بسبب سوء الأحوال الجوية.. قرار هام حول موعد الامتحانات بجامعة جنوب الوادي    ننشر المؤشرات الأولية لانتخابات التجديد النصفي بنقابة أطباء الأسنان في القليوبية    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    قبل عودة البنوك غدا.. سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 27 إبريل 2024    مصر ستحصل على 2.4 مليار دولار في غضون 5 أشهر.. تفاصيل    صندوق النقد: مصر ستتلقى نحو 14 مليار دولار من صفقة رأس الحكمة بنهاية أبريل    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    بالصور.. رفع المخلفات والقمامة بعدد من شوارع العمرانية    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    جماعة الحوثي تعلن إسقاط مسيرة أمريكية في أجواء محافظة صعدة    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل    شهداء وجرحى جراء قصف طائرات الاحتلال منزل في مخيم النصيرات وسط غزة    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    قطر تصدر تنبيها عاجلا للقطريين الراغبين في دخول مصر    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    تصرف غير رياضي، شاهد ماذا فعل عمرو السولية مع زملائه بعد استبداله أمام مازيمبي    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    نداي: أهدرنا العديد من الفرص ضد دريمز.. والجماهير تنتظر وصولنا لنهائي الكونفدرالية    كولر: النتيجة لا تعبر عن صعوبة المباراة.. لم أر مثل جمهور الأهلي    عبد القادر: تأهلنا للنهائي بجدارة.. واعتدنا على أجواء اللعب في رادس    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    السيطرة على حريق في منزل بمدينة فرشوط في قنا    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    تعرض للشطر نصفين بالطول.. والدة ضحية سرقة الأعضاء بشبرا تفجر مفاجأة لأول مرة    تعطيل الدراسة وغلق طرق.. خسائر الطقس السيئ في قنا خلال 24 ساعة    الأمن العام يكشف غموض 14 واقعة سرقة ويضبط 10 متهمين بالمحافظات    برازيلية تتلقى صدمة بعد شرائها هاتفي آيفون مصنوعين من الطين.. أغرب قصة احتيال    %90 من الإنترنت بالعالم.. مفاجأة عن «الدارك ويب» المتهم في قضية طفل شبرا الخيمة (فيديو)    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    دينا فؤاد: تكريم الرئيس عن دوري بمسلسل "الاختيار" أجمل لحظات حياتي وأرفض المشاهد "الفجة" لأني سيدة مصرية وعندي بنت    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    طريقة عمل كريب فاهيتا فراخ زي المحلات.. خطوات بسيطة ومذاق شهي    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    بلاغ يصل للشرطة الأمريكية بوجود كائن فضائي بأحد المنازل    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    ناهد السباعي تحتفل بعيد ميلاد والدتها الراحلة    سميرة أحمد: رشحوني قبل سهير البابلي لمدرسة المشاغبين    أخبار الفن| تامر حسني يعتذر ل بدرية طلبة.. انهيار ميار الببلاوي    البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة "باتريوت" متاحة الآن لتسليمها إلى أوكرانيا    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    أسعار النفط ترتفع عند التسوية وتنهي سلسلة خسائر استمرت أسبوعين    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    فصل طالبة مريضة بالسرطان| أول تعليق من جامعة حلوان.. القصة الكاملة    العمل في أسبوع.. حملات لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية.. والإعداد لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    الكشف الطبي بالمجان على 1058 مواطنا في دمياط    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحباط محاولة انقلاب داخل القوات المسلحة!
سعد الدين الشاذلى يكشف فى مذكراته الممنوعة فى مصر
نشر في صوت الأمة يوم 10 - 04 - 2011

· السادات أمر بشطب اسمي من فيلم تسجيلي عن حرب أكتوبر ونزع صوري
· إسماعيل اعترف علي فراش الموت بأنني كنت هدفاً لهجوم ظالم من السادات المسئول الأول عن ثغرة الدفرسوار هو أحمد إسماعيل وزير الحربية
· أحمد إسماعيل كان من الشخصيات غير المحبوبة بين أفراد الجيش
· بعد تعييني رئيساً للأركان وجدت نفسي هدفا للوساطات ولأني لم أنتظر مساعدة من أحد كنت أرفض التدخل في أي أمور غير قانونية
· السادات كان يدعي أن الثغرة سببها هو أنني ضيعت ليلة كاملة لكي أشكل قيادة أنافس بها غريمي أحمد إسماعيل
· أحمد إسماعيل كان يكره الزعيم جمال عبدالناصر لأنه طرده من القوات المسلحة مرتين.. الأولي عقب هزيمة 1967 والثانية في سبتمبر 1969
· لم تكن علاقتي بأحمد إسماعيل طيبة.. بل كنا شخصين مختلفين تماماً لايمكن أن يتفقاً
· الفريق صادق كان محبوباً وخدوماً لرجال الجيش وآراؤه صريحة وعلنية فطرده السادات
· الولاء المطلق وضعف الشخصية كانا أهم المميزات التي منحت أحمد إسماعيل منصب وزير الحربية
· السادات اتهم الفريق صادق بالعمالة للسعودية وبأنه ألعوبة في يد الملك فيصل
· عبدالناصر طرد أحمد إسماعيل من الجيش فأعاده السادات وعينه وزيراً للحربية
· أحمد إسماعيل أعترف لي علي فراش الموت بأن السادات ظلمني
تنفرد «صوت الأمة» اليوم بنشر «الباب الرابع» من مذكرات واحد من أهم وأبرز القادة العسكريين في تاريخ مصر الحديث وأحد أبرز قادة حرب أكتوبر 1973 إنه الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة الذي اختلف مع السادات بشأن التعامل مع ثغرة الدفرسوار، وأقصي من القوات المسلحة وعين سفيراً لمصر في لندن، وعاش عشر سنوات في منفاه الاختياري بالجزائر لمعارضته لسياسات السادات ومبارك، ووافته المنية قبل يوم واحد من خلع الرئيس حسني مبارك!.
في هذه المذكرات التي تنشر لأول مرة في مصر يفجر الشاذلي مفاجآت: ان محاولة انقلاب جرت داخل القوات المسلحة عام 72 بقيادة تنظيم يسمي «انقاذ مصر» بقيادة بعض كبار ضباط الجيش والمخابرات الحربية وان هذا التنظيم كان متأثراً بأفكار الفريق صادق وكان يرمي إلي القيام بالحرب في وقت مبكر دون كفاية استعداد. وأن السادات اتهم الفريق صادق وزير الحربية بأنه عميل للسعودية وألعوبة في يد الملك فيصل.
وأن السادات اختار الفريق أحمد إسماعيل وزيراً للحربية بسبب كراهية إسماعيل لعبدالناصر، فقد كانت كراهية عبدالناصر شرطاً لاختيار السادات للوزراء والقيادات!
وان عدم كفاءة أحمد إسماعيل في إدارة حرب أكتوبر كانت سبباً في ثغرة الدفرسوار.
وإلي نص المذكرات التي تنشر في مصر لأول مرة:
لم أكن قط علي علاقة طيبة مع أحمد إسماعيل لقد كنا شخصيتين مختلفتين تماما لا يمكن لهما أن تتفقا. وقد بدا أول خلاف بيننا عندما كنت أقوي الكتيبة العربية التي كانت ضمن قوات الأمم المتحدة في الكونجو عام1960. كان العميد أحمد إسماعيل قد أرسلته مصر علي راس بعثة عسكرية لدراسة ما يمكن لمصر أن تقدمه للنهوض بالجيش الكونجولي. وقبل وصول البعثة بعدة أيام سقطت حكومة لومومبا التي كانت تؤيدها مصر بعد نجاح انقلاب عسكري دبره الكولونيل موبوتو الذي كان يشغل وظيفة رئيس أركان حرب الجيش الكونجولي، وقد كانت ميول موبوتو والحكومة الجديدة تتعارض تماما مع الخط الذي كانتت تنتهجه مصر، وهكذا وجدت البعثة نفسها دون أي عمل منذ اليوم الأول لحضورها، وبدلا من أن تعود إلي مصر أخذ أحمد إسماعيل يخلق لنفسه مبررا للبقاء في ليوبولدفيل علي أساس أن يقوم بإعداد تقرير عن الموقف.. وتحت ستارها هذا العمل بقي مع اللجنة ما يزيد علي شهرين. وفي خلال تلك الفترة حاول أن يفرض سلطته علي باعتبار انه ضابط برتبة عميد بينما كنت أنا وقتئذ برتبة عقيد، وبالتالي تصور أن من حقه أن يصدر إلي التعليمات والتوجيهات. رفضت هذا المنطق رفضا باتا وقلت له إنني لا أعترف له بأيه سلطة علي أو علي قواتي. وقد تبادلنا الكلمات الخشنة حتي كدنا نشتبك بالايدي. وبعد أن علمت القاهرة بذلك استدعت اللجنة إلي القاهرة وانتهي الصراع في ليوبولدقيل ولكن آثاره بقيت في أعماق كل منا.كنا نتقابل في بعض المناسبات مقابلات عابرة ولكن كان كل منا يحاول أن يتحاشي الآخر بقدر ما يستطيع. واستمر الحال كذلك إلي أن عين اللواء أحمد إسماعيل رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية في مارس69.
وبتعيين اللواء أحمد إسماعيل ر.ا.ح.ق.م.م اختلف الوضع كثيرا، إذ لم يعد ممكنا أن أتحاشي لقاءه وألا يكون هناك أي اتصال مباشر بيني وبينه. أن وظيفته هذه تجعل سلطاته تمتد لتغطي القوات المسلحة كلها، لذلك قررت ان أستقيل. وبمجرد سماعي بنبأ تعين أحمد اسماعيل رئيسا للأركان تركت قيادتي في انشاص وتوجهت إلي مكتب وزير الحربية حيث قدمت استقالتي وذكرت فيها الاسباب التي دفعتني إلي ذلك ثم توجهت إلي منزلي. مكثت في منزلي ثلاثة أيام بذلت فيها جهوداً كبيرة لاثنائي عن الاستقالة ولكني تمسكن بها، وفي اليوم الثالث حضر إلي منزلي أشرف مروان زوج ابنة الرئيس وأخبرني بأن الرئيس عبدالناصر قد بعثه لكي يبلغني الرسالة التالي :«إن الرئيس عبد الناصر يعتبر استقالتك كأنها نقد موجه إليه شخصيا حيث إنه هو الذي عين أحمد إسماعيل «ر.ا.ح.ق.م.م». أوضحت وجهة نظري في أحمد إسماعيل وأنني لا أعني مطلقا أن انتقد الرئيس، ولكني لا استطيع ان اعمل تحت رئاسة احمد اسماعيل، ولان الثقة بيني وبينه معدومه. نقل أشرف مروان اجابتي إلي الرئيس عبدالناصر ثم عاد مرة أخري ليقول «إن الرئيس تفهم جيدا وجهة نظرك. انه يطلب اليك أن تعود إلي عملك وانه يؤكد لك ان احمد اسماعيل لن يحتك بك». وبناء علي هذا الوعد عدت إلي عملي في اليوم الرابع. وهنا يجب أن، أؤكد أن جمال عبدالناصر قد وفي بما وعدني به. ففي خلال الأشهر الستة التي قضاها اللواء احمد اسماعيل في وظيفته «ر.ا.ح.ق.م.م»، لم تطأ قدماه قط قاعدة انشاط حيث كانت تتمركز القوات الخاصة التابعة لي، كما إنه لم يحاول قط أن يحتك بي.
ومنذ أن قام الرئيس عبدالناصر بعزل احمد اسماعيل من منصب «ر.ا.ح. ق.م.م» في سبتمبر69، فإني لم أره قط إلي أن قام الرئيس السادات باستدعائه من التقاعد في 15مايو71، لكي يعينه رئيسا لهيئة المخابرات العامة. وهكذا بينما كنت أنا أشغل منصب «ر.ا.ح.ق.م.م» كان أحمداسماعيل يشغل منصب رئيس هيئة المخابرات العامة، وبالتالي أخذنا نتقابل احيانا في بعض المناسبات الرسمية أو الاجتماعية وكنا نتبادل التحيات الشكلية ولكن علاقاتنا بقيت بإرادة.
لماذا اختار السادات الفريق أحمد إسماعيل:
- ان طرد صادق وتعيين احمد اسماعيل في مكانه كانا خطوة مهمة اتخذها السادات لتدعيم مركزه كما قلت فيما سبق. فقد كان صادق هو أحد الرجال الثلاثة الذين أعتمد عليهم السادات في انقلاب 15مايو71، ونتيجة لذلك فقد كان صادق يشعر بأنه يجب أن يكون له نصيب أكبر في ممارسة السلطة. حيث كان يعبر عن آرائه بصراحة وعلنية حتي وإن كانت هذه الآراء تتعارض مع آراء السادات كان صادق بالاضافة إلي ذلك شخصية محبوبة نتيجة اللمسات الانسانية والخدمات التي يؤديها للكثيرين من الضباط والجنود كتحسين الرواتب والمعاشات وتوزيع الاوسمة، وإيفاد بعضهم في رحلات ترفيهية إلي الخارج، والاغداق علي بعض المحيطين به بالاموال والامتيازات إلخ. وان شخصية بهذه المواصفات لابد انها تنازع رئيس الجمهورية سلطاته وتعارض الهدف الذي كان يعمل السادات من أجله، والذي كان يرمي إلي أن يجعل من نفسه حاكما مطلقا لا ينازعه في السلطة أحد. وقد وجد السادات في احمد إسماعيل الصفات جميعها التي يبحث عنها في شخص يعينه وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة، وكان أهم هذه الصفات ما يلي :
1- كراهيته الشديد لعبد الناصر:
كان احمد اسماعيل يكره عبدالناصر كراهية شديدة لانه قام بطرده من القوات المسلحة مرتين. كانت المرة الأولي في أعقاب هزيمة يونيو67، حيث كان احمد اسماعيل يشغل منصب رئيس اركان جبهة سيناء، ولكن عبد الناصر أعاده إلي الخدمة بعد أن تدخل بعض الاصدقاء لديه لكي يعفو عنه. ثم قام بطرده من القوات المسلحة للمرة الثانية في سبتمبر69 بعد أن شغل منصب «ر .ح.ق.م.م» لمدة ستة أشهر فقط وقد جاء الطرد هذه المرة في اعقاب عملية اغارة ناجحة قام بها العدو في منطقة البحر الاحمر.
2- ولاؤه المطلق للسادات:
بعد أن بقي احمد اسماعيل متقاعداً لمدة تزيد علي عشرين شهرا، قام الرئيس السادات باستدعائه إلي الخدمة وعينه رئيسا لهيئة المخابرات العامة، وها هو ذا بعد ثمانية عشر شهرا - أخري يعينه وزيرا للحربية وقائدا عام للقوات المسلحة. لقد كان ينظر إلي السادات علي انه سيده وولي نعمته. وبالتالي فلا يجوز له أن يعارضه أو يعصي أوامره.
3- شخصيته الضعيفة :
لقد كان لطرد احمد اسماعيل من الخدمة في القوات المسلحة مرتين خلال عهد جمال عبد الناصر اثر كبير علي اخلاقه، حيث اصبح بعد ذلك يخشي المسئولية واتخذا القرارات ، واصبح يفضل ان يتلقي الاوامر وينفذها علي أن يصدرها، وقد زادر في ترسيخ هذه الصفات الحادث الذي يتعلق بقيام العدو بسرقة محطة رادار كاملة من منطقة البحر الاحمر في ديسمبر69. ومع ان هذه الواقعة حدثت بعد عزله من منصب «ر.ا.ح.ق.م.م» بثلاثة أشهر، فإن اسمه كان قد ذكر في اثناء التحقيق في هذا الحادث علي اساس انه اتخذ قرارا نتج عنه اعطاء الفرصة للعدو لتنفيذ هذه العملية.
4-كان رجلا مريضا :
لقد كان اسماعيل رجلا مريضا وكان السادات يعلم ذلك. لقد مات احمد اسماعيل بمرض السرطان في ديسمبر74 في مستشفي ولنجتون في لندن، وقد سجل الاطباء في تقريرهم الطبي ان اصابته بهذا المرض لابد انها كانت واضحة وظاهرة قبل ذلك بثلاث سنوات علي الاقل. وفي احدي خطب الرئيس عام1977. اعرف بانه كان يعلم بمرض احمد اسماعيل قبل واثناء حرب اكتوبر73، وان الاطباء أخطروه بان حالته الصحية لا تسمح له باتخاذ القرارات.
5- كان شخصية غير محبوبة :
كانت شخصية احمد اسماعيل من الشخصيات غير المحبوبة بين أفراد القوات المسلحة كانت مناقشاته مع الضباط والجنود تتسم بالخشونة والغلظة. ولم يكن يعير اهتماما للعوامل النفسية والمشكلات العائلية للأفراد، في الوقت الذي يهتم فيه بمشكلاته العائلية ويقبل الوساطة من الوزراء ورجال الدولة الأقوياء، ولقاء ذلك يطلب أيضا وساطتهم لخدمة افراد عائلته، فكان ذلك يبعده عن قلوب الضباط والجنود.
6- كان علي خلافات مع «ر.ا.ح.م.م»:
كان الخلاف بين أحمد اسماعيل وبين سعد الدين الشاذلي أيضا من الاسباب القوية التي تدعو السادات إلي تعيينه وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة. لقد كان السادات يطبق مبدأ «فرق تسد» الذي مارسه الحكام الطغاه منذ فجر التاريخ.
ولهذه الاسباب كلها فاني أقرر أن تعيين احمد اسماعيل وزيرا للحربية وقائدا عاما كان قرارا خاطئا. كان قرارا لا يخدم مصالح مصر بل يخدم مصالح السادات وطموحه فقط لقد كان في استطاعتنا أن نحقق خلال حرب اكتوبر73 نتائج أفضل بكثير مما حققناه في هذه الحرب لو ان هناك قائدا عاما اكثر قوة وأقوي شخصية من الفريق احمد اسماعيل. لو تيسر هذا لكان في امكاننا ان نكبح جماح الرئيس السادات. ونرفض تدخله في الشئون العسكرية البحتة. لو تيسر هذا لما كان في استطاعة العدو احداث ثغرة الدفرسوار. ولو افترض وحدثت الثغرة لكان في استطاعتنا ان تقضي عليها فور وقوعها، لو تيسر قائد عام قوي يستطيع معارضة السادات ولاستمر القتال طبقا للاسلوب الذي نريده وليس طبقا للاسلوب الذي يختاره العدو.
أني أشعر بالاسف وانا اتكلم بمثل هذه الصراحة علي رجل ميت ولكنه السادات الذي دفعني إلي ذلك. انه يريد ان يخفي الحقائق عن الشعب فيدعي ان سبب الثغرة هو انني ضيعت ليلة كاملة لكي اشكل فيها قيادة أنافس بها غريمي احمد اسماعيل، وهو إدعاء باطل لا اساس له من الصحة. وبالاضافة إلي ذلك فان ما قلته هو حقائق وهو ملك التاريخ تاريخ مصر وتاريخ العرب. واني ارجو الله تعالي ان تتعلم الاجيال المصرية والعربية القادمة من تلك الاخطاء التي ارتكبها اسلافهم.
أحمد اسماعيل والمحسوبية :
اني أؤمن بضرورة تكافؤ الفرص، وأؤمن بأن الحصول علي وظيفة أو الترقي إلي درجة أعلي يجب أن يخضع لكفاءة وقدرات الفرد دون أن يكون للوساطة أو القرابة اعتبار في ذلك. وتطبيقا لهذا المبدأ فإنه لم يحدث مطلقا انني قمت بدفع أحد افراد عائلتي إلي أي منصب أو أيه ترقية. وإن مثل هذا التصرف يعتبر امرا غريبا في مصر حيث الوساطة والقرابة هما من الامور المعترف بها في التعامل بين الافراد علي الرغم من كل من يقال خلاف ذلك ولتغطية مثل هذه الافعال فان الاشخاص ذوي السيطرة والقوة يتبادلون الخدمات فيما بينهم، فيقوم كل منهم بتأدية الخدمات والوساطات لعائلة الآخر وبذلك ينكر الجميع أيا منهم قد أدي خدمة لأحد أقربائه بطريق مباشر، وتأييدا لذلك فانه يندر أن تجد أحدا من ابناء هذه الفئة المحظوظة لا يشغل منصبا ممتازا.
بعد تعييني رئيسا للأركان وجدت نفسي هدفا لكثير من الوساطات، ولكن حيث اني لم أكن انتظر ايه وساطة من احد فقد كنت ارفض كل وساطة غير قانونية. كنت ادرس كل موضوع علي حدة واخذ فيه القرار الذي يرضي ضميري يتمشي مع العدل وزوح القانون، ونتيجة لذلك فقد رفضت الكثير من الوساطات مما اثار ضدي بعضا من الشخصيات القوية، وكان من بين الحالات التي رفضتها ابن اسماعيل فهمي الذي كان وقتئذ وزيرا للسياحة.
لقد كان ابن اسماعيل فهمي جنديا في القوات المسلحة، وفي أحد الايام عرضت علي مذكرة من هيئة التنظيم والإدارة تقترح انهاء خدمة الجندي المذكور حيث انه مطلوب للعمل في هيئة المخابرات العامة فرفضت ، فقيل لي أنه ابن اسماعيل فهمي، فقلت لهم حتي ولو كان ابن السادات فاني لن أخالف القانون، حاول رئيس هيئة التنظيم أن يقنعني بأن هذه الحالة في حدود القانون اعتمادا علي مادة في قانون التجنيد تعطي وزير الحربية الحق في إعفاء أي فرد أو مجموعة أفراد من الخدمة العسكرية الاجبارية إذا كان يقوم بعمل من الاعمال المهمة التي تساعد في المجهود الحربي، وحيث أن المخابرات العامة تعتبر من االجهزة المهمة في الدولة التي تساعد في المجهود الحربي فإن حالة هذا الجندي تعتبر في حدود القانون. لم اقتنع بهذا التفسير وقلت له ان هذا اسراف في التفسير ولا يتمشي مع روح القانون.. ما هو هذا الدور المهم الذي سوف يلعبه ابن اسماعيل فهمي في المجهود الحربي؟ لماذا لم نوافق علي التماس وزير الكهرباء اعفاء مهندسي الكهرباء، علي الرغم من انه لم يحدد اسما معينا، وعلي الرغم من انهم مطلوبون لإدارة شبكة الكهرباء التي هي في الواقع جزء مهم منن المجهود الحربي؟ لماذا لم نوافق علي التماس وزير التربية والتعليم اعفاء المدرسين علي الرغم من أن عدم اعفائهم سوف يؤثر علي عدد الفصول التعليمية الجديدة التي سوف يقوم بافتتاحها في العام الدراسي الجديد لم اقتنع بأن عدم اعفاء ابن اسمعيل فهمي قد يؤثر علي المجهود الحربي للدولة، وبالتالي أشرت علي المذكرة لا أوافق ووقعت علي ذلك.
وبعد حوالي يومين اتصل بي اللواء أحمد زكي وكيل وزارة السياحة وهو زميل قديم كان قد ترك القوات المسلحة منذ سنتين فقط، وكان قبل ذلك رئيسا لهيئة التنظيم والإدارة في القوات المسلحة ويعرف قانون التجنيد معرفة جيدة كلمني أحمد زكي في موضوع ابن اسمعيل فهمي فكررت له وجهة نظري وكرر هو نص المادة التي تعطي لوزير الحربية الحق في اعفاء من يتأثر المجهود الحربي نتيجة عدم اعفائهم فقلت له «حسنا يمكن للوزير أن يعفيه» فرد قائلا ولكنك وضعت الوزير في مأزق بوضع رأ يك في هذا ثم اقترح أن تعاد كتابة مذكرة جديدة وتعرض علي من جديد فاذا كنت ما أزال غير مقتنع بالموافقة فاني أفوض الامر للوزير وبذلك اترك له الباب مفتوحا، ولكني رفضت هذا الاقتراح.
وقد علمت فيما بعد أن مذكرة أخري بالموضوع عرضت علي الوزير مباشرة دون أن تمر علي وان احمد اسماعيل الذي كان يعلم بالقصة من أولها إلي آخرها - صدق علي انهاء خدمة الجندي ابن الوزير اسماعيل فهمي حيث أن بقاءه في الخدمة وعدم نقله إلي المخابرات العامة سوف يؤثران علي المجهود الحربي للدولة. وبعد فترة وجيزة من نقل ابن اسماعيل فهمي إلي المخابرات العامة قامت المخابرات العامة بانهاء خدمته بها وتمكن والده من أن يجد له وظيفة في نيويورك أكثر راحة وأوفر مالا! وهكذا بينما كان أبناء مصر يقتحمون قناة السويس في اكتوبر1973 ويموتون وهم يهتفون «الله أكبر» كان ابن اسماعيل فهمي وغيره من ابناء الطبقة المحظية في مصر يتسكعون في شوارع نيويورك وغيرها من المدن الأمريكية والأوروبية لم يكن أحمد إسماعيل ليقدم هذه الخدمة إلي إسماعيل فهمي دون مقابل لقد كانت صفقة مشتركة كانت نتيجتها أن عين أبن أحمد إسماعيل ايضا ضمن وفد مصر في الأمم المتحدة في نيويورك.
لم أخلق من مشكلة ابن إسماعيل فهمي موضوع خلاف ومجابهة بيني وبين أحمد إسماعيل، فقد كانت هناك موضوعات أخري أكثر أهمية واشد خطورة تستخوذ علي تفكيري وجهودي، وهي إعداد القوات المسلحة للحرب،وكل ما هو دون ذلك يمكن التغاضي عنه ولو مؤقتا.
علاقتي مع أحمد إسماعيل في أثناء الحرب وبعدها:
في خلال الأحد عشر شهرا التي قضاها احمد إسماعيل وزيرا للحربية قبل حرب أكتوبر 73 لم تكن هناك خلافات تذكر بيننا كان كل منا يحاول أن يتحاشي هذه الخلافات بقدر ما يستطيع لقد استمر في ممارسة سلطاته المباشرة علي إدارة المخابرات الحربية وإدارة شئون الضباط، شأنه في ذلك شأن جميع من سبقوه في هذا المنصب. أما بخصوص العمليات فلم يكن هناك إلا قليل لكي نناقشه كانت لدينا خططنا التي أدخلنا عليها- بالتأكيد- بعض التعديلات الطفيفة نتيجة للتطور المستمر في قوات العدو وفي قواتنا،ولكن جوهرها بقي كما هو.
في أثناء الحرب كان الموقف مختلفا لقد قاسيت الكثير من كل من الرئيس السادات والفريق أحمد إسماعيل. كانا يعترضان علي كل اقتراح أتقدم به وعندما يكتشفان بعد يومين أو ثلاثة أن وجهة نظري كانت سليمة يكون الوقت قد فات استمر الوضع علي هذا الحال منذ 13 من اكتوبر 73 وحتي وقف إطلاق النار بل حتي بعد ذلك لابد أن السادات اقتنع بينه وبين نفسه أنه هو ووزير الحربية كانا علي خطأ في قراراتهما الخاصة بإدارة العمليات الحربية وأنني كنت علي صواب ولاشك أن السادات قد اقتنع بأنه لو عرفت الحقائق لاهتز موقفه ولأصبح الفريق الشاذلي شخصية شعبية تهدد سلطاته وجبروته وهنا عمد بعد الحرب إلي أن يكيل إلي اتهامات باطلة هو أول من يعلم ببطلانها لأنه هو خالقها وسكت ولم أرد، لاعزوفا عن ذكر الحقيقة، حيث أن هذه الحقائق ملك للتاريخ وليس من الأمانة أخفاءها، ولكني صمت لأن الوقت لم يكن مناسبا لكي أتكلم. لم أكن أريد أن أحكي كيف خدع السادات أشقاءنا السوريين؟ لم أكن اريد أن أعطيه الفرصة ليتهمني بأنني أعرقل جهوده للحصول علي السلام المشرف الذي كان ينادي به وهو الانسحاب الكامل من جميع الأراضي المحتلة وأقامة الدولة الفلسطينية أما الآن وبعد أن سقطت جميع الأقنعة فقد حان الوقت لكيأقول كلمة الحق للشعب العربي الكريم.
كان أحمد إسماعيل أقل سوءا من السادات إنه لم يخف قط كراهيته لي في مقبلاته الخاصة ولكنه لم يهاجمني قط بطريقة علنية. لقد حكي لي أحد النقاد العسكريين الإنجليز قصة طريفة عن هذا الموضوع. بينما كنت سفيرا لمصر في لندن. لقد ذهب هذا الرجل- لا أريد أن أذكر اسمه الآن- لمقابلة أحمد إسماعيل لمناقشته في بعض الأمور التي تتعلق بالحرب وقد نصحه المصروين الذين رتبوا المقابلة بالا يذكر اسم سعد الشاذلي مطلقا خلال المقابلة، وكما قال لي هذا الناقد الإنجليزي أخذ يتحاشي ذكر اسمي، ولكنه وجد ذلك مستحيلا. فاستخدم منصب «ر. أ.ح.م.م» كبديل عن ذكر اسمي.وعلي الرغم من ذلك فقد تجهم وجه أحمد إسماعيل وهاجمني بما فيه الكفاية ومع ذلك كله فإن الله كبير ذو اقتدار يمهل ولايهمل ولابد أن يظهر الحق مهما طال الظلم.وإليكم القصة التالية التي تظهر قوة الخالق وعظمته:
بينما كنت سفيرا لمصر في لندن حضر احمد إسماعيل إلي لندن للعلاج خلال عام 74، وقد قمت بزيارته في المستشفي عدة مرات وفي زيارتي الأخيرة له كانت حالته قد تدهورت ولابد إنه شعر بقرب منيته، وأراد أن يطهر نفسه من الأوزار التي ارتكبها ضدي فقال« إنني أعلم انك كنت هدفا لهجوم شرس وظالم، ولكني أريد أن أؤكد لك أنني لست أنا الذي وراء ذلك إنه الرئيس والرئيس شخصيا. وحتي الفيلم التسجيلي الذي اعددناه عن حرب أكتوبر فقد أمر بإسقاط اسمك وصورك منه ولكني قلت له إن سعد الشاذلي جزء من تاريخ هذه الحرب ولايمكن إسقاطه. وقد تمكنت بصعوبة أن أقنعه بأن تظهر في عدد من الصور «كنت انظر إلي رجل يتكلم وهو علي فراش الموت وشعرت وقتئذ بتفاهة الحياة وقلت لنفسي لماذا يتصارع الناس في هذه الحياة؟ أن الصراع الشريف هو في مصلحة البشرية أما الصراع غير الشريف والادعاء الباطل علي الخصوم فهما عملان لا أخلاقيان سوف يحاسب الفرد عليهما في دنياه وفي أخرته اللهم لاشماتة اللهم أنت القوي الأكبر، اللهم وفقني لأن أقول كلمة الحق وألا اظلم أحدا أبدا نظرت إلي الرجل المريض وهو علي فراش الموت وقلت له «الله اعلم بالحقائق والأسرار كلها. انه يعلم ايضا ما نجهر به وما نخفي، الله يجازي كل فرد منا بقدر ما يعلمه عنه «هل نسي السادات الذي يطلق علي نفسه لقب الرئيس المؤمن أنه سيرقد يوما ما علي فراش الموت وأنه سوف يمر أمام نظره شريط من الاخطاء والمظالم التي اقترفها في حياته وأن التوبة لن تقبل منه وهو علي فراش الموت؟!
إن الإيمان هو علاقة بين المرء وخالقه ولايمكن أن يكون بقرار جمهوري يصدره الحاكم ليضيف لنفسه لقبا جديدا أن الإيمان الحقيقي هو صفة لايعلمها إلا الله عز وجل حيث أنه هو الذي يلعم ما في أعماق قلوبنا.
إنشاء 30مصطبة جديدة:
بعد أيام قليلة من تعيين أحمد إسماعيل وزيرا للحربية، ثم تخصيص 23 مليون جنيه مصري من ميزانية الطوارئ لإتمام التحصينات، وتقتضي الأمانة التاريخية أن اقرر هنا أن الفريق صادق قد سبق له أن طلب اعتماد هذا المبلغ للغرض نفسه ولكنه لم يوفق في الحصول علي التصديق المالي. لقد كنا نطلب هذا المبلغ لإنشاء مصاطب علي الضفة الغربية ولتعلية الساتر الترابي الذي في ناحيتنا، وكان هذا هو الذي دفع اللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث إلي إثارة هذا الموضوع اثناء اجتماع المجلس الأعلي للقوات المسلحة يوم 24 من أكتوبر 72 وأثار غضب الرئيس السادات. وبعد أن حصلنا علي الاعتماد المالي بدأنا فورا في العمل الجاد لتنفيذ هذه التحصينات وقبل نهاية عام 72 كنا قد بنينا 30 مصطبة يصل ارتفاع كل منها إلي 22 مترا، وتحتوي الواحدة منها علي 180000 متر مكعب من الأتربة كانت هذه المصاطب تشكل أحد التجهيزات الهندسية المهمة لخدمة الخطة الهجومية فقد كنا نستهدف أن نحتل هذه المصاطب بواسطة الدبابات والأسلحة المضادة للدبابات وذلك لتقديم العون اللازم لمشاتنا أثناء عملية الاقتحام وتدمير الدبابات المعادية التي تحاول الهجوم المضاد عليها. وعلاوة علي ذلك فقد كانت هذه المصاطب توفر لنا مراقبة جيدة لكل ما يجير في الجانب الآخر.
ضابط ينتقد الرئيس السادات:
بعد إقالة صادق وقع حادثان مهما يبينان أنه كان هناك ضباط آخرون يشاركون صادق آراءه فيما يتعلق بالحرب. وقع الحادث الأول يوم 29 من أكتوبر أي بعد يومين فقط من الإقالة إذا اخبرني اللواء سعيد الماحي قائد المدفعية والذي عين بعد ذلك كبيرا ياوران الرئيس السادات في الساعة الخامسة بعد ظهر ذلك اليوم أن أحد ضباط المدفعية انتقد علنا رئيس الجمهورية لقد وقع هذا الحادث في مدرسة المدفعية عندما كان قائد المدرسة يقوم بتوعية الضابط عن الأحداث الأخيرة وأثناء قيام قائد مدرسة المدفعية بالتلقين علق الضابط قائلا طيب وهو رئيس الجمهورية يعرف حاجة وقد شكل مجلس تحقيق للتحقيق مع الضابط المذكور فيما نسب إليه ولكنه أنكر- أو بمعني أصح أوحي إليه أن ينكر- حتي يمكن حصر الموضوع في أضيق نطاق وقد قبل إنكار الضابط ولم يحاول المجلس التعمق في البحث والاستقصاء عن حقيقة ما قاله، وهكذا حفظ الموضوع.
انقلاب فاشل بقيادة اللواء علي عبدالخبير:
أما الحادث الآخر فقد وقع بعد الأول بأقل من أسبوعين ولكنه كان أكثر خطورة وأبعد أثرا لقد كان محاولة انقلاب كاملة اشترك فيها بعض كبار الضباط وبعض ضباط المخابرات الحربية.
فقد حدث أن ضابطا برتبة نقيب من المخابرات الحربية وقع علي معلومات جعلته يشك في أن هناك بعض ضباط من المخابرات يتعاونون مع المتآمرين فأبلغ شكوكه إلي أحد أصدقائه الذي قام بدوره بإبلاغها إلي الرئيس وبعد أن استمع السادات إلي قصة هذا النقيب ازدادت شكوكة بإدارة المخابرات الحربية وأخذ يعتمد أكثر فأكثر علي المخابرات والمباحث العامة. وقد أكدت المراقبة أن ضباطا من المعروفين بولائهم لصادق يجتمعون ولكن اجتماعاتهم ومقابلاتهم كانت تتم تحت اجراءات أمن مشددة، ولم تستطع المخابرات أو المباحث العامة أن تعلم بما يدور داخل هذه الاجتماعات لقد زادت هذه المعلومات من شكوك الرئيس فرأي عدم الانتظار حتي يتم الحصول علي قرائن تدل علي التآمر وقرر أن يضرب التنظيم المشتبه فيه قبل أن يستفحل الأمر.
في الساعة 1745 يوم 11 من نوفمبر 72 ذهبت لمقابلة السيد الرئيس في منزله بالجيزة بناء علي طلبه، وبعد حوالي نصف ساعة انضم إلينا ممدوح سالم وزير الداخلية وبعد حوالي نصف ساعة أخري أنضم إلينا عزت سليمان نائب مدير المخابرات العامة وقد قرأ علينا عزت سليمان المعلومات المتيسرة لديهم عن تنظيم سري في القوات السلحة يسمي «إنقاذ مصر».
قبل أن أحكي قصة هذا الانقلاب الفاشل يجب أن أوكد مرة أخري أن آراء صادق التي أوضحها في اجتماع 24 من أكتوبر وأيده فيها كل من الفريق عبدالقادر حسن واللواء علي عبدالخبير كان يؤمن بها الكثيرون من ضباط القوات المسلحة لقد كانوا يعتقدون أن هناك قوة سياسية خفية تريد أن تدفع القوات المسلحة المصرية إلي الحرب قبل أن تستكمل استعداداتها بهدف تدميرها فإذا دمرت القوات المسلحة فسوف يسقط النظام الحاكم وتعم الفوضي البلاد وبذلك يصبح الجو ملائما لانتشار الشيوعية في مصر ومنها إلي العالم العربي لقد سمعت هذا الرأي من صادق عدة مرات قبل مؤتمر 24 من أكتوبر 72 ولم أقبله قط وكان ذلك من نقاط الخلاف الرئيسية بيني وبينه ومع ذلك فإني لم اشك مطلقا في شجاعته ووطنيته أو أنه كان يقوم بهذه اللعبة لحساب جهة اجنبية أخري لذلك فقد حزنت كثيرا عندما سمعت السادات يتهمه أمامي بأنه ألعوبة في يد الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية وعميل له.
ولق اندفع الرئيس إلي ابعد من ذلك فقال إنه ليحصل علي المال والذهب والهدايا الثمينة من الملك السعودي وفي مقابل ذلك فإنه يقوم بتنفيذكل ما يأمره به وقد أيد ممدوح سالم ما يقوله السادات وعلق علي ذلك قائلا: ألم أقل لك هذا منذ زمن ياسيادة الرئيس! لم أكن في وضع يسمح لي بأن أويد أو أنفي ما يقولون فكنت استمع وأنا صامت ولكني كنت أشعر بالحزن والآسي. إني اعرف صادق منذ أن كنا في العشرينيات من عمرنا وعلي الرغم من خلافاتنا في الرأي ونحن في الخمسينيات من عمرنا فإني لا أتصور مطلقا أن يكون صادق عميلا. وبينما كان السادات يكيل الاتهامات له خلال هذا اللقاءتذكرت فجأة الكتاب الذي كان السادات قد أرسله إلي الملك فيصل قبل ذلك بعام وكان يقول فيه له إنه يثق بصادق ثقة مطلقة لم يكن السادات يعلم أن صادق قد أطلعني علي هذا الكتاب ولم أشأ أن أثير هذا الموضوع في مثل هذا الجو الصاخب ولكني كنت أشعر في قرارة نفسي بالآسي والاشمئزاز من هذا الأسلوب الرخيص في مهاجمة الخصوم.
كانت الساعة العاشرة مساء عندما غادرنا نحن الثلاثة ممدوح سالم وأنا وعزت سليمان-منزل الرئيس في الجيزة بعد أن تلقينا تعليمات الرئيس بالقبض علي المشتبه فيهم واستجوابهم ذهبنا إلي مبني هيئة المخابرات العامة باعتبارها صاحبة الخيط الرفيع وعلي أساس الاعتقاد بأن إدارة المخابرات الحربية هي نفسها متورطة في العملية وقد مكثنا في المخابرات العامة طوال الليل حيث استدعيت إلي هناك المدعي العسكري العام وأصدرت عددا من الأوامر بالقبض علي المشتبه فيهم وكانت الساعة الخامسة صباحا عندما انتقلت من المخابرات العامة إلي مكتبي لكي احصل علي ساعتين من النوم قبل أن أستأنف عملي في الصباح وفي هذا اليوم نفسه أصدر الرئيس السادات أمرا بطرد اللواء محرز مدير إدارة المخابرات الحربية وباستمرار التحقيق خلال يوم 12 نوفمبر ظهرت الحاجة لاستجواب اسماء جديدة وبالتالي إصدار أوامر جديدة للقبض علي عدد آخر من الضباط اضطررت للسفر إلي الكويت بعد ظهر يوم 13 من نوفمبر لحضور اجتماع اللجنة المشكلة من عدد من أعضاء مجلس الدفاع المشتركوعدت بعد ظهر يوم 15 من نوفمبر دون انتظار انتهاء اعمال اللجنة لقد كان استجواب افراد تنظيم «إنقاذ مصر» مازال مستمرا وفي خلال ليلة 15/16 من نوفمبر طلب إلي المدعي العسكري العام أن اصدر امرا بالقبض علي اللواء علي عبدالخبير الذي كان قائدا للمنطقة العسكرية منذ أسبوعين فقط نظرا لأن التحقيقات قد اظهرت ارتباطه بهذه العملية وتورطه. وفي تلك الليلة تم القبض علي عبدالخبير كماتم القبض علي عدد آخر من القادة نم بينهم العقيد عمران وهو قائد فرقة مشاة ميكانيكية والعقيد احمد عبدالوهاب وهو رئيس أركان فرقة ميكانيكية والمقدم عادل وهو ضابط أركان حرب يعمل في وزارة الحربية، والمقدم عصام وهو قائد مجموعة صاعقة لقد اتسع التحقيق واتضح لنا مدي خطورة الموقف من حيث عدد الضباط من ذوي الرتب الكبيرة والمناصب الحساسة الذين كانوا يعدون لهذا الانقلاب.
بعد طرد اللواء محرز من وظيفته كمدير لإدارة المخابرات الحربية يوم 12 من نوفمبر انتقل التحقيق من المخابرات العامة إلي المخابرات الحربية حيث إن المقبوض عليهم كلهم كانوا من العسكريين كما أن المحقق هو المدعي العسكري العام بعد ظهر يوم 16 من نوفمبر قمت بزيارة مكان التحقيق لكي ألم بآخر التفاصيل وهناك اطلعت علي اعترافات علي عبدالخبير التي وقع عليها بإمضائه الذي كنت أعرفه جيدا فطلبت أن أقابله شخصيا فلما حضر أمامي سألته بأسلوب أخوي «هل قمت يا علي بالإدلاء بهذه الأقوال والتوقيع عليها بمحض إرادتك ودون أي ضغط أو تهديد؟! فقال نعم لقد كان علي عبدالخبير رجلا شهما في اعترافه ولقد أراد أن يتحمل المسئوليةكلها ليعفي الآخرين جميعهم من المسئولية. وعلي الرغم من خلافنا في الرأي فقد كنت أنظر إليه كصديق وزميل، وزادني موقفه الشجاع أثناء التحقيق احتراما له. اختليت بالمدعي العسكري العام وقلت له إني رأيت بنفسي علي عبدالخبير وأن منظره لايدل علي وقوع أي اعتداء جسماني عليه، ولكني أريد أن أؤكدأنه لايجوز أيضا استخدام التهديد أو الوعيد وأنه هو وزملاءه يجب معاملتهم بمنتهي الاحترام والتقدير اللذين تمليهما رتبهم العسكرية أكد لي أنه هو شخصيا يؤمن بكل كلمة قلتها وأنه علي استعداد لأن يحضر أي شخص آخر لكي أتأكد بنفسي أنه لم يمارس الضغط علي أحد ولكني اكتفيت بأقواله لقد كانت الاعترافات واضحة وتبين عملية انقلاب محبوكة الأطراف كانت خطتهم هي أن يقوموا بالعملية ليلة 9 من نوفمبر وقد اختاروا هذه الليلة بالذات لأنها كانت الليلة المحددة لعقد قران ابنتي ناهد وكانت الخطة تقضي بأن تهاجم وحدة منهم مكان عقدالقرآن فتعتقل الموجودين كلهم، ولابد أن يكون من بينهم رئيس الجمهورية ووزير الحربية ورئيس الأركان والكثيرون من الوزراء وكبار الضابط ولكنهم فوجئوا باحتياطات أمن مشددة لحراسة المنطقة مما جعلهم يؤجلون تنفيذ العملية إلي وقت آخر.
كنت مدعوا في مساء يوم 16 من نوفمبر لحضور حفل زفاف السيد عبدالمنعم الهوني وهو أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية كان الحفل يجري في نادي الرماية بالهرم وكان الرئيس السادات يحضر هذا الاحتفال انتحيت بالرئيس جانبا وأخبرته بآخر التفصيلات والاعترافات بخصوص الانقلاب الفاشل وبعد حوالي ساعتين هم الرئيس بالانصراف فنزل معه المضيف لتوصيله إلي عربته بينما بقيت أنا في الدور العلوي أعد نفسي للرحيل وانتظر عودة الداعي لكي أسلم عليه وبينما أنا واقف أتحدث إلي بعض المدعويين إذا بأكثر من شخص يصرخ «سيادة الرئيس» عايزك فنزلت إلي الدور الأرضي وعند وصولي إلي الباب كان الرئيس قد غادر المكان تاركا من يبلغني بأن اتبعه مباشرة إلي منزله في القبة وفجأة وجدت نفسي داخل عربة من عربات الحراسة الملاحقة بركب الرئيس فوصلت عقبه وبينما كان يصعد سلم منزله كنت قد لحقت به.
قال الرئيس «أنت شغلتني قوي ياسعد بالكلام اللي قلته- لقد بدا يشعر بأبعاد المؤامرةولكني طمأنته وأكدت له أنه قد تم القبض علي جميع الرؤوس المدبرة وعلي الرغم من أن اسم الفريق صادق لم يرد ذكره مطلقا علي لسان أي من الذين جري التحقيق معهم إلا أنه كان واضحا أن المقبوض عليهم جميعهم يدينون بافكاره نفسها وأنهم كانوا ينوون القيام بانقلابهم لأنهم كانوا يعتقدون انهم بذلك يؤدون عملا وطنيا لبلادهم قال الرئيس لا لقد كان صادق يخدعني فيما يتعلق بالأشخاص وكان يزرع رجاله في المناصب المهمة ويستبعد من يختلف معه في الرأي ما رأيك في عادل سوكه؟ فقلت له أنه ضابط جيد فقال طيب ابعت هاته من تركيا بكرة تبعت تجيبه فقلت له سيادة الرئيس إذا قبلت نصيحتي فإني اقترح تأجيل ذلك فاستوضح الرئيس لماذا؟ فقلت له كان الفريق صادق للأسف يتهم كل من يختلف معه في الرأي بأنه شيوعي لقد قاسيت أنا نفسي من هذه التلميحات فإذا نحن احضرنا عادل سوكه في مثل هذه الظروف فقد يجري تفسير هذا التصرف في القوات المسلحة تفسيراخاطئا فهز الرئيس رأسه موافقا وقال أعتقد انك علي حق أجل هذا الموضوع الآن ناقشنا بعض الموضوعات الأخري التي تتعلق بتأمين القوات المسلحة واستغرقت مناقشتنا لهذه الموضوعات حوالي نصف الساعة، عدت بعدها مرة أخير إلي نادي الرماية لكي آخذ زوجتي وننصرف من الحفل.
أشقاءنا السوريين؟ لم أكن اريد أن أعطيه الفرصة ليتهمني بأنني أعرقل جهوده للحصول علي السلام المشرف الذي كان ينادي به وهو الانسحاب الكامل من جميع الأراضي المحتلة وأقامة الدولة الفلسطينية أما الآن وبعد أن سقطت جميع الأقنعة فقد حان الوقت لكيأقول كلمة الحق للشعب العربي الكريم.
كان أحمد إسماعيل أقل سوءا من السادات إنه لم يخف قط كراهيته لي في مقبلاته الخاصة ولكنه لم يهاجمني قط بطريقة علنية. لقد حكي لي أحد النقاد العسكريين الإنجليز قصة طريفة عن هذا الموضوع. بينما كنت سفيرا لمصر في لندن. لقد ذهب هذا الرجل- لا أريد أن أذكر اسمه الآن- لمقابلة أحمد إسماعيل لمناقشته في بعض الأمور التي تتعلق بالحرب وقد نصحه المصروين الذين رتبوا المقابلة بالا يذكر اسم سعد الشاذلي مطلقا خلال المقابلة، وكما قال لي هذا الناقد الإنجليزي أخذ يتحاشي ذكر اسمي، ولكنه وجد ذلك مستحيلا. فاستخدم منصب «ر. أ.ح.م.م» كبديل عن ذكر اسمي.وعلي الرغم من ذلك فقد تجهم وجه أحمد إسماعيل وهاجمني بما فيه الكفاية ومع ذلك كله فإن الله كبير ذو اقتدار يمهل ولايهمل ولابد أن يظهر الحق مهما طال الظلم.وإليكم القصة التالية التي تظهر قوة الخالق وعظمته:
بينما كنت سفيرا لمصر في لندن حضر احمد إسماعيل إلي لندن للعلاج خلال عام 74، وقد قمت بزيارته في المستشفي عدة مرات وفي زيارتي الأخيرة له كانت حالته قد تدهورت ولابد إنه شعر بقرب منيته، وأراد أن يطهر نفسه من الأوزار التي ارتكبها ضدي فقال« إنني أعلم انك كنت هدفا لهجوم شرس وظالم، ولكني أريد أن أؤكد لك أنني لست أنا الذي وراء ذلك إنه الرئيس والرئيس شخصيا. وحتي الفيلم التسجيلي الذي اعددناه عن حرب أكتوبر فقد أمر بإسقاط اسمك وصورك منه ولكني قلت له إن سعد الشاذلي جزء من تاريخ هذه الحرب ولايمكن إسقاطه. وقد تمكنت بصعوبة أن أقنعه بأن تظهر في عدد من الصور «كنت انظر إلي رجل يتكلم وهو علي فراش الموت وشعرت وقتئذ بتفاهة الحياة وقلت لنفسي لماذا يتصارع الناس في هذه الحياة؟ أن الصراع الشريف هو في مصلحة البشرية أما الصراع غير الشريف والادعاء الباطل علي الخصوم فهما عملان لا أخلاقيان سوف يحاسب الفرد عليهما في دنياه وفي أخرته اللهم لاشماتة اللهم أنت القوي الأكبر، اللهم وفقني لأن أقول كلمة الحق وألا اظلم أحدا أبدا نظرت إلي الرجل المريض وهو علي فراش الموت وقلت له «الله اعلم بالحقائق والأسرار كلها. انه يعلم ايضا ما نجهر به وما نخفي، الله يجازي كل فرد منا بقدر ما يعلمه عنه «هل نسي السادات الذي يطلق علي نفسه لقب الرئيس المؤمن أنه سيرقد يوما ما علي فراش الموت وأنه سوف يمر أمام نظره شريط من الاخطاء والمظالم التي اقترفها في حياته وأن التوبة لن تقبل منه وهو علي فراش الموت؟!
إن الإيمان هو علاقة بين المرء وخالقه ولايمكن أن يكون بقرار جمهوري يصدره الحاكم ليضيف لنفسه لقبا جديدا أن الإيمان الحقيقي هو صفة لايعلمها إلا الله عز وجل حيث أنه هو الذي يلعم ما في أعماق قلوبنا.
إنشاء 30مصطبة جديدة:
بعد أيام قليلة من تعيين أحمد إسماعيل وزيرا للحربية، ثم تخصيص 23 مليون جنيه مصري من ميزانية الطوارئ لإتمام التحصينات، وتقتضي الأمانة التاريخية أن اقرر هنا أن الفريق صادق قد سبق له أن طلب اعتماد هذا المبلغ للغرض نفسه ولكنه لم يوفق في الحصول علي التصديق المالي. لقد كنا نطلب هذا المبلغ لإنشاء مصاطب علي الضفة الغربية ولتعلية الساتر الترابي الذي في ناحيتنا، وكان هذا هو الذي دفع اللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث إلي إثارة هذا الموضوع اثناء اجتماع المجلس الأعلي للقوات المسلحة يوم 24 من أكتوبر 72 وأثار غضب الرئيس السادات. وبعد أن حصلنا علي الاعتماد المالي بدأنا فورا في العمل الجاد لتنفيذ هذه التحصينات وقبل نهاية عام 72 كنا قد بنينا 30 مصطبة يصل ارتفاع كل منها إلي 22 مترا، وتحتوي الواحدة منها علي 180000 متر مكعب من الأتربة كانت هذه المصاطب تشكل أحد التجهيزات الهندسية المهمة لخدمة الخطة الهجومية فقد كنا نستهدف أن نحتل هذه المصاطب بواسطة الدبابات والأسلحة المضادة للدبابات وذلك لتقديم العون اللازم لمشاتنا أثناء عملية الاقتحام وتدمير الدبابات المعادية التي تحاول الهجوم المضاد عليها. وعلاوة علي ذلك فقد كانت هذه المصاطب توفر لنا مراقبة جيدة لكل ما يجير في الجانب الآخر.
ضابط ينتقد الرئيس السادات:
بعد إقالة صادق وقع حادثان مهما يبينان أنه كان هناك ضباط آخرون يشاركون صادق آراءه فيما يتعلق بالحرب. وقع الحادث الأول يوم 29 من أكتوبر أي بعد يومين فقط من الإقالة إذا اخبرني اللواء سعيد الماحي قائد المدفعية والذي عين بعد ذلك كبيرا ياوران الرئيس السادات في الساعة الخامسة بعد ظهر ذلك اليوم أن أحد ضباط المدفعية انتقد علنا رئيس الجمهورية لقد وقع هذا الحادث في مدرسة المدفعية عندما كان قائد المدرسة يقوم بتوعية الضابط عن الأحداث الأخيرة وأثناء قيام قائد مدرسة المدفعية بالتلقين علق الضابط قائلا طيب وهو رئيس الجمهورية يعرف حاجة وقد شكل مجلس تحقيق للتحقيق مع الضابط المذكور فيما نسب إليه ولكنه أنكر- أو بمعني أصح أوحي إليه أن ينكر- حتي يمكن حصر الموضوع في أضيق نطاق وقد قبل إنكار الضابط ولم يحاول المجلس التعمق في البحث والاستقصاء عن حقيقة ما قاله، وهكذا حفظ الموضوع.
انقلاب فاشل بقيادة اللواء علي عبدالخبير:
أما الحادث الآخر فقد وقع بعد الأول بأقل من أسبوعين ولكنه كان أكثر خطورة وأبعد أثرا لقد كان محاولة انقلاب كاملة اشترك فيها بعض كبار الضباط وبعض ضباط المخابرات الحربية.
فقد حدث أن ضابطا برتبة نقيب من المخابرات الحربية وقع علي معلومات جعلته يشك في أن هناك بعض ضباط من المخابرات يتعاونون مع المتآمرين فأبلغ شكوكه إلي أحد أصدقائه الذي قام بدوره بإبلاغها إلي الرئيس وبعد أن استمع السادات إلي قصة هذا النقيب ازدادت شكوكة بإدارة المخابرات الحربية وأخذ يعتمد أكثر فأكثر علي المخابرات والمباحث العامة. وقد أكدت المراقبة أن ضباطا من المعروفين بولائهم لصادق يجتمعون ولكن اجتماعاتهم ومقابلاتهم كانت تتم تحت اجراءات أمن مشددة، ولم تستطع المخابرات أو المباحث العامة أن تعلم بما يدور داخل هذه الاجتماعات لقد زادت هذه المعلومات من شكوك الرئيس فرأي عدم الانتظار حتي يتم الحصول علي قرائن تدل علي التآمر وقرر أن يضرب التنظيم المشتبه فيه قبل أن يستفحل الأمر.
في الساعة 1745 يوم 11 من نوفمبر 72 ذهبت لمقابلة السيد الرئيس في منزله بالجيزة بناء علي طلبه، وبعد حوالي نصف ساعة انضم إلينا ممدوح سالم وزير الداخلية وبعد حوالي نصف ساعة أخري أنضم إلينا عزت سليمان نائب مدير المخابرات العامة وقد قرأ علينا عزت سليمان المعلومات المتيسرة لديهم عن تنظيم سري في القوات السلحة يسمي «إنقاذ مصر».
قبل أن أحكي قصة هذا الانقلاب الفاشل يجب أن أوكد مرة أخري أن آراء صادق التي أوضحها في اجتماع 24 من أكتوبر وأيده فيها كل من الفريق عبدالقادر حسن واللواء علي عبدالخبير كان يؤمن بها الكثيرون من ضباط القوات المسلحة لقد كانوا يعتقدون أن هناك قوة سياسية خفية تريد أن تدفع القوات المسلحة المصرية إلي الحرب قبل أن تستكمل استعداداتها بهدف تدميرها فإذا دمرت القوات المسلحة فسوف يسقط النظام الحاكم وتعم الفوضي البلاد وبذلك يصبح الجو ملائما لانتشار الشيوعية في مصر ومنها إلي العالم العربي لقد سمعت هذا الرأي من صادق عدة مرات قبل مؤتمر 24 من أكتوبر 72 ولم أقبله قط وكان ذلك من نقاط الخلاف الرئيسية بيني وبينه ومع ذلك فإني لم اشك مطلقا في شجاعته ووطنيته أو أنه كان يقوم بهذه اللعبة لحساب جهة اجنبية أخري لذلك فقد حزنت كثيرا عندما سمعت السادات يتهمه أمامي بأنه ألعوبة في يد الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية وعميل له.
ولق اندفع الرئيس إلي ابعد من ذلك فقال إنه ليحصل علي المال والذهب والهدايا الثمينة من الملك السعودي وفي مقابل ذلك فإنه يقوم بتنفيذكل ما يأمره به وقد أيد ممدوح سالم ما يقوله السادات وعلق علي ذلك قائلا: ألم أقل لك هذا منذ زمن ياسيادة الرئيس! لم أكن في وضع يسمح لي بأن أويد أو أنفي ما يقولون فكنت استمع وأنا صامت ولكني كنت أشعر بالحزن والآسي. إني اعرف صادق منذ أن كنا في العشرينيات من عمرنا وعلي الرغم من خلافاتنا في الرأي ونحن في الخمسينيات من عمرنا فإني لا أتصور مطلقا أن يكون صادق عميلا. وبينما كان السادات يكيل الاتهامات له خلال هذا اللقاءتذكرت فجأة الكتاب الذي كان السادات قد أرسله إلي الملك فيصل قبل ذلك بعام وكان يقول فيه له إنه يثق بصادق ثقة مطلقة لم يكن السادات يعلم أن صادق قد أطلعني علي هذا الكتاب ولم أشأ أن أثير هذا الموضوع في مثل هذا الجو الصاخب ولكني كنت أشعر في قرارة نفسي بالآسي والاشمئزاز من هذا الأسلوب الرخيص في مهاجمة الخصوم.
كانت الساعة العاشرة مساء عندما غادرنا نحن الثلاثة ممدوح سالم وأنا وعزت سليمان-منزل الرئيس في الجيزة بعد أن تلقينا تعليمات الرئيس بالقبض علي المشتبه فيهم واستجوابهم ذهبنا إلي مبني هيئة المخابرات العامة باعتبارها صاحبة الخيط الرفيع وعلي أساس الاعتقاد بأن إدارة المخابرات الحربية هي نفسها متورطة في العملية وقد مكثنا في المخابرات العامة طوال الليل حيث استدعيت إلي هناك المدعي العسكري العام وأصدرت عددا من الأوامر بالقبض علي المشتبه فيهم وكانت الساعة الخامسة صباحا عندما انتقلت من المخابرات العامة إلي مكتبي لكي احصل علي ساعتين من النوم قبل أن أستأنف عملي في الصباح وفي هذا اليوم نفسه أصدر الرئيس السادات أمرا بطرد اللواء محرز مدير إدارة المخابرات الحربية وباستمرار التحقيق خلال يوم 12 نوفمبر ظهرت الحاجة لاستجواب اسماء جديدة وبالتالي إصدار أوامر جديدة للقبض علي عدد آخر من الضباط اضطررت للسفر إلي الكويت بعد ظهر يوم 13 من نوفمبر لحضور اجتماع اللجنة المشكلة من عدد من أعضاء مجلس الدفاع المشتركوعدت بعد ظهر يوم 15 من نوفمبر دون انتظار انتهاء اعمال اللجنة لقد كان استجواب افراد تنظيم «إنقاذ مصر» مازال مستمرا وفي خلال ليلة 15/16 من نوفمبر طلب إلي المدعي العسكري العام أن اصدر امرا بالقبض علي اللواء علي عبدالخبير الذي كان قائدا للمنطقة العسكرية منذ أسبوعين فقط نظرا لأن التحقيقات قد اظهرت ارتباطه بهذه العملية وتورطه. وفي تلك الليلة تم القبض علي عبدالخبير كماتم القبض علي عدد آخر من القادة نم بينهم العقيد عمران وهو قائد فرقة مشاة ميكانيكية والعقيد احمد عبدالوهاب وهو رئيس أركان فرقة ميكانيكية والمقدم عادل وهو ضابط أركان حرب يعمل في وزارة الحربية، والمقدم عصام وهو قائد مجموعة صاعقة لقد اتسع التحقيق واتضح لنا مدي خطورة الموقف من حيث عدد الضباط من ذوي الرتب الكبيرة والمناصب الحساسة الذين كانوا يعدون لهذا الانقلاب.
بعد طرد اللواء محرز من وظيفته كمدير لإدارة المخابرات الحربية يوم 12 من نوفمبر انتقل التحقيق من المخابرات العامة إلي المخابرات الحربية حيث إن المقبوض عليهم كلهم كانوا من العسكريين كما أن المحقق هو المدعي العسكري العام بعد ظهر يوم 16 من نوفمبر قمت بزيارة مكان التحقيق لكي ألم بآخر التفاصيل وهناك اطلعت علي اعترافات علي عبدالخبير التي وقع عليها بإمضائه الذي كنت أعرفه جيدا فطلبت أن أقابله شخصيا فلما حضر أمامي سألته بأسلوب أخوي «هل قمت يا علي بالإدلاء بهذه الأقوال والتوقيع عليها بمحض إرادتك ودون أي ضغط أو تهديد؟! فقال نعم لقد كان علي عبدالخبير رجلا شهما في اعترافه ولقد أراد أن يتحمل المسئوليةكلها ليعفي الآخرين جميعهم من المسئولية. وعلي الرغم من خلافنا في الرأي فقد كنت أنظر إليه كصديق وزميل، وزادني موقفه الشجاع أثناء التحقيق احتراما له. اختليت بالمدعي العسكري العام وقلت له إني رأيت بنفسي علي عبدالخبير وأن منظره لايدل علي وقوع أي اعتداء جسماني عليه، ولكني أريد أن أؤكدأنه لايجوز أيضا استخدام التهديد أو الوعيد وأنه هو وزملاءه يجب معاملتهم بمنتهي الاحترام والتقدير اللذين تمليهما رتبهم العسكرية أكد لي أنه هو شخصيا يؤمن بكل كلمة قلتها وأنه علي استعداد لأن يحضر أي شخص آخر لكي أتأكد بنفسي أنه لم يمارس الضغط علي أحد ولكني اكتفيت بأقواله لقد كانت الاعترافات واضحة وتبين عملية انقلاب محبوكة الأطراف كانت خطتهم هي أن يقوموا بالعملية ليلة 9 من نوفمبر وقد اختاروا هذه الليلة بالذات لأنها كانت الليلة المحددة لعقد قران ابنتي ناهد وكانت الخطة تقضي بأن تهاجم وحدة منهم مكان عقدالقرآن فتعتقل الموجودين كلهم، ولابد أن يكون من بينهم رئيس الجمهورية ووزير الحربية ورئيس الأركان والكثيرون من الوزراء وكبار الضابط ولكنهم فوجئوا باحتياطات أمن مشددة لحراسة المنطقة مما جعلهم يؤجلون تنفيذ العملية إلي وقت آخر.
كنت مدعوا في مساء يوم 16 من نوفمبر لحضور حفل زفاف السيد عبدالمنعم الهوني وهو أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية كان الحفل يجري في نادي الرماية بالهرم وكان الرئيس السادات يحضر هذا الاحتفال انتحيت بالرئيس جانبا وأخبرته بآخر التفصيلات والاعترافات بخصوص الانقلاب الفاشل وبعد حوالي ساعتين هم الرئيس بالانصراف فنزل معه المضيف لتوصيله إلي عربته بينما بقيت أنا في الدور العلوي أعد نفسي للرحيل وانتظر عودة الداعي لكي أسلم عليه وبينما أنا واقف أتحدث إلي بعض المدعويين إذا بأكثر من شخص يصرخ «سيادة الرئيس» عايزك فنزلت إلي الدور الأرضي وعند وصولي إلي الباب كان الرئيس قد غادر المكان تاركا من يبلغني بأن اتبعه مباشرة إلي منزله في القبة وفجأة وجدت نفسي داخل عربة من عربات الحراسة الملاحقة بركب الرئيس فوصلت عقبه وبينما كان يصعد سلم منزله كنت قد لحقت به.
قال الرئيس «أنت شغلتني قوي ياسعد بالكلام اللي قلته- لقد بدا يشعر بأبعاد المؤامرةولكني طمأنته وأكدت له أنه قد تم القبض علي جميع الرؤوس المدبرة وعلي الرغم من أن اسم الفريق صادق لم يرد ذكره مطلقا علي لسان أي من الذين جري التحقيق معهم إلا أنه كان واضحا أن المقبوض عليهم جميعهم يدينون بافكاره نفسها وأنهم كانوا ينوون القيام بانقلابهم لأنهم كانوا يعتقدون انهم بذلك يؤدون عملا وطنيا لبلادهم قال الرئيس لا لقد كان صادق يخدعني فيما يتعلق بالأشخاص وكان يزرع رجاله في المناصب المهمة ويستبعد من يختلف معه في الرأي ما رأيك في عادل سوكه؟ فقلت له أنه ضابط جيد فقال طيب ابعت هاته من تركيا بكرة تبعت تجيبه فقلت له سيادة الرئيس إذا قبلت نصيحتي فإني اقترح تأجيل ذلك فاستوضح الرئيس لماذا؟ فقلت له كان الفريق صادق للأسف يتهم كل من يختلف معه في الرأي بأنه شيوعي لقد قاسيت أنا نفسي من هذه التلميحات فإذا نحن احضرنا عادل سوكه في مثل هذه الظروف فقد يجري تفسير هذا التصرف في القوات المسلحة تفسيراخاطئا فهز الرئيس رأسه موافقا وقال أعتقد انك علي حق أجل هذا الموضوع الآن ناقشنا بعض الموضوعات الأخري التي تتعلق بتأمين القوات المسلحة واستغرقت مناقشتنا لهذه الموضوعات حوالي نصف الساعة، عدت بعدها مرة أخير إلي نادي الرماية لكي آخذ زوجتي وننصرف من الحفل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.