30 يونيو انقلاب على ثورة يناير باركه العلمانيون ومحاسيب مبارك جميع الثورات المصرية تعرضت للإجهاض بمؤامرة داخلية وخارجية الغرب يغذي الصراع الإسلامي العلماني بمصر حتى وصلنا ل"صدع" لا يرمم لولا الزخم الشعبي وفي قلبه الإسلامي .. لما سقط مبارك الإعلام قاد حملة "شيطنة الإسلاميين" وتلميع دعاة الانقلاب عصر ناصر لن يعود حل الأزمة يبدأ من مرسي وينتهي بالصندوق الإخوان فشلوا في إدارة البلاد .. لكنهم واجهوا مؤامرة شرسة لإفشالهم قالت لنا صراحة : ما يجري على أرض مصر هو انقلاب عسكري استغل المظاهرات الحاشدة المعارضة، وليس صحيحا أنها ثورة شعبية ساندها الجيش . بل وذهبت الدكتورة نادية مصطفى مدير مركز الحضارة للدراسات إلى أننا نعيش ثورة مضادة لثورة يناير !. وبرأيها فإن المقصود من الحركة الأخيرة كان بوضوح إسقاط مشروع التيار الإسلامي برمته بعد ثورة يناير وليس الإخوان المسلمون فقط، وقد وضع خطة الانقلاب - كما وصفت - المعارضة العلمانية وقوى نظام مبارك وأدوات الدولة العميقة ووفرت لهم الغطاء القوى الأمنية الشرطية والعسكرية ، وتم عن عمد استخدام الإعلام لتشويه الرئيس وإفشاله بامتياز ومن ثم حشد المصريين ضده . الدكتورة نادية مصطفى مساهم رئيسي بحركة "جامعيون ضد الانقلاب" وقد رأست قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة . وتحمل السطور التالية حوارا دار مع شبكة "محيط" على خلفيات بيانات أصدرتها حول "المغالبة بالدبابة" بديلا عن الصندوق الانتخابي، وحملات شيطنة الإخوان وغيرها. أين تقع "30 يونيو" من حركة الثورات المصرية الحديثة ؟ في مستهل القرن التاسع عشر تولى محمد علي حكم مصر بعد ثورة شعبية مصرية ضد الحملة الفرنسية وهو ما يعرف ببداية بناء مصر الحديثة، ثم تلتها ثورة 1881 وهي ثورة عرابي ضد استبداد الخديو والمطالبة بملامح نظام برلماني في مصر ومواجهة النفوذ الأجنبي المتزايد، ثم جاءت ثورة 1919 وثورة 1952 وثورة يناير 2011 ثم الثورة المضادة وأعني بها 30 يونيو 2013ودائما كانت الثورات محل تشكيك وجدل في مآلاتها وحقيقتها، فمثلا هناك من وصف ثورة يوليو بأنها انقلاب عسكري لحق به تأييد شعبي، وثورة 19 قالوا أنها ثورة شعب من أجل الدستور والليبرالية أكثر من كونها مناهضة للاحتلال. والحقيقة أيضا أن أغلب تلك الثورات تعرضت للإجهاض من أطراف داخلية وخارجية، وقد تم تصفية مكتسبات دولة محمد علي قديما، وثورة عرابي انتهت باحتلال انجليزي على مصر، وثورة 19 ظلت تكافح من أجل دستور ألغي بعد عدة سنوات، والانقلاب العسكري في 52 أجهض آثار ثورة 19 من تعددية حزبية وبقايا ليبرالية بغض النظر عن مزايا العدالة الاجتماعية والقضاء على الإقطاع، ثم ضربت ثورة يوليو 52 في مقتل بعد نكسة 67 فاتخذت مسارا مختلفا أو ما نسميه نظام عبدالناصر بتعديلاته ؛ حيث خرجنا من العدالة الاجتماعية والاشتراكيىة لنقيضها ومن حصار الإسلاميين للانفتاح عليهم ثم اللعب معهم في عصر مبارك لأعطي إحساسا زائفا بالديمقراطية بالبلد. وجاءت ثورة يناير لتنهي نظام ثورة يوليو التي امتدت لستين سنة . وبعد عامين ونصف تأتي ثورة مضادة بانقلاب عسكري من داخل الجيش الذي أسس نظاما سياسيا وسيطر عليه 60 عاما وقيد الحريات على الجميع ليظل هو القوة الأساسية فيعود ويحتل صدارة المشهد السياسي. لكن ماذا عن التدخلات الأجنبية ؟ - التدخلات الخارجية تظل من أهم القواسم المشتركة في الثورات التي مرت بمنطقتنا قديما وحديثا، وتحدث من النظام الغربي الرأسمالي المهيمن عسكريا وثقافيا واقتصاديا ، وتجلت هيمنته من احتلال أرض للسيطرة على اقتصاد وتدفقات أموال ومساندة انقلابات والأخطر هو الهيمنة الثقافية التي تستخدم بوضوح وفجاجة شديدة ، وذلك النظام المهيمن يرفض تحقيق الثورات للاستقلال عن الخارج والتماسك في الداخل والرفاه والعدالة للجميع.والتدخلات الخارجية تحدث تأثيرها من خلال لعبة الانقسامات في الداخل، فهي تغذي الصراع باستمرار بين الأطراف المذهبية والقومية والطائفية، وفي مصر وصل الأمر لذروته ، وقد أسماه المستشار البشري "الصدع الإسلامي العلماني" أو بين الوافد والموروث، وقد وصل الآن لشق يهدد بانقسام حقيقي في المجتمع . والاحتلال بتعبير البشري يؤدي لخلل البوصلة في يد المصلح، فالقوة العسكرية على الأرض تضع قوانين صارمة لنقل نموذجها ولا تسمح للمصلحين أن ينشروا نموذجهم الخاص بحضارتهم، وجرى ذلك بالهند ومصر والمغرب العربي . وللأسف دولنا محملة بما أسماه المفكر تيموثي ميتشل "هياكل الاحتلال" فحين يغادر الأرض فإنه يترك نخبا وسلطات موالية له، وأظن أن التيار العلماني هو الأقرب له حتى اليوم . وهل هذا هو ما جرى في ثورة يناير ، من إقصاء للإسلاميين وتدخلات غربية ؟ في ثورة يناير اجتمعت كلمة الشعب على إزاحة الظلم والمحسوبية الذي تراكم ستين عاما، وسمحت بالحريات وأعطت الفرصة للصعود الإسلامي الذي تأخر لعقود ، والقوى الثورية لم تعترف بالمشاركة الإسلامية الأصيلة في الثورة وقالت أنهم سرقوها، وفعلا نعترف أن الثورة فجرها الشباب وكسر حاجز الخوف، ولكن ما كان للثورة أن تكتمل دون الزخم والحماية التي وفرها الشعب المصري بأكمله والتيار الإسلامي بالأخص، ثم إن الأحزاب الكرتونية أيضا قفزت فوق الثورة ثم راحوا يهاجمون الإسلاميين .والمسار الحالي محاولة لتقييد الصعود الإسلامي، ونتذكر الإصرار على وضع الدستور أولا وليس الانتخابات، لأنها لو كانت انتخابات حرة ونزيهة لن تكون لصالحهم وسيحقق الأغلبية التيار الإسلامي الذي ستكون له الكلمة في وضع شكل المرحلة الانتقالية، ونرى الآن أن لم ينجحوا أبدا في الانتخابات طيلة عامين ونصف وصلوا للسلطة على أسنة الدبابات يريدون فرض تصوراتهم بالدستور الجديد بعد أن يكونوا قصقصوا أجنحة التيار الإسلامي بأوراق القضاء وحل الأحزاب فنعود لحالة مبارك مرة أخرى ، وستأتي كتلتهم الحزبية بديلا عن حزب مبارك . وبعد مصر وتونس، نجد أن القوى العالمية تدير الصراع الداخلي وتدعم التدخل الخارجي، فالبحرين بها شيعة وسنة واليمن وليبيا قبائل وسوريا بها مذاهب شيعة وسنة، والحقيقة أن النظم التسلطية لم تحافظ على تماسك دولها لأنها كانت تفعل ذلك بالقهر ، ومع اعترافنا بما اعترى أداء الإسلاميين السياسي من قصور، ولكن أيضا من وصلوا بالدبابات لديهم أيضا عوار كبير وظهر في الأيام القليلة وسيظهر ما هو أكثر منه. حذرتي من مخاوف "شيطنة الإخوان المسلمين" من قبل الإعلام . فما الذي كنتِ تعنينه ؟ الإعلام الفضائي تمكن بامتياز من تنفيذ هجمة منظمة ممنهجة متراكمة المراحل منذ ثورة يناير وحتى الثورة المضادة عليها، تقوم على شيطنة التيار الإسلامي بصفة عامة وفي قلبه الإخوان.كانت البداية مع السلفيين ثم انتقلت للإخوان بعد الانتخابات الرئاسية وتقوم عملية التشويه على صناعة صور كراهية وعنصرية تصل إلى حد رفض وجود هذا التيار ابتداء ورفض مشاركته في الحياة السياسية . بعد الثورة اتهم الإسلاميون بسرقة الثورة ثم بأنهم تواطؤا مع المجلس العسكري للحصول على السلطة وحملة التشكيك بأن أغلبية الإسلاميين بالبرلمان سيؤدي لفتنة وتقييد وهروب للاستثمارات ، ثم تهم للرئيس بالأخونة والانصياع لأوامر مكتب الإرشاد وبيع أصول الدولة لقطر ، بل ووصلنا للاتهام بالخيانة العظمى والأخطر اتهامهم بأنهم جماعة إرهابية مسلحة وأنها سبب موقعة الجمل . والحقيقة أن التيارات الإسلامية فصائل معارضة سلمية والربط بينها وبين العنف يعني الرغبة استئصال هذا الفصيل ومنعه من ممارسة الحياة السياسية . ولماذا قلتِ أن المشهد الراهن لا يماثل الحقبة الناصرية، حين تحدثنا عن استبعاد الإسلاميين من المشهد ؟ - رغم أن الخمسينات كانت بداية شيطنة الإخوان المسلمين الذي ظل نظام يوليو يحقنه بالشارع، لكن كانت وقتها وسائل الإعلام محدودة وعملية الاضطهاد والاعتقال لم يكن يعرف بها الكثيرون، وحاليا لا يمكن أن نشاهد ما جرى من تعذيب بسجون ناصر ، ولكنهم يستخدمون سلاحا آخر وهو التشويه المعنوي للإسلاميين وإخفاء الحقائق حين يتم الاعتداء عليهم وتصوير الأمر وكأنه مجرد اشتباكات أو قلب الحقائق والقول بأنهم الجانب المعتدي . وأضيف نقطة أنه في الخمسينات والستينات تأكد بعدها نظام أحادي ليس فيه تعددية حزبية ولكنا ما زلنا في ظل تعدد أحزاب ووعود بانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة . ما رأيك بالتحذيرات من تجاهل نتائج الصندوق في الرئاسة والبرلمان والدستور .. وهل استبعاد الإسلاميين عنوة يقود لسيناريو الجزائر ؟ - مصر سيكون لها نموذجها الخاص ولن تكون الجزائر، وذلك على الرغم من أنه بجرة قلم تم محو انتخابات متعددة خاض غمارها المصريون بشق الأنفس، ودفع ثمنها من دمائهم أبناؤنا في محمد محمود ومجلس الوزراء ، وكنا نعلم أن هناك من لا يريد لتلك الانتخابات أن تكتمل لأنها تفضح انصراف الشارع عن النخب الحالية ، وكان هناك حديث عن تزييف فكانت معاركة شرسة وحولها تهديدات وحروب شائعات وحرائق وقتل وكان المناخ ملبد للغاية في محاولات لعرقلة الديمقراطية . لكن بعد أن شعر الناس بالانقلاب الأخير الذي يريد إزاحة مكتسبات ثورة يناير ، كان الاعتصام المستمر في رابعة العدوية وميدان النهضة وميادين مصر رائعا و يحقق معنى الصمود أمام الانقلاب وعدم الاعتراف به على الإطلاق وماذا عن مبادرتكم لحل الأزمة والتي تلاها الدكتور العوا ؟ - لابد يبدأ حل سياسي وشروطه يقوم على الانطلاق من الشرعية الدستورية وعدم التخلي عنها ، بعودة الدستور وأن تكون هناك انتخابات برلمانية ورئاسية ومن هنا جاءت المبادرة لأن لدينا من الواقعية بقدر كبير برغم اعترافنا بشرعية مرسي إلا أنه لن يستطيع أن يحكم كما كان من المفترض . ولابد من شروط استعادة الثقة بعودة القنوات ووقف الاعتقالات وغيرها.وعدم الأخذ بالمبادرة مأخذ الجد – وهو ما توقعناه - يدفع لمواصلة الاعتصام والتصعيد . لكنك اعترفتِ بأن نظام مرسي شابه العوار وربما ذلك دفع بالمظاهرات الحاشدة ضده .. فما مظاهر ذلك برأيك ؟ بالفعل خرجت أعداد غفيرة تطالب مرسي بالرحيل، ولا يمكن الإنكار، لكنها ليست بالأرقام التي تداولتها وسائل الإعلام ، والمعارضون كان بينهم ثوار حقيقيون، وبينهم محاسيب مبارك الذين رفضوا ثورة يناير ولم يتمكنوا من التعبير حتى جاءتهم الفرصة، وبينهم الأقباط المتشككين بأي نظام حكم مرجعيته إسلامية ، وقطاع واسع من الشرطة التي عارضت ثورة يناير. أما بخصوص مرسي فقد كانت ثورة الآمال المعقودة عليه كبيرة وكانت وعوده كبيرة، وليس لدي شك في أن نظامه فشل في إدارة البلاد لنقص خبرته ربما، ولأسباب أخرى أيضا، لكن أيضا كانت هناك مؤامرة متكاملة لإفشاله، فاجتمع الفشل والإفشال معا فأصبح إدارته للبلاد مجددا أمر صعب . وفي تقرير أخير أعددناه بالمركز قبل عزل الرئيس مرسي خلصنا إلى أنه سعى لترسيخ الديمقراطية عبر البرلمان والدستور ، وسعى لإعادة الجيش لدوره الأساسي بتأمين البلاد وتحسين حالة البلاد الاقتصادية ولكنه لم يمتلك رؤية متكاملة فبدا متخبطا وظهر ذلك بأزمة صندوق النقد الدولي. ونتيجة لغياب الرؤية فشل في إدارة ملف الصراعات الطائفية باستثناء مبادرة "بيت العائلة" ولم يتمكن من وضع تصور شامل لتنمية سيناء ربما لهجمات المتطرفين المباغتة.ومع الأسف فبلادنا لا تمتلك المعارضة الشريفة التي توجه نقدا بناء، بل كان نقدهم هداما يبدأ بالتخوين ولا يستمع، وظل هناك شرفاء أمثال المستشار البشري الذي عارض مشروع قناة السويس ونحن عارضنا الصكوك الإسلامية ، ولكنه كان نقد ذاتي لمن يريد البناء. وبغض النظر فسوء الاداء لا يعالج بالانقلاب بعد سنتين ونصف ولكن الحل من داخل الدستور بطريقة ديمقراطية وهنا لن تكون النتائج فادحة كما نعيش الآن . ولو انتظروا الانتخابات البرلمانية لأمكن إسقاط الإسلاميين كلهم او لو جاءت الأغلبية إسلامية نضغط على مرسي ليرحل أو نجري انتخابات مبكرة