طرح الاستفتاء الأخير حول التعديلات الدستورية العديد من القضايا لشعب "محدث" و"جعان" ديمقراطية مثلنا. والحقيقة أن أهم شيء في الموضوع كله هو الاقبال الهائل وليس نسبة من قالوا نعم ونسبة من قالوا لا فهذا موضوع مشكوك بشدة في معناه السياسي ولذلك حديث آخر، أو ربما غطاه المناضل الممتاز الأستاذ عبد الحليم قنديل. ما يهمني هنا هو الجانب الخاص بالبند العنصري، من وجهة نظري الخاصة، وهو بند مواصفات المرشح لرئاسة الجمهورية من ناحية كونه «مصري ابن مصريين» ولا يحمل جنسية أخري (رغم أن القانون يسمح بذلك عكس القانون الألماني الذي لا يسمح بذلك) وأيضا أن يكون متزوجا من مصري. وبالطبع فإن الهدف من ذلك هو وطنية الرئيس وكأننا لم نبتلي برؤساء خونة وعملاء وحتي متصهينين تتوفر فيهم هذه المواصفات. العنصرية بمعناها الكلاسيكي هي التفرقة بين البشر علي أساس اللون أو الدين أو الأصل وهي شيء مقيت ومعيب تسعي البشرية للتخلص منه حتي رأينا في الولاياتالمتحدة لأول مرة رئيسا أسود وإن كانت هذه الدولة المبنية علي أساس الاستعمار الاستيطاني وذبح ومص دم الشعوب لم تتخلص من العنصرية بعد. إلا أن عباقرة العنصرية لم يتوقفوا عند هذه الأنواع الثلاثة من العنصرية، كما لم يتوقف مقاومو العنصرية عندهم فظهرت التفرقة العنصرية علي أساس الجنس ( رجل وامرأة) والسن ( شاب ومتقدم في السن) والحالة الصحية (صحيح ومعاق)، إلخ، لدرجة أنني عندما عملت لمدة عام كعميد لكليتين في إحدي الجامعات الخاصة في مصر عند عودتي من الخارج عام 2008 اكتشفت نوعا يدعي للسخرية من العنصرية (أو أخواتها الستة) لم أجد له اسما مبسط وهو العنصرية علي أساس جامعة الأصل (الذين من جامعة حكومية معينة ينحازون إنحيازا غير موضوعي للقادمين من نفس الجامعة ضد القادمين من جامعات أخري). الثلاثة أنواع الأولي هي ما يمكن أن نطلق عليها العنصرية بالمعني الكلاسيكي والأنواع الأخري هي ما يمكن أن نطلق عليها أخواتها الستة، وقد تزيد مع الزمن والمعرفة علي العدد ستة. مواصفات رئيس الجمهورية في تعديلات الدستور يشتم منها رائحة الأخوات الشرعيين للعنصرية الكلاسيكية، فكيف نسمح لمواطن مصري بأن يحصل علي جنسية أخري ويحتفظ بالجنسية المصرية ثم نحرمه من أي من حقوق هذه الجنسية، كيف نسمح له بأن يتزوج أجنبية ثم نفعل نفس الشيء معه، إلخ. هذا بلا شك شكل من أشكال العنصرية التي يجب تجنبها. المواطن المصري يجب أن يتمتع بكل الحقوق ما دام يحمل الجنسية المصرية. والرد الوحيد الذي استطاع أن يجيب به المستشار البشري هو أن ذلك يطبق في الجيش وفي وزارة الخارجية، والحقيقة أنه لا يجب تبرير الخطأ بالخطأ، فإذا كان ذلك كذلك فيجب إلغاء هذه العنصرية من الجيش ومن وزارة الخارجية. أما حجة تسلل العملاء والخونة فهذه حجة فاسدة وليست هذه هي الطريقة لتحقيق ذلك، بل إن الطريقة المثلي هي أن يتفرغ مسئولو الأمن لكشف العملاء والخونة بدلا من أن يصرفوا جهدهم في ملاحقة وتعذيب المواطنين الشرفاء، والمعني واضح لكل الشرفاء. أما المبرر الأخير الخاص بالكيان الصهيوني (والذي يطلق عليه البعض زورا إسرائيل) فهذه ليست دولة بل ورما سرطانيا واستعماراً استيطانيا يجب ألا تكون معه أي علاقات لا في هذا الموضوع ولا غيره لحين إزالته أو زواله أيهما أسبق بإذن الله. وفي هذا السياق يجب ألا ننسي أو نتناسي أنه إذا كان يمكن اتهام نظام السادات بالعمالة والخيانة نتيجة ما قام به من استسلام مشين للكيان الصهيوني وللاستعمار العالمي خصوصا الأمريكي بعد حرب 1973 التي مازلنا نضعها في خانة الانتصارات حتي إخطار آخر، فإن نظام مبارك البائد لم يكن نظاما خائنا وعميل بل كان نظاما صهيونيا بحتا خدم الصهاينة بكل الطرق ومن كثافة واجباته تجاه الصهيونية عين ودعم وزراء لا يقلون ولاء للصهيونية عنه. ومن الملحوظ أن كل هؤلاء الخونة والعملاء والصهاينة كانوا من أب وأم مصريين (بغض النظر عن الديانة فلذلك موضوع آخر) ويحملون الجنسية المصرية فقط ومتزوجين من مصريات. والشيء بالشيء يذكر، فربما كان عدم اكتفاء الصهاينة بعمالة السادات وتصهين مبارك سببا لتعاونهم مع مبارك في اغتيال السادات!! حسبي الله ونعم الوكيل. لذلك فإن هذه المادة بتركيبتها العنصرية الحالية يجب إلغاؤها من أي دستور جديد متحضر وغير عنصري. وللنظر لبلد متحضر مثل كندا (رغم تواجدها غير المتحضر في أفغانستان)، إذا هاجرت لها تحصل علي الجنسية بعد ثلاث سنوات من الهجرة وتصبح مواطنا كنديا كامل الحقوق ولا يسألك أحد عن والديك أو زوجتك ولم نسمع أن ذلك قد سبب أي مشكلة للأمن القومي الكندي كما ندعي نحن بهذه العنصرية في عصر زوال العنصرية. يسعدني تلقي كل الاختلافات والانتقادات والتصحيحات بصدر رحب جدا.