«25 يناير 2011» ثورة شعبية هائلة، لا، «يناير» ليست ثورة، إن هى إلا مؤامرةٌ صهيونية أمريكية ماسونية صِربية إيرانية سُنّية شيعية قطرية إخوانية، لا، لا هى ثورة ولا هى مؤامرة، إنما هى انقلابٌ على زعيم كبير خدم بلاده ثلاثين عاماً بعدما قام بالضربة الجوية الأولى لتحرير بلاده ولا يستحق منا النكران! وماذا عن «30 يونيو 2013»؟ بالتأكيد هى ثورةٌ شعبية هائلة، لا، بل هى موجة ثانية لثورة يناير، لا، لا هى ثورة ولا هى موجة ثانية، بل هى ثورة استعادة الثورة المُستلبة «يناير»، التى سرقها الإخوانُ والسلفيون وكافة تيارات الإسلام السياسى بعد استفتاء 19 مارس 2011! صَهٍ، ليست ثورة، إنما هى انقلابٌ عسكرى غاشمٌ غشومٌ ضد رئيس شرعىّ منتخب، إنما الثورة الأولى والأخيرة هى ثورة يناير 2011 وفقط، و«30 يونيو» هى الثورة المضادة التى قادها الفلول والعسكر، خطأ فى خطأ، كلاهما ثورتان مستقلتان عظيمتان؛ ثورة يناير 2011 كانت ثورة على الظلم والفساد، وثورة يونيو كانت ضد خيانة تجّار الدين، ومرتزقة الإسلام، وبائعى الوطن والشعوب باسم الله، حاشاه! لا، لا، بل... عشراتُ الآراء المتناقضة من هنا وهناك من أفواه فلاسفة السياسة فى الشارع المصرى وعلى شاشات الفضائيات، كلٌّ يتكلم من خلال موقعه قبل يناير وبعده، وقبل 30 يونيو وبعده، كل يتكلم من خلال تقييمه الخاص لمعنى الفساد، ومعنى الفاشية الإرهابية، ومعنى الوطنية، ومعنى الخيانة، ومعنى تقسيم الوطن وبيعه. وكلُّ ما يحدث من تخبط فى الآراء وتباين فى التقييم صحىٌّ وطبيعى، لأننا ما زلنا داخل حدود الدائرة وليس بوسعنا رؤية محيطها الكامل للحكم عليها الآن، إلا بعدما نخرج منها، فالثورات مِراس تراكمىٌّ ولحظة زمانية طويلة ممتدة، وليست فورة شعب تعلو وتخمد، لهذا لا يأتى الحكم على الثورات إلا بعد سنوات طوال وربما عقود، الثورة الفرنسية لم يُكتب توصيفها إلا بعد عقود، كذلك ثورتنا، وما زلنا مختلفين فى تقييم 23 يوليو 52؛ ثورة أم انقلاب عسكرى سانده الشعبُ فصار ثورة؟ كذلك الحكم على الملك فاروق يتغير اليوم. الخطير فى الأمر هو التشكيك فى ثورة يناير، ولكن متى تحديداً بدأ التشكيك فيها؟ لم يحدث هذا بعد ثورة يونيو العظيمة كما يظن كثيرون، بل بدأ الكفرُ بها بعد حكم «مرسى» جرّاء الويل الذى جرّعنا إياه المعزولُ وفصيله الإرهابى، فقلنا: «العوار ولا العماء»، فأما العوار فكان نظام «مبارك»، وأما نظام «مرسى» فكان العماءَ التام. تقريباً لم أصادف أحداً فى عهد المعزول لم يقل عبارة: «ولا يوم من أيامك يا مبارك!»، وهو يرى بلده تتفتت وشعبه يتشرذم وخيرات بلاده تُسرق وخريطة بلاده الجغرافية تتبدل، وتاريخ بلاده العريق يتهاوى. لكن، هل علينا المفاضلةُ دائماً بين العوار والعماء؟ الآن، بعد ثورتين كبريين استثنائيتين ونهر من دم الشهداء من حقنا أن نختار شيئاً كريماً، وليس مجرد أن نفاضل بين سيئين، لنختار الأقلَّ سوءاً.