنها ليست فى النهاية سوى حببر على ورق، مجرد حبر على ورق، أنتم –وليس المرشح الذى ستختارونه- القادرون على تحويله إلى حقيقة، والطريق إلى ذلك لا يعتمد على معرفتكم لبرامج المرشحين بقدر ما يعتمد على معرفتكم لأنفسكم. حددوا إنتوا مين قبل أن تحددوا حتدوا صوتكو لمين. إذن، هكذا تسير الأمور، يلقى شخص ما طوبة فى ماء الحياه الراكد فيستيقظ بداخل أشخاص آخرين حلم راقد فيهرعوا للحاق بزمن راكض لا ولم ولن ينتظر أحد. إلا أن السؤال يظل دوماً هو: هل سيستطيع أى أحد فعل أى شىء لتغيير أى حاجة بدون أن يتغير هو نفسه أولاً؟