· الجنرالات أشعلوا حربا أهلية بين القوي القريبة من الثورة.. ويريدون كسب الوقت لترشيح رئيس لايستثير غضب الأمريكيين والإسرائيليين أتصور أن جنرالات المجلس العسكري يخونهم ذكاؤهم، وعدد غير قليل منهم تحوطه علامات استفهام، وعلامات تعجب، بعضها ممتد بطول المسافة بين الأرض والسماء. وقد اضطر المجلس العسكري للتضحية بالجنرال المتقاعد سيد مشعل، أخرجوه من وزارة الإنتاج الحربي في النسخة المعدلة لحكومة عصام شرف، وهو واحد من فلول جماعة مبارك، لكن أحدا لا يعلم ماذا جري في التحقيق مع مشعل؟، وقد سبق أن حولوا ملفه من النيابة العامة إلي النيابة العسكرية، ودون أن نعرف السبب بالضبط؟ وهل بدأ التحقيق من أصله؟ أم أن القصة طويت أوراقها، وشملت الحماية أصحابها، خاصة أن مشعل علي علاقة طيبة بالجنرال ممدوح شاهين، والذي يتصور نفسه فقيها دستوريا، ويقدمونه للإعلام كما لو كان متحدثا رسميا باسم المجلس العسكري؟! ومن التفاصيل المثيرة للريب، وإلي طريقة حكم المجلس العسكري، وطريقة إدارته للمرحلة الانتقالية، لا تبدو النوايا خالصة ولا التصرفات داعية للثقة، فلا أحد يسمع، ولا أحد يريد أن يتعلم، ومطابخ القرار في مكان مجهول، ومستشارو السوء يزينون الخطيئة بحق الثورة، وبحق شهدائها، وبحق المصابين الذين سكنت الرصاصات المطاطية عيونهم، فقدوا نور العين علي أمل أن يري هذا البلد طريق النور. فللمرة التي لا تعد، يختبيء جنرالات المجلس العسكري في اجتماعاتهم الغامضة، ويتركون لنا وجه اللواء شاهين في مؤتمراته الصحفية المقبضة، وفي أحاديثه المستفزة، وبين يديه نصوص القضاء المستعجل للجنرالات، وعلي طريقة قانوني مجلسي الشعب والشوري، واللذين صدرا علي طريقة قراقوش، وكأوامر تحكمية لا تحتمل النقاش، ولا تبالي بنقاش طويل عريض جري في أوساط السياسة كلها، واتفقت فيه الأحزاب - بما فيها الإخوان - علي قانون انتخابات بنظام القوائم النسبية غير المشروطة، وعلي رفض عودة نظام الانتخاب الفردي، ثم اجتمع الفريق سامي عنان مع ممثلين لأحزاب أغلبها من النوع الكارتوني، وطمأن الجميع علي أخذ الآراء كلها في الاعتبار، ثم صدر القانون فجأة، وبدون سابق إنذار، وقرر الأخذ بنظام انتخابي غاية في التعقيد، يربك الناخبين، ويبتذل نظام القوائم النسبية، ويحجز للنظام الانتخابي الفردي نصف المقاعد، وبدلالات ظاهرة لا تخفي، وهي الرغبة في الإفساح لرجال حزب الرئيس المخلوع من مرشحي المال والبلطجة والعصبيات، فقد أجمعت قوي الثورة والأحزاب علي نظام القوائم النسبية، بينما أراد المجلس العسكري أن يحجز نصف مقاعد البرلمان المقبل لحزب مبارك المنحل بأمر القضاء الإداري. وكأنما يريد الجنرالات أن يدخلونا في المتاهة مجددا، خاصة أن دورهم لن ينتهي مع نهاية الانتخابات البرلمانية، وستظل لهم صلاحيات الرئاسة في الإعلان الدستوري ، وهي صلاحيات شبه إلهية، لا تلزمهم في الأخذ بشيء من نتائج الانتخابات التي لا تعجبهم، فلا إلزام باختيار الحكومة من أعضاء الحزب الفائز، أو من ائتلاف سياسي قد يخوض الانتخابات، فحق المجلس العسكري وكما كان حق مبارك - مطلق من أي قيد انتخابي، ولهم الحق في اختيار رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم وإقالتهم عند اللزوم. والمحصلة ظاهرة في البرلمان الانتقالي الذي يعدون له، فهم يريدون كتلة من جماعة مبارك منتخبة بالنظام الفردي، وإلي جوار كتلة لجماعة الإخوان وأحزاب المعارضة الموروثة عن عهد مبارك، وعلي طريقة تيسر لهم حكما مريحا، وتأجيل انتخابات الرئاسة إلي الوقت المختار، حين تتوافر الظروف لاختيار مرشح يريدونه، ولا يستثير غضب الدوائر الغربية والخليجية إياها. هل نسيء الظن بجنرالات المجلس العسكري؟، وهل نتخوف أكثر من اللازم؟، كنا نتمني أن نحسن الظن ، وأن تحل الثقة محل الريب، لكن لا شيء يطمئن، والذي يراجع ما جري إلي الآن، ويبتعد عن التفاصيل المسكونة بالشياطين، ويلتفت إلي المغزي العام، الذي يفعل يجفل، فقد كانت ثورة يناير صدمة هائلة للأمريكيين والإسرائيليين والسعوديين، وكان القرارالمشترك ظاهرا بدلالة حوادث تلاحقت، كان القرار هو احتواء العاصفة، ووضع الفيل في منديل، وتشديد الضغط في الكواليس، وقد طالبنا المجلس العسكري بإذاعة التفاصيل ومصارحة الشعب المصري، لكنه لم يفعل، وتعامل مع الثورة كأنها عورة، قد يصح اخفاؤها، أو تجاهلها بالجملة، كانت تعهدات المجلس العسكري ملزمة حرفيا، فقد تعهد بالالتزام بمطالب الثورة، والعمل في ظل شرعيتها النافية لنظام مبارك بالجملة، لكن الجنرالات خرجوا عن شرعية الثورة مع أول تصرف، كانت شرعية الثوة تلزمهم بإلغاء الدستور، لكنهم لجأوا إلي التعطيل الموقوت والانتقائي، ثم دعوا إلي استفتاء علي التعديل لا التبديل، ثم ألغوا نتائج الاستفتاء عمليا بإصدار الإعلان الدستوري الثاني، وأشعلوا حرب التقسيم بين القوي القريبة من الثورة، وأنشأ بعضهم إئتلافات شباب غامضة المصدر، وصوروا الثورة علي أنها الفوضي، تجاوبوا مع مطالبها أحيانا علي طريقة ما جري مع جمعة 8 أبريل2011، وتجاهلوا مطالبها بالجملة علي طريقة ما جري مع جمعة 8 يوليو2011، وقذفوا بكارت التقسيم والحرب الأهلية مجددا مع نص غامض عن المباديء الحاكمة لتشكيل لجنة الدستور، ثم قذفوا بالكرة الملتهبة في صورة قانون الانتخابات الصادم، والذي يعطي نصف الكعكة لجماعة مبارك، ويستبقي النصف الآخر لآخرين أهمهم فصائل اليمين الإسلامي، ورغم أن جماعة الإخوان شاركت في صياغة قانون القوائم النسبية، والذي رماه جنرالات المجلس العسكري في أقرب سلة مهملات، إلا أن الجنرالات يعرفون بقية القصة، وتماما كما نعرف، فسوف يتراجع الإخوان عن رفض قانون المجلس العسكري، ناهيك عن اتجاهات سلفية سعودية الهوي، كانت سندا لنظام مبارك، وتستعد للعب الدور نفسه حسب التوجيهات، ومع انسحاب الإخوان المتوقع من معسكر الرفض، يستعد آخرون للانسحاب، وطبقا لاتفا كواليس سبق صدور القانون المرفوض، وهكذا تتم الصفقة، ويكسب المجلس العسكري جولته، ويفسح المجال لقوي الثورة المضادة، للوجود والتحدث باسم الثورة نفسها، وتبقي سلطته قائمة حتي إشعار آخر يجيء في الوقت المتفق عليه. هل تبدو الصورة مثيرة للقلق؟، نعم، بل وداعية لما هو أكثر من القلق، فما يجري - بالدقة - هو إعادة ترميم نظام مبارك، وباختياراته الاساسية في الاقتصاد والسياسة والثقافة، وبإضافة وحيدة هي النفوذ الأكبر لتيار اليمين الإسلامي، ودون تمكينه من رقبة السلطة، والخطة تمضي، بينما تغرق الثورة في التفاصيل، ويجري إنهاك قواها في اعتراضات متفرقة، والحل شيء آخر، الحل أن نحارب بالجملة لا بالقطعة، وأن نسقط كل اعتراف بشرعية ما يجري، فالشرعية ليست لجنرالات المجلس العسكري، بل الشرعية للثورة وللقطيعة التامة مع نظام مبارك، الشرعية لإجراءات عاجلة لا تقبل القسمة، الشرعية لجمعية تأسيسية منتخبة تصوغ وتقر دستورا جديدا بالكامل، والشرعية قبلها لإجراءات كنس النظام القديم بالجملة، الشرعية لتغيير جوهري في أساس محاكمات مبارك وعصابته، ليس فقط بضمان علنية المحاكمات، ولكن أولا بتفعيل قانون جريمة الغدر الذي صدر عقب ثورة 23يوليو1952، أو الإصدار الفوري لتشريع يجرم الفساد السياسي، وجعله أساسا للمحاكمات كلها، وعلي أن تتم المحاكمات بقضاة طبيعيين مدنيين، وبضمانات الدفاع كلها، وبغير استثناء لأحد عسكرياً كان أو مدنيا، والشرعية الثورية تعني الإصدار العاجل لقانون السلطة القضائية، وتطهير الجهاز القضائي من عملاء جهاز مباحث أمن الدولة، وتعيين نائب عام جديد من قبل مجلس القضاء الأعلي، والشرعية الثورية تعني الإصدار العاجل لقانون عزل سياسي لا يستثني أحدا، من قادة حزب الرئيس المخلوع المنحل، ونزولا إلي مستوي لجان الأقسام والمراكز، والشرعية الثورية تعني تطهير الوزارات وجميع إدارات الدولة، وإنهاء خدمة المستشارين، ووضع حد أقصي للأجور مع تقرير الحد الأدني، والشرعية الثورية تعني استكمال تطهير وزارة الداخلية، وبناء جهاز أمن جديد من نقطة الصفر، والشرعية الثورية تعني وقفا تاما لتصدير الغاز لإسرائيل والإلغاء الفوري لاتفاق الكويز. والإجراءات المذكورة هي الحد الأدني لبرنامج ثورة، وأمام جنرالات المجلس العسكري واحد من طريقين، فإما أن يقبل بهذه الإجراءات كلها، وأغلبها وارد في قصة مبارك