علمونا في مدارس الصغر أن «الأدب فضلوه علي العلم»، وعلمونا في دروس الدين وجوب طاعة أولي الأمر، وقد جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة تفرز من التزم حتي الآن من صغره بالدرسين، ومن فارق الصغر فودع الدرسين، أما الأدب فله بينات، وقلة الأدب لها بينات وشواهد، وطاعة ولي الأمر تجعلنا نصدقه قبل أي دليل مناقض لكلامه، وإذا لم نفعل فنحن عبيد سوء ولسنا نعم الرعية وبعيدا عن كل اللغو و«قلة الأدب» مما أحاط بهذه الانتخابات، وبعيدا عن كل الأدلة المناقضة لما قاله ولاة الأمر، فقد جاءت نتيجة الانتخابات لتؤكد أن «القاعدة العريضة» من الرعية مازالت ملتزمة بدروس الصغر والدين، وكيف لا وهي التي صوتت لصالح حزب الحكومة ليفوز حاصدا كل مقاعد البرلمان!، أما الاستثناء - الأصوات الضئيلة المعارضة أو المستقلة - فهي لا حكم لها!، خاصة أنها «قليلة الأدب» لم تطع ولاة الأمور، وصوتت بغير أدب ولا علم!، وإليكم ما قاله رئيس الوزراء - رئيس النظار في تراثنا السياسي القديم - د.نظيف يقول في طرابلس وهو يلقي خطاب رئيس الجمهورية نيابة عنه في مؤتمر دولي عندما ووجه ببعض الانتقادات لانتخاباتنا :«الانتخابات تمت بشكل جيد، وأعتقد أن الجميع يشهد علي ذلك، وأستطيع التأكيد علي الاستمرار في تحقيق أعلي معدل ممكن من الشفافية والأمان للعملية الانتخابية التي لم تنته بعد، فهناك جولة الاعادة التي أتمني أن تتم بشكل جيد، لكي نثبت للعالم أن مصر قادرة علي إدارة عملية انتخابية جيدة»! صدق رئيس الوزراء أحد كبار ولاة الأمر، وإن شاءت قلة أدب البعض أن تشكك فيما قال! فتخرج عن حدود الأدب والتهذيب الديني، وتفسد علي رئيس الوزراء فرحته بفوز كل الوزراء بالنجاح في الانتخابات!، وهذا واحد من كبار ولاة الأمر هو الآخر، بل هو مهندس عملية الانتخابات كلها التي أسفرت عن فوز حزب الحكومة بكل مقاعد البرلمان، قال تعليقا علي قلة الأدب التي بدرت من المعارضين بعد إعلان نتائج الانتخابات في جولتها الأولي:« كل المؤشرات تؤكد نجاح الخطط والاجراءات التي أدارها الحزب، وأثبتت جدواهه وفاعليتها، ولما كان لكل قاعدة استثناء، فانه قد حدثت منافسات داخلية بين مرشحي حزب الحكومة وستكون الإعادة في الدوائر العديدة بينهم»!. ثم أضاف مهندس العملية الانتخابية كلها قائلا :«نرفض الاتهامات التي روجت لها جماعة الاخوان المحظورة وغيرها من بعض القوي السياسية عن حدوث عمليات تزوير واضحة واسعة، فكل هذه أقوال كانوا يروجون لها منذ أسابيع، وليس يوم الانتخابات للتغطية علي هزيمتهم المتوقعة»!. ونعود إلي ما قاله رئيس الوزراء:«لقد أثبتنا للعالم أن مصر قادرة علي إدارة عملية انتخابية جيدة»!، ولأننا لا نصدق رئيس الوزراء التزاما بالأدب فقط، بل نحن نصدقه لانه قد «أثبت للعالم» أننا لسنا في حاجة إلي مراقبين من أي نوع .. خاصة من الخارج .. ولا لشهادة بذلك من هؤلاء الذين أرادوا مراقبة انتخاباتنا انتقاصا من سيادتنا الوطنية التي نفديها بالروح والدم مثل رئيس الوزراء تماما!. ونحن نصدق السيد صفوت الشريف كذلك فيما قال، عندما كشف أن دوائر «المحظورة» وغيرها ظلت تردد قبل الانتخابات بأسابيع عن حدوث «عمليات تزوير واسعة»، وليس يوم الانتخابات للتغطية علي هزيمتهم المتوقعة، ففي هذا الكلام «الناصع» ما يذكرنا بما كان يفعله تلاميد المدارس علي، عندما كان يرجون عند أهلهم ويمهدون لغباء رسوبهم عند اعلان النتيجة زماننا، من أن السبب في ذلك يعود إلي عدم استلطاف المدرسين لهم، أو أن بعضهم قد قبض «معلوما» لكي ينجح غيرهم من الأقران!، وقد قدم مهندس الانتخابات كلها أن هذه المحظورة أليس لها أي أرضية في الشارع أو الجو أو البحر!، وانها ستظل راسبة في انتخاباتنا إلي الأبد!، مادام الحزب الوطني باقيا في مصر للأبد!، وليس أبلغ من دليل علي «مصداقية» ما أدلي به ولاة الأمر - رئيس الوزراء ومهندس العملية الانتخابية كلها - من أن واحدا يوحد الله من الفائزين في الجولة الأولي للانتخابات - واحد فقط - قد أتي بأي سيرة للتزوير وخلافه في الانتخابات!، وعموما فهذه «لوكاندة» الانتخابات المصرية ليس فيها غير «هذا الطبق الواحد الوحيد». أقولها لكل من نزل في هذه «اللوكاندة»، من شاء أكل، فاز أم رسب. ومن لم يشأ فليكن في حاله. مثل أغلبيتنا المصرية!.