* فريق الإخوان مع فريق الفلول يتبادلان الفوز فى مباراة لكتم أنفاس الثورة أو تحويلها إلى «ثورة بارتى» فى سهرة أقنعة تنكرية * تحالف جماعة مبارك وجماعة الإخوان لإعادة مصر إلى خطوط 24 يناير 2011 * تسعى جماعة الفلول لتصفية الثورة بتزوير صورة البلد واختصار مشكلتها فى وجود جماعة الإخوان أو فى اعتبارها إرهابية أو إمبريالية * جماعة الفلول تسعى بعد تزوير الثورة وتزوير مشكلة البلد إلى تزوير صورة السيسى واللعبة باتت مفهومة، وجوهرها ظاهر، وهو باختصار فك «العروة الوثقى» بين ثورة 25 يناير 2011 وموجتها الأعظم فى 30 يونيو 2013، فلولا ثورة 25 يناير ما كانت ثورة 30 يونيو، وعشرات الألوف التى بدأت ثورة 25 يناير، كانت طليعة الزحف، وكانت نواة اجتمعت حولها مئات الألوف فى ميدان التحرير، ثم وصلت إلى الملايين لحظة خلع مبارك، كانت تجربة جماعية لشعب صابر فى اقتحام حواجز الخوف، وفى الإفاقة من غيبوبة وعى طويلة المدى، وفى استعادة الشعور بالألم التى تصنع الأمل، ثم كانت محنة حكم الإخوان التى ولدت النعمة، وحولت عشرات الألوف التى خرجت ظهر الثلاثاء 25 يناير إلى عشرات الملايين فى ملحمة الأحد30 يونيو، كان انتفاض الشعب المصرى فى 25 يناير يهدف إلى خلع حكم جماعة مبارك، وكان انتفاض الشعب فى 30 يونيو يهدف لإزاحة حكم الإخوان، وعن عقيدة واعية أدركت بلمس النار حقيقة التشابه إلى حد التطابق الموضوعى بين الجماعتين، واللتين تسيدتا المشهد المصرى قبل 25 يناير 2011، واحدة فى الحكم والأخرى خارجه، وتتنازعان الآن على التلاعب بمصير الثورة المغدورة، والتى تقوم موجاتها العفية واحدة تلو الأخرى، ودون أن تحكم الثورة، بل يحكم «الأغيار» (!) ، وكأنه حرام على بلابله الدوح ، وحلال على الطير من كل جنس (!). وكما تفك دعاية جماعة الإخوان «عروة وثقى» وصلة الثورتين، أو الموجتين المتصلتين فى ثورة واحدة، فكذلك تفعل جماعة الفلول على طريقتها، فجماعة الإخوان تتحدث عن 30 يونيو كمؤامرة، وتقول إن 25 يناير وحده هو الثورة، والسبب مفهوم وغريزى، فقد جاءت جماعة الإخوان إلى الحكم بعد 25 يناير، وأزيحت عنه فى 30 يونيو، وبديهى أن تفضل ذكر 25 يناير، وأن تبتئس لذكر 30 يونيو، فيما تفعل جماعة الفلول العكس تماما، وتعتبر أن 30 يونيو وحده هو يوم الثورة، وأن 25 يناير كان مجرد مؤامرة أخرجتها من الحكم، وتريد أن تخلف جماعة الإخوان فى الحكم بادعاء الانتساب إلى الثلاثين من يونيو، وتريد العودة إلى خطوط 24 يناير 2011، وبدعوى أن أحوال مصر وقتها كانت عظيمة جدا (!)، وأن أحوال الاقتصاد والأمن كانت أفضل، وجماعة الفلول لا تحارب فى الشارع، ولا تحشد المظاهرات العنيفة على طريقة الإخوان، بل تحارب بفوائضها المالية المليارية المسروقة، والتى تصالحت معها جماعة الإخوان حين كانت فى الحكم، وتحارب استنادا إلى مواقع نافذة فى جهاز الدولة، حافظت على وجودها فيها زمن حكم الإخوان، وتحارب من مواقع سيطرة على الفضائيات الإعلامية الكبرى، وأغلب الفضائيات المصرية مملوكة للمليارديرات، وطبيعى أن يحارب هؤلاء دفاعا عن مصالحهم، خاصة أنها ظلت محفوظة مصانة زمن حكم الإخوان، ولم يحاول الإخوان المساس بها، لا بعزل سياسى شامل، ولا بمصادرة الأموال المنهوبة، ولا حتى بفرض الضرائب التصاعدية، ولا بإجراء محاكمات ثورية، بل سعى مليارديرات الإخوان إلى التصالح مع مليارديرات الفلول، وإلى حد تحول بعض قنوات الفلول إلى أبواق دعاية للإخوان زمن حكمهم، ثم انقلبوا عليهم بعد 30 يونيو بغرائز المصالح التى تبقى، فالمصالح مبادئ عند هؤلاء، ومصالحهم الآن تقضى بهدم سيرة ثورة 25 يناير 2011، وبدعوى أنها جاءت بالإخوان إلى الحكم، وأنها كانت سببا فى انهيار الأمن وتردى الاقتصاد، ولا مانع عندهم من العودة لتبييض صورة مبارك، وباستغلال ظواهر القلق الطبيعى المصاحب عادة لمراحل الانتقال مع الثورات، خاصة لو طالت وتعثرت كما حدث فى مصر، ورافقها تدهور اقتصادى وأمنى كما يحدث بالطبيعة زمن الثورات الشعبية، وهو ما تستغله جماعة الفلول، وتفتعل حنينا زائفا إلى ما كان قبل 25 يناير 2011، تفتعل حنينا زائفا إلى القهر والاستعباد والاستبداد والفساد والتجريف والنهب وخيانة الأوطان، وهم يوجهون بعض هذه التهم إلى حكم الإخوان، ويتهمون الإخوان بخطف وسرقة ثورة 25 يناير 2011، بينما هم يريدون سرقة ثورة 30 يونيو 2013، وإعادة حكم مبارك بدون مبارك إلى الكرسى الذى جلس عليه الإخوان، وكأن مصر قد حكم عليها بأقدار البؤس، أو أن تنجو من حفرة لتقع فى بئر العطن، وهو ما يبدو خطرا ماثلا هذه الأيام، وإن كانت تلك بالطبع ليست نهاية قصة الثورة المتصلة فصولها ومعاركها . ومع اعتبار 25 يناير مؤامرة لا ثورة، تسعى جماعة الفلول لتصفية الثورة بتزوير صورة البلد، واختصار مشكلتها فى وجود جماعة الإخوان، أو فى اعتبارها إرهابية أو إمبريالية، ولفت النظر عن مشكلات مصر الحقيقية، فأزمة مصر الحقيقية أنها لم تغادر بعد خانة الاختيارات الثلاثة الملعونة، وهى الاختيارات المشتركة لجماعة الفلول وجماعة الإخوان، وعناوينها الجامعة هى الولاء للأمريكيين وحفظ أمن إسرائيل ورعاية مصالح رأسمالية المحاسيب، وهو ما يلتفت عنه إعلام جماعة الفلول المتشح برداء الثورة الآن، ويتعامل معه كأنه القدر المحتوم المكتوب على الجبين، ويحصر مشكلة مصر كلها فى وجود الإخوان، مع أن تضخم جماعة الإخوان لم يكن إلا ثمرة لحكم جماعة مبارك، فقد كان مبارك يريد استثمار فزاعة الإخوان عند الأمريكان، وسمح للجماعة بالوجود والتمدد والنشاط العلنى، وامتنع عن تنفيذ حكم القضاء الإدارى سنة 1992 بإغلاق مقار جماعة الإخوان ومصادرة أموالها، وكان جهاز أمنه يدير حرب «خض ورج» مع جماعة الإخوان، يعتقل عشرات الألوف منها على فترات، ويدير معها اتفاقات الظلام الانتخابية فى أوقات أخرى، وكانت جماعة الإخوان بدورها تلتزم بسقف الحركة المتاح، فلم يدع قادتها أبدا إلى ثورة ضد حكم مبارك، ولم يلتحقوا بثورة 25 يناير إلا بعد أيام أظهرت بوادر نجاحها، فقد بدأت الثورة من خارج الجماعتين، ورسمت الطريق إليها حركات احتجاج جسورة من نوع «كفاية» وأخواتها، وبدت تلك الحركات كإصبع يومئ إلى طريق، ويدق على باب مصر التى كانت فى نومة أهل الكهف، وحين قامت مصر قومتها الأولى، فقد حاول الإخوان التمسح بها، بل وادعاء قيادة الصحوة الثورية، تماما كما تحاول جماعة الفلول التمسح بالصحوة الثانية، وادعاء أن مشكلة مصر ليست فى الاقتصاد ولا فى السياسة، ولا فى مذلة المعونة الأمريكية والهيمنة الإسرائيلية، بل فقط فى جماعة الإخوان حسب ادعاء الفلول، والذين يجاملون الإخوان عمليا، وينسبون ثورة 25 يناير إلى مؤامرة الإخوان، بينما ترد جماعة الإخوان على المجاملة والتحية بأفضل منها، وتنسب ثورة 30 يونيو إلى مؤامرة الفلول، وفى المجاملات الهزلية المتبادلة، والتى يهلل فيها كل طرف لما يتصوره ثورته الحصرية، تضيع الحقيقة، وتتفكك العروة الوثقى الواصلة بين موجات ثورة الشعب المصرى، ويجرى التخفى بالبضاعة المسروقة، وخيانة أهداف الثورة الكبرى فى الاستقلال الوطنى والتصنيع الشامل والعدالة الاجتماعية، وتحويل قصة الثورة إلي «لعبة كمبيوتر»، يتصارع فيها فريق الإخوان مع فريق الفلول، يتبادلان الفوز فى مباراة لكتم أنفاس الثورة، أو تحويلها إلى «ثورة بارتى» فى سهرة أقنعة تنكرية (!) . وبعد تصوير ثورة 25 يناير كمؤامرة كونية، واختصار مشكلة مصر فى وجود الإخوان، تتبع جماعة الفلول دليلها الثالث إلى كرسى الحكم الذى ذهب عنه الإخوان، وقد لاتتطلع هذه المرة إلى مقام الرئاسة، فهى تدرك أن الرئاسة قد تذهب فى الغالب إلى الفريق عبد الفتاح السيسى حال ترشحه، وتسعى بعد تزوير الثورة وتزوير مشكلة البلد إلى تزوير صورة السيسى، وإكسابها ألوانا «فلولية» زاعقة مسيئة للرجل، ثم محاصرة الرجل إذا تولى الرئاسة ببرلمان تسيطر عليه جماعة الفلول، برلمان تسيطر عليه جماعات المال والبلطجة وشبكات العائلات المتحالفة مع الفساد فى جهاز الدولة، وذلك بتفضيل النظام الفردى فى الانتخابات البرلمانية، والضغط لإقراره كاملا، والنظام الفردى باختصار هو أقرب طريق لخيانة الثورة وتصفيتها برلمانيا، فهو يهدر غالبية أصوات الناخبين، ويقيم برلمان القلة الممتازة ماليا وإداريا، بينما تبقى الثورة وطلائعها المبعثرة بلا حزب وبلا برلمان ، ومع احتمال العودة مجددا إلى الميدان . نشر بعدد 682 بتاريخ 6/1/2014