لا يملك فلول الثورتين مهاجمة الشعارات التى الهبت خيال الناس من 25 يناير إلى 30 يونيو، لا حيلة لهم فى مواجهة «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية».. لا حيلة لهم مع قلب الثورة الذى لفظ الإخوان مثلما لفظ الفاسدين فى الحزب الوطنى.. لكن فلول كل العصور يتبارون فى تشويه الثوار أنفسهم، يبثون فى عقول الناس أن من وقفوا فى الميادين إما خائنا أو ممولا أو عميلا أو مضحوكا عليه.. يقولون فى النهاية انها لم تكن ثورة انها مؤامرة على البلاد. لم تختر الثورة متحدثين رسميين باسمها، لم تهتف الجموع فى الشوارع بأسماء القادة الميدانيين، المتحدثون باسم الثورة اختارهم أصحاب المصالح ثمنوهم ليستحقوا الوقوف على المذبح، صيدا ثمينا، يشوهون به الثورة نفسها، ومبررا قويا لتوريط أو تشويه ثوار حقيقيين يزعجون كل الانظمة، لا يقبلون بالتفاوض على مبادئهم.. خلطوا الثوار بالخونة ليسقطوا الثورة ويسكتوها..
لم تعرف الانظمة المتعاقبة على حكم مصر، بعد سقوط مبارك، أن الثورة فكرة لا تموت، جربوا كل الوسائل واختبأوا خلف كل الأقنعة لكنهم لم يصمدوا، وخلف كل قيصر يموت يولد لنا قيصر جديد، القيصر الجديد هو فى حقيقة الأمر قيصر قديم فقد ملكه ويسعى الآن للعودة من نفس الباب الذى أخرجناه منه.. فلول الحزب الوطنى الذين يعتقدون أن الثورة اندلعت فى مصر فى 30 يونيو تناديهم بالعودة للسلطة، خرجوا من مخابئهم سريعا معتقدين أن كره الناس للإخوان يبرر أى فساد ويبرر العودة عشرات السنوات للخلف.. لم يفرقوا بين المتحمسين لمؤسسة رفضت الوقوف فى وجوههم فى الشوارع، رفضت ذبحهم أمام قصر الاتحادية وفى التحرير تقربا لحاكم وجماعة خانوا مبادئ الثورة، لم يفرقوا بين المتحمسين لاسم الرجل الذى يجلس على رأس المؤسسة العسكرية والذى عرض حياته وتاريخه للحظة فارقة.. الفلول لم يفرقوا بين المتحمسين للمؤسسة العسكرية وبين جماعة «اسفين يا ريس»، ظنوا أن أموالهم جمعت شتات ملك زال، كما يظن الإخوان أن ملكهم لم يزل.
أوهام فلول الوطنى وفلول الإخوان دفعتهم لإعلان الحرب على ثورة يناير، خرجت من بين أيديهم تسجيلات للنشطاء، ومستندات التمويل، والتخريب.. اختصروا الثورة فى بضعة أسماء من النشطاء، بشكل متعمد، يشوهونهم وقتما يشاءون، باعتبارهم ثورة يناير المزعجة، اتفقت مصالح كل الأنظمة على تحديد الثورة فى أسماء بعينها، نجحوا فى تشويه كلمة ثائر أو ناشط.
الآن يلعب رموز نظام مبارك دور الضحية، يروجون للناس أن الحق اظهر طهر أيديهم ووطنيتهم، هم ضحايا لمؤامرة وليست ثورة، الثورة عندهم هى التى اعادتهم.. كما يروج «الإخوان» أنهم مضطهدون، وأنهم ضحية انقلاب غادر فرق بينهم وبين شعب يتلوع ألما من فراقهم.. يرفض الفريقان الاقتناع بأن الثورة هى التى اطاحت بهم، ولن تقبل بعودتهم، الثورة لديها إيمان بمن ينحازون لها.
ومن المفارقات أن تتصدى الجمعية الوطنية للتغيير لعودة رموز الحزب الوطنى للحياة السياسية، وكأن الجميع يلعبون نفس الأدوار التى لعبوها قبل 25 يناير.. الجمعية خرجت ببيان تدين فيه محاولات «الوطنى» تشويه ثورة 25 يناير، وعادت لتذكر نظام مبارك أنه خان الوطن وكرس الفساد والقمع وبدد ثروات الوطن البشرية والطبيعية وقزّم دور مصر فى المنطقة وفى العالم وحول البلاد إلى مجرد عزبة لأسرته وسعى لتوريثها بمباركة قيادات حزبه، وأكدت الجمعية أن القوى الثورية والوطنية التى فجرت الموجة الأولى للثورة هى التى قادت ونظمت موجتها الثانية، وأن استحقاقات الثورتين لن تتحقق إلا بالقصاص للشهداء ومحاكمة مبارك ورجال نظامه بتهمة الفساد السياسى، وإعادة أموال الشعب المنهوبة، والمضى قدما فى خريطة المستقبل التى يجب ألا يكون فيها مكان لكل من أجرموا فى حق هذا الوطن سواء بالمشاركة فى الفساد أو النهب أو التعذيب أو فى التواطؤ مع نظامى مبارك والإخوان بأى صورة من الصور.
يحسب للثوار أنهم يعرفون هدفهم، ويحفظون مطالبهم «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والقصاص للشهداء» ولم ينجروا فى ساحات النزال، حتى الآن، ربما توارى بعضهم انتظارا لتحقيق الوعود الكبيرة، ربما أحجم بعضهم عن المشاركة فى الاستفتاء، ولن يشاركوا الإخوان بالطبع فى محاولات إثارة الفوضى، ولن يشاركوا فى مظاهرات تأييد السيسى أو الاحتفال بالدستور، على الرغم من تصريح السيسى الذى استفز بقايا زمن مبارك، عندما قال فى اجتماع مجلس الوزارء عقب ظهور رموز الوطنى وهجومهم على 25 يناير، قال «لن نسمح بالعودة لما قبل 25 يناير»، وعد السيسى ليس كافيا، فالهجوم على الثورة مستمر، ومحاولات تقسيم شركاء 30 يونيو مستمرة، محاولات لا تتوقف من قبل عنصرى نظام مبارك «الفلول والإخوان».. وجرأتهم دفعتهم للوقوف فى صف واحد، صف يدفع بالسيسى بعيدا عن الرئاسة، لا يتورعون عن المقامرة باستقرار البلاد وأكل عيش الناس.