شوف يا ابن عمي، وافتح أضانك (1) واسمعني، لنتفق أولاً علي أن كل بلد فيه وزارة إعلام هو بلد أهطل وغبي والذي أوله شرط آخره نور بالصلاة علي النبي. وأشعر أن كلمة «وزير الإعلام» هي شتيمة قبيحة، وكأنك تقول «وزير الغباء» أو «وزير الهبل». هكذا أري الوضع، وكلّ حر في عينه وفي نظرته. ومعرض الكويت للكتاب يجلس الآن خلف الكواليس، يضع لمسات الماكياج الأخيرة، استعداداً للظهور علي خشبة المسرح. وهو معرض كلما مرّ ذكره وجاءت سيرته أطرقنا خشوعاً وتمتمنا «البقاء لله»، أو «لا أراكم الله عزيزاً في مكروه» علي رأي إحدي «مثقفات» الكويت. هو معرض هجره الناس والأدباء، فتحزّمت أسراب الذباب ورقصت في فنائه علي واحدة ونص، وشيّدت في سقفه العناكب أبراجها الشاهقة وتطاول تجّارها بالبنيان، بعد أن قرر وزير الإعلام الكويتي، الشيخ أحمد العبد الله - حفظه الله - عن أعين المارة وعبث الأطفال ومقالات الكتّاب السلاتيح - وهو رجل مبدع، أداؤه السياسي كدرجة الحرارة في سيبيريا - منع كل ما من شأنه إغضاب مصر، كما يعتقد، ليش؟ الله أعلم، إذ منعَ كتب محمد حسنين هيكل وفهمي هويدي وجلال أمين والغيطاني وآخرين تنتشر كتبهم علي أرصفة مكتبات مصر. والكتب أدب، ونحن الكويتيون علينا أن نعلّم المصريين الأدب، علي اعتبار أنهم قليلو أدب، يسمحون لهيكل وهويدي والقعيد وأسامة غريب والمبدع المخلوق من العسل خيري شلبي وآخرين بتأليف الكتب ونشرها. وكنا قد علّمنا المصريين الوطنية عندما طردنا المتظاهرين المؤيدين للبرادعي، هكذا كطرقعة أصبع، وبدون حكم قضائي ولا هم يحزنون، في حين تسمح مصر لهم بالتظاهر، لكن نعمل إيه، قدرنا أن نربّي مصر والمصريين ونعلّمهم الأدب والوطنية، ونضربهم علي ظاهر أيديهم «عيب اختشي إنت وهوّه». الكويت التي كانت تنثر «مجلة العربي» كالورود الملونة في سماء الوطن العربي، الكويت بلد المسلسلات التليفزيونية الخالدة «درب الزلق» و«الأقدار» و«خالتي قماشة» التي كان يتابعها أهل اليمن والشام والمغرب العربي قبل عقدين وثلاثة، ويصفقون لنا وقوفاً وعلي جنوبهم وجباههم وظهورهم، الكويت بلد المسرحيات السياسية الحارقة «باي باي لندن» و«باي باي عرب» و«دقّت الساعة» و«حامي الديار»، الكويت الفاتنة ذات الرموش الكسلي والابتسامة الخجلي، ها هي تودّع ثقافتها وتاريخها وإبداعها كما تودّع الأم وحيدها المغادر إلي الجبهة. يالله معلش. كابوس وسيزول، والحمد لله أن معرض الكتاب هذه السنة مليء بالكتب التي تتحدث عن تفاسير الأحلام والكوابيس، لا يزاحمها إلا كتب السمنة «تعلمي القضاء علي السمنة في ستة أشهر»، وغيرها من الكتب التي تدفعك إلي العطس والنحيب. ولهذا، أعلن الأديب السعودي «عبده خال» صاحب رواية «ترمي بشرر» الفائزة بجائزة بوكر، مقاطعة المعرض احتجاجاً علي منع كتب بعض مثقفي مصر، لكن ولا يهمنا، إن شاء الله يقاطع بضائعنا وصناعاتنا (الكويت تصنع البسكويت المالح والعادي، ولدينا وزير هو وزير التجارة والصناعة، أي وزير التجارة والبسكويت)، وإن شاء الله يُضرب عبده خال عن الطعام، ولا يهمنا، المهم ألا يقطع أحد نومة معالي الشيخ أحمد العبد الله أو يعكنن عليه. وبمناسبة قرب افتتاح معرض الكتاب «بدّي أستغنم هاي الفورسا» (2)، كما تقول مذيعة إف إم اللبنانية «غريس»، التي تقسم للمستمعين يومياً «أني مش مجوّزي ولا مرتبطي برجّال، وما حدا عم يسدّقني ها ها ها»، وعندما سألها أحد المستمعين عن أمنيتها أجابت «انو تئطع الكهرباء وتعتّم الدني (الدنيا) ووائل كفوري حدّي، ها ها ها»... المهم، بمناسبة قرب افتتاح معرض الكتاب أقول: «فكرة إقامة معارض للكتب في الوطن العربي فكرة غبية بجدارة واستحقاق»، إذ لم يعد أحد من القراء العرب، وهم قلة أساساً، يهتم بقائمة الممنوعات والمسموحات، كما كنا نفعل في السابق، أو «الصابق» كما يقول أهلنا في جنوب السعودية الذين يعتبرون الجيب واحداً بين السين والصاد. وكل من يريد اليوم كتاباً سيحصل عليه وهو في فراشه يلاعب أبناءه أو يداعب أمهم. خلاص، شركات البيع عبر الإنترنت تجلب لك النوق العصافير دون أن تحارب جيش ملك الحيرة النعمان بن المنذر كما فعل عنترة بن شداد العبسي، فتوّة العرب الأشهر، وجدّ زميلنا السوداني الساخر الجميل «جعفر عبّاس». ويا أيها المصريون، بمثقفيكم وأدبائكم وبصلكم وثومكم وقثائكم، تعلّموا الأدب، فالشيخ أحمد العبد الله مش فاضيلكم... هوف. أضانك: أذنك باللهجة السودانية، ويعادلها بالكويتي «أذونك». فرق عملة. بدّي استغنم هاي الفورسا: أريد أن أغتنم هذه الفرصة، كما في لغة لبيد بن الربيعة، الله يلعن أبا لبيد ويحفظ أبا «غريس»، الرجل الكُمّل. الدستور