الجميل في هذا المقال بالنسبة لي أنه الأول بعد غربة واغتراب عن مصر لمدة أربع سنوات، ولكن الأجمل من ذلك أنه يمنحني فرصة لأقول لأمي كل ثانية وأنتِ بصحة وسعادة.. وطاعة! وأقول طاعة لأقطع الطريق علي الذين يقولون إن عيد الأم حرام لأنه بدعة وإن الإسلام لا يعرف سوي عيدين فقط هما عيد الفطر وعيد الأضحي. وهم بهذه الطريقة يسرقون من ملايين الأمهات فرحتهن الموسمية، ويستكثرون عليهن احتفال الأبناء بهن وإشعارهن بتقدير ما قمن به من تعب وسهر ومعاناة. وهم يقولون ذلك، رغم أن عيد الأم ليس دينيا باستثناء بعض دول العالم كإسبانيا والبرتغال اللتين يرتبط الاحتفال فيهما بالكنيسة، والهند التي يرتبط فيها الاحتفال بالألهة الهندوسية «درجا بوجا» ويستمر عشرة أيام كاملة! وعيد الأم مختلف في كل بلد عن غيره، فهو مثلا في فرنسا والسويد يكون في آخر أحد من شهر مايو، وفي اليابان وأمريكا والدانمارك وإيطاليا وفنلندا يكون في الأحد الثاني من شهر مايو، وفي المكسيك وأمريكا الجنوبية وتركيا وأستراليا وبلجيكا وهونج كونج وماليزيا يكون يوم 10 مايو، بينما لا يوجد يوم محدد للاحتفال به في أثيوبيا التي تحتفل خلال الفترة من أكتوبر وحتي نوفمبر، وفي مصر وعمان وباكستان وقطر والإمارات وعدد من الدول العربية يكون الاحتفال يوم 21 مارس. وفكرة عيد الأم أصلا اجتماعية، الهدف منها تكريم الأم، وهذا بلا شك لا يتنافي مع أي دين سماوي. وقد بدأت الفكرة في أمريكا علي يد امرأة تدعي آنا جارفيس بهدف تحقيق حلم أمها التي كانت تقول باستمرار قبل موتها: «في وقت ما، وفي مكان ما، سينادي شخص ما بفكرة الاحتفال بعيد الأم»، وبعد موتها أقسمت آنا علي تحقيق رغبة أمها، وقدمت طلبا للمسئول عن ولاية فيرجينيا الذي أصدر أوامره بإقامة الاحتفال بعيد الأم لأول مرة يوم 12 من مايو 1907م، وسرعان ما انتقل الاحتفال إلي سائر الولايات حتي وقَّع الرئيس الأمريكي الأسبق ويلسون يوم 9 من مايو 1914 إعلانا للاحتفال بعيد الأم في الأحد الثاني من مايو كل عام. أما في مصر فقد كان صاحب فكرة الاحتفال بيوم الأم هو الكاتب الصحفي علي أمين، الذي كتب في عموده الشهير «فكرة» يدعو لتخصيص يوم من أيام السنة يطلق عليه «يوم الأم» ويكون عيدا قوميا في مصر وبلاد الشرق، وبعد نشر المقال طرح اختيار اليوم لاستفتاء القراء، واختاروا يوم 21 مارس لأنه بداية فصل الربيع، وبالفعل احتفل المصريون بأمهاتهم لأول مرة يوم 21 مارس 1956م، ثم انطلقت الفكرة لتنتشر في عدد من الدول العربية. وواضح طبعا أن الفكرة لم يكن فيها ما يشير إلي استحداث عيد إضافي للعيدين الإسلاميين، وكذلك لم يكن تقليدا للغرب؛ فقد قيل إن سبب كتابة علي أمين لمقاله وطرحه فكرة الاحتفال بالأم، ثم تبنيه مع توأمه مصطفي أمين للفكرة، رسالة مأساوية وصلته من أم تشكو جفاء أبنائها ونكرانهم للجميل وسوء معاملتهم لها. ولست أدري لماذا نحاول سرقة الفرحة من الأبناء الذين يجدونها في هذا اليوم؟ ولماذا نحرم الأمهات من يوم في العام يترجم فيه الأبناء تقديرهم ومحبتهم لأمهاتهم إلي فعل وليس مجرد قول؟ ألا تستحق الأم ذلك؟ بالطبع تستحق ذلك وأكثر. فكل عام وأمي وكل أم في الكون بخير.